اختيار مدينة العلمين الجديدة عاصمة المصايف العربية لعام 2025    محافظ البحيرة تلتقي ب50 مواطنا في اللقاء الدوري لخدمة المواطنين لتلبية مطالبهم    الإمارات تدين بشدة مقتل موظفين من السفارة الإسرائيلية في واشنطن: أعمال إجرامية    إطلاق نار بالقرب من مقر وكالة المخابرات الأمريكية CIA في ولاية فرجينيا    محافظ الدقهلية يستقبل وزير الشباب لافتتاح وتدشين منشآت الرياضية    برشلونة يسرع خطواته لحماية يامال    مواعيد مباريات اليوم الخميس في دوري روشن السعودي والقنوات الناقلة    بعد ارتباطه بالأهلي.. كوتيسا ينضم إلى أيك أثينا اليوناني بصفقة انتقال حر    أحمد سالم: رفض تظلم زيزو لا يعني تعسفًا.. وجماهير الزمالك نموذج في دعم الكيان    قطاع المعاهد الأزهرية يُعلن تفاصيل امتحانات الثانوية الأزهرية لهذا العام    إحالة أوراق 3 متهمين بقتل بالقناطر للمفتي    رئيس منطقة الإسماعيلية الأزهرية يتابع انطلاق أعمال كنترول الشهادة الإعدادية    تعرف على قناة عرض مسلسل «مملكة الحرير» ل كريم محمود عبدالعزيز    منافس الأهلي.. لاعب منتخب أمريكا السابق ينتقد تصرفات ميسي    الكرملين: "لا نعلم ما قاله ترامب للأوروبيين عقب محادثاته مع بوتين"    القومي للمرأة ينظم لقاء رفيع المستوي بعنوان «النساء يستطعن التغيير»    «العالمية لتصنيع مهمات الحفر» تضيف تعاقدات جديدة ب215 مليون دولار خلال 2024    الأمن يضبط 8 أطنان أسمدة زراعية مجهولة المصدر في المنوفية    بوستيكجولو: سيكون مُحبطا إذا لم نواصل البناء في توتنام    أسرار متحف محمد عبد الوهاب محمود عرفات: مقتنيات نادرة تكشف شخصية موسيقار الأجيال    التنسيق الحضاري: تدشين تطبيق "ذاكرة المدينة" الأحد المقبل بدار الأوبرا    أدعية دخول الامتحان.. أفضل الأدعية لتسهيل الحفظ والفهم    مجلس وزراء الصحة العرب يؤكد دعمه للقطاع الصحي الفلسطيني    شاهد.. أسماء جلال تحتفل بعيد ميلادها مع غوريلا    وفاة شقيق المستشار عدلى منصور وتشييع الجنازة من مسجد الشرطة بأكتوبر اليوم    اهتمام متزايد من الأجانب بالاستثمار في الصين    المؤتمر: تعديلات قوانين الانتخابات استجابة للواقع الديموجرافي الجديد    بحوث "مباشر" تحدد القيمة العادلة لسهم "بنيان" عند 7.94 جنيه    ضبط 9 آلاف قطعة شيكولاته ولوليتا مجهولة المصدر بالأقصر    ماتت تحت الأنقاض.. مصرع طفلة في انهيار منزل بسوهاج    أمريكا ستتحمل المسؤولية.. إيران تحذر من نوايا إسرائيلية للهجوم على منشآتها النووية    أوروجواي تستدعي السفيرة الإسرائيلية بعد الهجوم على دبلوماسيين في جنين    الخارجية الإيرانية: التسريبات عن خطط إسرائيلية لهجوم على منشآت نووية إيرانية مقلقة وتستدعي إدانة دولية فورية    كرة يد - إنجاز تاريخي.. سيدات الأهلي إلى نهائي كأس الكؤوس للمرة الأولى    اليوم العالمي للتنوع البيولوجي.. "البيئة" تكشف سبيل إنقاذ الأرض    مملكة الحرير على "ON" قريبا    22 صورة ترصد انطلاق امتحانات صفوف النقل بالدقي    أمين الفتوى: هذا سبب زيادة حدوث الزلازل    الأزهر للفتوى يوضح أحكام المرأة في الحج    خالد الجندي: يوضح حكم الصلاة في المساجد التي تضم أضرحة؟    