مات رجل ولا كل الرجال.. مات نيلسون مانديلا الذي حرر بلده ليس من الاحتلال الانجليزي فحسب.. بل في نفس الوقت حرر اهله وعشيرته الذين كانوا عبيدا من أجل شيء لا ذنب لهم فيه.. وهو لون بشرتهم الأسود.. كانوا يعاملون السود مثل الكلاب.. لافتات كثيرة علي كل الاماكن العامة تقول: "ممنوع دخول الكلاب والسود"!! دخل السجن 27 عاما لكي يحرك ضمير العالم ويحصل لبلده ما لم تكن تحلم به في وقت واحد.. ثم اعطي درسا لكل المجاهدين والزعماء في بلاد العالم كله.. كل الرؤساء يحلمون بالزعامة.. ولكن الزعماء الحقيقيين لا تهمهم الرئاسة.. كان طبيعيا ان يكون أول رئيس اسود الوجه ابيض القلب من عام 1994 حتي 1999 مدة رئاسة واحدة ثم قرر ألا يرشح نفسه مرة أخري رغم معارضة الشعب كله بلا استثناء.. ليظل زعيما حقيقيا لبلاده بل للعالم كله.. كرجل عاش من أجل مبادئ الحب