الجوازات السعودية تكشف حقيقة إعفاء مواليد المملكة من رسوم المرافقين لعام 2025    وزير الصحة يبحث دعم تصنيع اللقاحات والتوسع في خدمات التطعيم بأفريقيا    تأثير الكبد الدهني على القلب- نصائح فعالة للوقاية    الدكتور محمد خليل رئيسًا لفرع التأمين الصحي في كفر الشيخ    كامل الوزير: نستهدف وصول صادرات مصر الصناعية إلى 118 مليار دولار خلال 2030    «الداخلية»: ضبط 46399 مخالفة مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    إعلام عبري: إسرائيل تستعد للسيطرة على 75% من أراضي غزة    الجامعة البريطانية تحتفل بتخرج الدفعة الثانية من برنامج زمالة زراعة الأسنان    «سلوكك مرآتك على الطريق».. حملة توعوية جديدة لمجمع البحوث الإسلامية    الكشف عن اسم وألقاب صاحب مقبرة Kampp23 بمنطقة العساسيف بالبر الغربي بالأقصر    الزراعة : تعزيز الاستقرار الوبائي في المحافظات وتحصين أكثر من 4.5 مليون طائر منذ 2025    راتب 28 ألف جنيه شهريًا.. بدء اختبارات المُتقدمين لوظيفة عمال زراعة بالأردن    محافظ القاهرة يُسلّم تأشيرات ل179 حاجًا (تفاصيل)    "صحانا عشان الامتحانات".. زلزال يشعر به سكان البحيرة ويُصيبهم بالذعر    طلاب الصف الأول الثانوي يؤدون اليوم امتحان العلوم المتكاملة بالدقهلية    هبة مجدي بعد تكريمها من السيدة انتصار السيسي: فرحت من قلبي    حكم من يحج وتارك للصلاة.. دار الإفتاء توضح    المستشار عبد الرزاق شعيب يفتتح صرحا جديدا لقضايا الدولة بمدينة بورسعيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ليلك
نشر في أخبار الأدب يوم 09 - 07 - 2016

ننشر في صفحات الابداع، مقاطع من الأعمال الفائزة في مسابقة أخبار الأدب فرع الرواية، التي فاز بها: رضوي أسامة عن روايتها "ليلك"، غادة محمد عبدالحميد وشهرتها غادة العبسي عن روايتها "الإسكافي الأخضر"، ومصطفي محمد رشدي عن روايته "باب الغريب".
أجلس أمام شاشة الكمبيوتر أتابع أغنية فيروز، "يا سلام علي بكرة يا سلام" تمنحني الكلماتُ أملاً جديدًا، أقلّب في ملفات جهازي المحمول، أفتح صُوَرَنا، صور الزفاف، الفستان الروز، أصَرَّ أن نصبح يومها مختلفَين ففاج أني بفستانٍ روز وبدلة بيضاء له، أخبرتُه أن أباه سيقتلنا إذا رآني في فستانٍ بلا أكمام، أخبرني أني في حمايته، شعرتُ بحلاوة الجملة، أعجبَتني أنا الثوريةَ المدافعةَ عن حقوق المرأة .. فرحتُ يومها حين أخبرني أنني في حمايته ..
عارفة يا ليلك إيه أكتر حاجه باحبها فيكي ؟ باحب الثورة اللي بتطل من عينيكي .
أول مرة قالها حازم أطلتُ النظرَ إلي عينيَّ في المرآة لأتعرفَ علي معني ثوريتي. قلّبت في صور الفرح، وشهر العسل، وقسيمة الزواج، لكنني قمتُ فجأةً لأُحضِرَ "السكانر" وفتحت دولابي لأحضر قسيمة الطلاق وأخذت صورة منها ووضعتُها في نفس الملف علي الكمبيوتر.
اغرورقَت عيناي بالدموع عندما تذكرتُ آخرَ مرةٍ لنا قبل الذهاب إلي المأذون، طلبتُ منه فقط أن يجيبَني عن تساؤلٍ واحد:
حازم ممكن أعرف إحنا ليه بنتطلق؟ أنا لسه باحبك.
احتضنني في حضنٍ لن أنساه واغرورقَت عيناه بالدموع وأجابني بانكسار:
- مش عارف أبص في عينيكي، مش عارف أبسطك وأكون مبسوط معاكي.
أخبرتُه أنها أزمةٌ وستنتهي وأنّ السنواتِ الأولي في الزواج بها الكثيرُ من المشاكل، وأنني ربما قصّرتُ في حقه وانتبهتُ لعملي أكثرَ من اللازم، لكنه احتضنني ووضع خاتمَ الزواج في يدي وقال: "مش قادر أكمل، ترضي حد يعيش معاكي غصب عنه". كانت هي الجملة التي قصمَتني، لم أحتمل العيش معه غصبًا عنه، وكّلتُ أخي وذهب معه إلي المأذون.
-عايزه الحضن ده يبقي آخر حاجة عملناها مع بعض، مش عايزاك تقول لي انتي طالق.
أُغلِقُ جهاز الكمبيوتر، وأصعد إلي (علياء) جارتي وأستأذنُها في الجلوس مع طفلتها (ملَك)، تدخل (ملك) مسرعة: "للك انتي حلوة". تصحح لها الاسم "قولي ليلك"، فتردد ملك "للك" .. تطلب (ملك) أن أحكي حكاية الأرنب.
أظل أحكي معها حتي تنام، أجلس بجوارها وأشم رائحة جلدها وأنهار من البكاء. يرنُّ تليفوني المحمول، يخبرني أخي أنه وزوجتَه يدعوانني إلي العَشاء والسينما، أعتذر لأنَّ عليَّ الحصةَ الأولي في الغد. أُدخِل (ملك) لوالدتها وأنام في سُباتٍ عظيم تتخلله أحلامُ وكوابيسُ الرحيل.
أستيقظُ في مِزاجٍ رائق، أُعِدُّ كوبَ شايٍ بالفانيليا، أنظُرُ إلي صورة جدي وجدتي المعلقة علي الجدار .. تبدو في الصورة ك(شادية) بفستانها الرقيق المنتفخ، ويُطِل جدي من الصورة بعنفوان (رشدي أباظة) وشياكة (كمال الشناوي).
أفيق من تأملاتي علي صوت خبطات (ملك) علي الباب، أفتح فأجد علياء وطبق كيكة بالبرتقال.
مش ممكن أعمل كيكة بالبرتقال وما تدوقيهاش.
تضع الطبق علي السفرة وتسحب (ملك) بسرعة، أتناول الكيك ورشفةً من الشاي فتمتزج رائحة البرتقال بالفانيليا المُنبعثة من الشاي بصوت فيروز في أغنية "عندي ثقة فيك" فيمنحاني مزاجًا رائقا.
أُديرُ مُحرِّكَ سيارتي الكبيرة، وهي آخر ما تبقي من علاقتنا، أصرَّت أمه أن تمنحني سيارة أبيه وذلك عندما أصررتُ علي عدم أخذ مؤخر الصداق.
أنا مش جارية علشان آخد فلوس منه بعد الطلاق.
أهدتني حماتي السيارة ووضعَت بداخلها مُصحفها الذهبي وقالت "دي هديتي أنا علشان نفضل كعيلة جواكي".
أخذتُ السيارة ليس تنفيذًا لوصية صديقتي التي أصرت علي انتفاعي بأي شيء، لكنني أخذتها لنظل كما قالت أمه عائلة واحدة ولأنني أحِب مصحفها الذهبي.
أدخُل الحصة الأولي بنشاطٍ أُحسَدُ عليه، يرقبُني أستاذ (أحمد) مدرّسُ الجغرافيا ونظراتُه تخترقني بعنف، تستقبلني البنات بتهليلٍ كبير بعد غياب يومين.
تُحضر لي إحداهن وردةً صغيرةً وتقول:
أنا جبتها يا مس من امبارح وحطيتها في مية علشان تفضل عايشة.
أخذتُ منها الوردة وقبّلتُها وكتبتُ علي السّبّورة "تعبير"، وظللتُ أحفِزُهنّ علي صُنع حكايةٍ تخصهنّ، فكلٌّ مِنّا يحكي حكايتَه الخاصةَ ويصوغُها بأسلوبه في الكشكول.
طلبَت منّي إحدي البنات "نسمع مزيكا يا مس زي المرة اللي فاتت" .. فتَحتُ تليفوني المحمولَ وأدرتُ أغنيةَ "جدُّو" لمحمد منير. جلسَت كلٌّ منهنّ تحكي حدوتتها الخاصة.
جلستُ لأكتبَ حدوتتي الخاصة معهن، حدوتة البنت الصغيرة اليتيمة التي تجلس مع شقيقها عند جدتها، حكيتُ عن زوجة أبي، وصورة أمي المتخيَّلة التي أنسجُها في كل مرةٍ ك(فاتن حمامة).
أُغلِقُ كشكولي وأستمعُ إلي حكاياتهنّ الصغيرة المليئة بالفرح، لأسحبَ من ألوانِ الفرَح الخاصة بهنّ لونًا يُبهجُ لوحتي الحزينة.
بمجرد انتهاء الحصة الأولي أنسحب إلي حجرة المدرسين، أتنفس الصعداء لاكتشافي أنه يمكنني البقاء وحيدةً في الحجرة إلي الحصة التالية، الكلُّ منشغلٌ بحصصه، أفتحُ جهازي المحمولَ وأدخُلُ إلي الصفحة الرئيسة للفايس بوك وأُتابعُ صور الأصدقاء، ألمَحُ صوره في صفحة صديقٍ مشترَك، أبحثُ عن تعليقاتِه بجنونٍ، أطيلُ النظرَ إلي الصورة، يبدو فيها مرتاحًا أكثرَ مِن ذي قبل، أشعُر بالانكسار كلما رأيتُه سعيدًا أو هانئًا، أفتَحُ الصورةَ لتحتلَّ الصفحةَ بكاملِها، تبدو ملامحُه واضحةً جدًّا
ومستفِزَّةً لمشاعري، ألمِسُ برفقٍ وجهَه علي الشاشة، أُقبِّلُه وأنهمرُ في البكاء. أقرِّرُ الصمود وعدم الاستسلام لتلك الحالة وأراقب الباب المغلق وأنظر إلي الساعة لأتأكدَ كم من الوقتِ سيُمكِنُني الاستمتاعُ وحدي، أجفف دموعي وأتخذ القرار بسرعة وأحذف صديقَنا المشترَك من قائمة الأصدقاء، لا أريد أن أري صوره ولو صدفة .. سبق وحذفتُه هو شخصيًّا مِن قائمة أصدقائي فأرسل إليّ رسالة استفزازية عن حزنه لحذفي له "لم أكن أتصور أنني بهذا السوء الذي يدفعُكِ إلي عدم رؤيتي مرة أخري". أجابت عني صديقتي عندما حكيتُ: "وحياة أمه، ده بوّظ حياتك".
العجيب يا حازم أنك لست بهذا السوء، وأنني ما زلتُ أكِنُّ لك مشاعر مختلطة، مزيجًا من الحب والغضب والقرف.
أفيق من تأملاتي علي صوت (ضحي)، أغلِقُ صفحة الفايس بوك وأبتسم باصطناعٍ لكنها تلمحُ ذلك الاحمرارَ في وجهي واللمعة الباكية في عينيّ.
اسكتي، مش (حسن) جوزي جايبلك عريس!
أحاول أن أجاريَها وأستمع إلي مواصفات صديق (حسن)، أتذكرُ (حسن) مدرس الرياضيات زميلنا والذي استقال ليفتح شركة خاصة به، أتذكرُ زيارته و(ضحي) لنا فور زواجنا، جلس يناقش مع (حازم) فكرة استغلال أرضه في المنيا وتحويلها إلي مشروع استثماري، و(حازم) يناقشه في ذلك السحر الذي يشعر به عند زيارته لأرضه هناك وجلوسه في صومعته وتفرغه للرسم، وجزءٌ من انبهاره هو المكان الذي يلائمه تمامًا كما هو بفلاحيه ورائحة روث البهائم، أتذكر أن (حازم) أخبره وقتها أنَّ تلك الرائحة هي مصدرُ إلهامِه الأوّل.
أفقتُ علي صوت (ضحي) وهي تقول:
ي فكرة (حسن) بيقول لي إنّ (حازم) ده ما كانش راجل وأهبل كمان وفكرني يا (ليلك) بموضوع روث البهائم، فاكرة؟
لم أخبرها أنني الأخري بلهاء، وأنني مارست الجنس مع (حازم) باستمتاعٍ مُضاعَفٍ علي رائحة روَث البهائم، وتمنيتُ في تلك اللحظة أن أنجِبَ طفلةً صغيرةً تُشبهُ أمي وأمه في نفس الوقت.
لكنني أفقت مرة أخري علي صوتها وهي تلحّ: "مش هتشوفي العريس؟، علي فكرة هو سأل (حسن) عن أسباب الطلاق وقال له إنك اكتشفت أن حازم مريض نفسي".
إزاي حسن ده يتصرف من دماغه .. مين قال ان حازم مريض نفسي؟
تنظر لي بتعجُّب وتردّد ما سمِعَته مراتٍ مِن زوجةِ أخي وصديقاتي عن غبائه وعدم مسئوليته وأنّ الملل الزوجي لا يُعالَجُ بالرحيل.
تذكرتُ خطابَه الذي وجدتُه في فستان زفافي الذي أرسلَه مع صديقة مشتركة:
"ليلك .. كنتُ أقرأ في رواية (عابر سرير) لكاتبتِكِ المفضلة (أحلام مستغانمي)، ثم استوقفتني فقرة بأكملها أهديها لكِ، علَّكِ تفهمين لماذا انفصلنا وأنني لست بمختلٍّ كما اتهمَني أخوكِ أمام المأذون..
" ثمة من ينال منك، بدون أن يقصد إيذاءك، إنما باستحواذه عليك حد الإيذاء. ثمةَ مَن يَربط سعادته بحقِّه في أن يجعلَك تعيسا، بحكمِ أنه شريكٌ لحياتك، تشعرُ أنَّ الحياة معه أصبحت موتًا لك، ولابد مِن المواجهة غير الجميلة مع شخصٍ لم يُؤذِك، لم يَخُنكَ، ولكنه يغتالُك ببطء.
تريد أن تستقيل من دور الزوج الصالح والسعيد الذي مثلته لسنوات، تفاديا منك للشجارات والخلافات. تريد أن تتنازل عن أوسكار التمثيل الذي كان يمكن أن تحصل عليه في البطولة الرجالية في فيلم "الحياة الزوجية" لا لقِلة حيلتك فأنتَ ما زلت قادرًا علي مزيدٍ من الأكاذيب التي تبتلعُها امرأةٌ دون جهد. ولكنك مُتعَب، والحياةُ أقصر مِن أن تقضيَها في حياكة الأكاذيب، والرعبُ اليومي الذي تعيشه أكبر مِن أن تزيد عليه الخوفَ مِن زوجتِك".
ليلك، لستُ بكاذب، لم أستطع أن أحُوكَ الأكاذيب لأقنِعَكِ أني أحبك، عندما وقفت أمام اللوحة لأربع ساعاتٍ دون أن أضع خطًّا واحدًا فيها، وعندما جلستُ بجوارِكِ في السريرِ لأتجنبَ رغبتَك المُلِحَّةَ أدركتُ أنني لم أعُدْ أحبُّكِ وأنني لن أتمكنَ مِن استكمال لوحاتي وحياتي وأنا معك".
لم أشعر بأي شيء إلا وأنا في السيارة بعد انتهاء اليوم، لا أعرف كيف شرحتُ حصة النحو ولا أتذكرُ كيف أفهمتُهن الفارقَ بين الفاعل والمفعول به.
كل ما أتذكرُه أنني انسحبتُ مِن أمام (ضحي) بعد أن اتهمتني بالجنون والرغبة في إيذاء الذات.
أجلس في السيارة لأفكر كيف سأقضي اليوم، يرن هاتفي المحمول وأري رقم حماتي علي شاشته، أهاتفُها وتسألني عن صحتي، أكاد أسألها عن حازم، لكنها تندفع وتخبرني أنها لا تعرف ما الذي حدث له وتتعجب من اكتئابه رغم إصراره علي الطلاق. أتمتمُ بكلامٍ لم أفهَمْه عن القسمة والنصيب واختيار الله وأُنهي المكالمة سريعا.
لكن تظلُّ كلماتُها عن اكتئابه مصدرَ فرَحٍ لي طوال اليوم.
تهاتفُني صديقةٌ وتخبرُني عن ذهابها إلي حفلة "اسكندريلا"، أخبرُها بأنني لم أسمع بهِم مِن قبل ولن أذهب إلي حفلةٍ لفريقٍ لا أعرفُه واسمُه لا يعجبني.
- ايه اسكندريلا ده .. يعني اسكندرية ولا سندريلا ولا ايه بالضبط؟
تخبرني بأنني سأندم كثيرا إن لم أذهب، أخبرُها أنني سأجرّب.
في الحقيقة كنتُ لا أريد الاستسلام للحالة الحزينة، ووجدتُ دعوةَ (سمَر) مثاليةً جدًّا وفي توقيت مناسب:
- وماله يا ستّي، اسكندريلا زي بعضه، ده حتي مزيج من حاجتين باحبهم.
أذهب إلي البيت وأستسلم للنوم لأستيقظ بعد ساعتين وأحتسي في البلكونة شايًا بالقرنفل، أستسلم لحالة من التأمل لا يُخرجني منها سوي صوت "ملك" وهي تناديني بصوتها الطفولي من بلكونتها.
تسألني (علياء) فجأة بصوتٍ مرتفع:
ألاّ قولي لي .. مش عايزة كلب؟
يفاجئني السؤال ويقطع تفكيري صوت ملك وهي تنبح كالكلاب.
- اشمعني كلب يعني؟
تخبرني بأنّ أخاها أحضر كلبًا وزوجتُه أقسمَت أنه لن يَدخُل البيت خوفًا من نجاسته وخروج الملائكة من المنزل.
- وانتي يا ليلك الملائكة عندك ما بيجوش أصلاً بصوت المزيكا طول الوقت، فالكلب فكرة كويسة ويسليكي وما يِخرِبش علي أخويا ولما يحب يشوفه يبقي يشوفه عندك .. ايه رأيك؟
أخبرُها بتأجيل الموضوع لأني سأذهب إلي حفلة وأعِدُها بالتفكير، لكنها تقاطعني وتخبرني أنها ستخبر زوجةَ أخيها أنني سآخذه مِن عند البواب بعد عودتي مِن المدرسة.
أغلِقُ البلكونة وأشعرُ بالرغبة في عدم الاختراق وبالحنينِ إلي بيت (حازم) بالمنيا .. أطردُ رغبتي سريعًا وأستعدُّ للنزول.
2
حازم
أستيقظ من النوم مثقلاً بأحداث أمس، ما زالت رائحة صخب الأصدقاء تملأ المكان، أَخرُج إلي الصالة فأجد زجاجات البيرة والأكواب فارغة، وبقايا سمك ولب وسوداني وكانزات بيبسي وأشياء مبعثرة علي الأرض. أتذكر أنني لم أشرب بالأمس، رفضتُ الشرب لآلام في معدتي، منذ أن رحلتُ عن البيت وأنا أعاني آلامًا في المعدة، وإحساسًا بالذنب لا يفارقني.
أطيل التأمل هذه الأيام، أحاول تخيل شكل المستقبل، وتهاجمني أشباح الماضي بقسوة تقتلعني وتكاد تُخرج روحي.
أتساءل بيني وبين نفسي هل أحببتُ (ليلك)؟ بدت لي الفتاة المثالية للزواج أنا المعارض دومًا لفكرة الزواج، كانت تمثل توازنًا بين رائحة أمي وشوارع المنيا، ورائحة وسط البلد التي أحبها، كنت ألمح طِيبةً وثوريةً بعينيها، كنت أحب عنادها الطفولي الممتزج برائحة الأنثي.
كانت تتحول تدريجيًّا لتشبه أمي، حتي إنني كثيرًا ما كنت أخاف ذلك التشابه. ما زلتُ أذكرُ عندما كنا بالمنيا وخرجتُ مِن صومعتي لأجدَها تنامُ علي حِجر أمّي وقد ضفّرت شعر (ليلك) كما كانت تفعلُ لنفسها في طفولتنا، عندما دخلنا غرفتنا اقتربَت منّي وانطلقت من شَعرها رائحةُ زيت المنك الذي تستخدمه أمي، لم أستطع يومها فعل أي شيءٍ، بدَت مُحبَطةً، لكنني كنتُ أخافُها في ذلك اليوم، وانسحبتُ مِن جوارها عندما نامت ونِمتُ في صومعتي إلي الصباح وظللتُ أحلمُ بأخيها يصارحني بأنها أمي.
لم أكن مجنونًا كما اتهمني أخوها، ولا غير مسئولٍ كما اتهمني أبي، ولا جاحدًا كما اتهمتني أمي، ما زالت ليلك هي تلك الفتاة التي سحرتني يومًا ، لكني لا أستطيع استكمال
الحياة معها، ناقشتُ فكرة الطلاق طيلة عامٍ كاملٍ، أحاول أن أستعيدها كما رأيتُها أول مرة. عامٌ كاملٌ لم أستطع فيه رسم لوحةٍ واحدةٍ. عامٌ كاملٌ من التفكير المستمر، كنتُ سأُجَنّ، أتعذب في تلك اللحظات التي أجدني فيها وقد أصبحتُ أميل لفكرة الطلاق وهي تتفنن في صنع طبقِ مَحشِي أحبُّه.
صدق من قال: "أسهل طريق لقلب الراجل معدته". في كل مرةٍ كانت تصنع أكلاً مميزًا كنتُ أُعيدُ التفكير مرةً أخري لأنها قالت لي مرّةً: "أنا لا أطبخ فقط، لكني أمارس معك الحب حين أصنع لك وجبة" .. الطبخ فعل حب، ففي كل مرة كانت تحبني فيها ليلك، كنت أعجز عن اتخاذ القرار.
وعندما لم أستطع النوم لثلاثة أيام متتالية، كنت أقضيها في غرفة الرسم عاجزًا عن الرسم والبكاء والنوم قررتُ أنَّ حياتي بأكملها أمام قرار الطلاق. فاخترتُ حياتي وفكرتُ في حياتها التي ستتلونُ بِلَون العذاب إن استمرَرْنا بهذا الشكل وخاصةً أنني عجَزتُ عن لمسِها لثلاثة شهورٍ متتالية.
كان ذلك بعد حادثةِ زيارتِنا للمنيا ورائحةِ زَيتِ المِنك.
بقيَ أن أُخبرَها، وفي ذاتِ صباحٍ وهي جالسةٌ تُقاومُ اكتئابَها أخبرتُها بنيّتي في الطلاق.
ليلك، أنا مش قادر أكمل .. لازم ننفصل.
لا أريد تذكر ذلك الحوار التراجيدي الذي دار بيننا، لكنني كنت صادقًا في نيّتي نحوها، لم أكن أريد لها أن تدخل في دائرة عذاباتي.
لم يكن يُخيفُني ردُّ فعل أخيها بقدر ما كنت خائفًا مِن رد فعل أمّي، كنتُ أعرف أنهما تصادقتا بشكلٍ أثار دهشتي، أنا الذي أعلمُ كم تحافظُ أمي علي التقاليد والقيود، وأعلمُ كم تكرهُ (ليلك) التقاليد والقيود.
ظللتُ قرابةَ الأسبوعَين في منزلي لا أرد علي تليفونات أمي، إلي أن فوجئتُ بها في أحد الصباحات، لن أنسي أنها بصَقت عليَّ وقالت عنّي جاحد.
عندما انهرتُ في نوبةِ بكاءٍ متصلةٍ، احتضنتني أمي بشدةٍ وظلّت تبكي معي لساعتين متصلتين. كنتُ أبكي نفسي وأبكي (ليلك) وأتحسرُ للوعة أمي، لكني كنتُ أعرفُ أنَّ تلك الخُطوةَ هامّةٌ لكِلَينا ولم أستطع الرجوع عنها .
أفتح دولاب المطبخ وأُحضِرُ فنجانًا وأُعِدُّ لنفسي قهوة سادة، أهاتفُ (مدحت) مدير الشركة وأخبره أنني سأحضُرُ بعد غيابٍ متقطع. أقاومُ ثقل الأحداث بالعمل، أذكّرُ نفسي بأنني سأذهبُ لعمّ (چورچ) لشراء ألوان، أودُّ الاحتفال هذا المساء ورسم لوحةٍ جديدة، بداخلي طاقةٌ تودُّ لو تَخرجُ في الرسم.
بمجردِ النزولِ أتذكرُ أنني منذ أن رحلَت (ليلك) عن المنزل لم أروِ الزرع، أقررُ أن أهاتفَ (مي) صديقتنا المشتركَة لأرسل لها بالزرع لتأخذه (ليلك)، لا أريد تحمُّلَ وِزرِ كائناتٍ أخري تموتُ في هذا البيت.
بمجردِ دخولي إلي الشركة أنهمِكُ في عُروضٍ كثيرةٍ، يُخبرني (مدحت) أنّ عليَّ تصميمَ شخصيتين كرتونيتين جديدتين خلال أسبوعٍ ولا يَنسي أن يُخبرني أن راتبي لم يُخصم منه الأيامُ التي تغيبتُها، وأنه مقدِّرٌ لِما حدث في حياتي.
بص يا حازم عايزين نركز في الشغل الوقت ده صعب قوي وحاسم في عُمر الشركة.
أشتمه في سرّي وأذكّر نفسي بأنني بحاجةٍ إلي نقودٍ هذه الأيام، لن أستطيع أخذ أي عائدٍ من الأرض مِن أبي.
يَقطعُ تفكيري صوتُه وهو يُعرِّفُني ب(غادة) مُصمِّمة الجرافيك الجديدة والتي ستجلسُ في نفس الغرفة التي أجلسُ فيها.
أرحِّبُ بها ، لكنّها ترحّبُ بي بإيماءةٍ بوجهِها وتجلسُ فورًا إلي الجهازِ وتبدأُ العمل.
أحارُ أنا في البنات بالفعل وقدرتِهنّ الغرائبية علي فعل الأشياء بسرعةٍ شديدةٍ وتركيزٍ أشدّ.
أتأملُ في (غادة) رفيقتي في الغرفة في الوقت القادم، أنظرُ إلي يديها علي الكيبورد والسرعة المتوترة التي تدير بها الأشياء علي الشاشة.
تلتفتُ إليّ فجأةً وتسألُني عن رقم البوفيه، أخجلُ مِن نَفسي لأنني كنت تقريبًا "متنّح" .. أبتسمُ وأصيحُ فجأة:
بالراحة شوية، انتي الحماس قفشك كده ليه؟!
تضحك وتخبرني بأنها خرمانة قهوة وتسألني إن كان التدخين مستهجنًا هنا أم لا.
أخبرُها أننا في شركةٍ صاحبُها ليبرالي وأننا جميعًا ليبراليون بحكم رأس المال، وأعرضُ عزومتها علي فنجانها الأول للقهوة في الغرفة.
علي فكرة أنا باستمتع جدا بشرب القهوة مع حد .. فعزومتي ليكي غرضها استمتاعي الشخصي.
علي فكرة بقي أنت مش شرّيب قهوة، القهوة طقس خاص جدًّا وذاتي، والأفضل احتساؤه وحيدا.
أتفاءل بشريكتي الجديدة في الغرفة، وأشعرُ بأنّ لديّ طاقةً هائلةً أريد أن أُفرِغَها اليوم في اللوحة ثم أستسلم للنوم بعمق.
في نهاية اليوم أعرض علي (غادة) توصيلها إلي المنزل بعد أن أخبرتني أنها تسكن في مصر الجديدة، أخبرُها بأنني سأذهب في البدء إلي وسط البلد لشراء ألوان لأنني في حالة رسمٍ مُلِحّة.
أنت رسام؟
ممسوس بالرسم، الفرق كبير يا أستاذة.
أنا كمان كنت بارسم بس باحب شغل الجرافيك أكتر.
الجرافيك ده سبوبة نجيب منها عيش لكن الرسم ده حالة تانية.
أوصلها إلي منزلها، منظر العمارة القديمة يوحي بأنها تقطنُها منذ زمن، خجِلتُ أن أسألها إذا كانت متزوجةً أم لا.
أتذكر (ليلك) وقدرتَها الفائقة أن تعرف مِن اللحظة الأولي الحالةَ الاجتماعية للمتحدثة، أخبرَتني أن الموضوع في منتهي البساطة: علي فقط أن أنظر للدّبلة في يديها.
ظللتُ أتذكرُ إن كانت (غادة) ترتدي واحدةً أم لا، لكني عجزتُ عن التذكر، علي كلٍّ أنا مُمتَنٌّ لها بالفضفضة ومشاركتي فنجانَ القهوة.
يرنُّ موبايلي فألمحُ رقمَ أمي علي التليفون، أردّ فأشعر بدفءٍ غريب، تُخبرُني بأنني أوحشتُها ووعدَتني ألا يتحدثَ أحدٌ معي في موضوع الطلاق، وفي النهايةِ هي حياتي ولن يتدخلَ أحد.
أشعرُ أنّ اليومَ مثاليٌّ جدًّا لرسم لوحة، وأنَّ الحياةَ أخيرًا أهدَتني لحظةً صافيةً، أخبرُها بأنني سآتي الخميسَ وسأقضي يومَين هُناك.
بس بلاش سواقة يا بني تعالي بالقطر، حوادث المنيا علي الطريق وحشه.
إن شاء الله يا ماما ما تقلقيش.
بمجرد وصولي إلي العمارة أشعر بجوعٍ شديد، وعند دخولي المدخلَ أشمُّ رائحةَ ملوخية وفراخ فأشعر بحالةٍ مِن الحزن والافتقاد لليلك.
أقررُ فجأةً أن أصنعَ ملوخية وفراخ، فأغيّر وِجهَتي الي السوپرماركت، وأشتري كيس ملوخية وفراخ، وأتذكرُ عِبارات اللومِ التي كانت توجهُها أمّي لليلك وهي تشتري هذا النوع مِن الملوخية:
الملوخية يا خايبة تتخرّط وتتقطّف ..دي مش ملوخية اللي انتي بتجيبيها دي.
أقررُ أن أهاتف (غادة) لأسألَها عن طريقةِ عمل الملوخية والفراخ:
هو انت قاعد لوحدك؟
آه، وشعرت بالشفقة علي الذات لما شميت ريحة الملوخية عند الجيران.
يا حرام
أخبرَتني كيف أصنعُ الملوخية والفراخ، لكنني وجدتُ أنّ الأمرَ قد يستغرقُ ساعةً ونصفًا حتي تنضج الفراخ وأصنعَ بشوربتها الملوخية، فوضعتها في الفريزر وأجّلتُ الفكرة، واتصلتُ بكنتاكي وتناولتُ وجبتي واستغرقتُ في نومٍ عميقٍ جدّا.
استيقظتُ مِن النومِ وأعددتُ لنفسي فنجانًا مِن القهوة، وأحضرتُ فُرَشَ الرسم والألوانَ وأخذتُ أستحضرُ الرُّوحَ، تذكرتُ أنّ في دُرج المكتبِ آخِرَ قطعةِ حشيشٍ تبقَّت مِن يومِ أمسِ في سهرةِ الأصدقاء، جلستُ ألُفُّ لنفسي سيجارةً بعنايةٍ شديدةٍ وانهمكتُ في الرسم.
كنتُ أشعرُ بأنّ جُوعَ الشهورِ الماضيةِ يتفرغُ الآنَ في اللوحة، ظللتُ أرسمُ مِن العاشرةِ مساءً حتي الخامسةِ فجرًا، قُمتُ بمجردِ أن شعَرتُ بالإنهاك والرِّضا.
استسلمتُ لنومٍ عميقٍ جاءتني فيه (غادة) ترتدي بنطلونًا ضيقًا بوسط ساقط، وجلسَت بجواري واحتضنَتني وعندما سألتُها عن رائحةِ پرفانها أجابَتني:
ده فيكتوريا سيكرِت.
تأخذني في حضنٍ عميقٍ جدًّا وأستسلمُ تمامًا لها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.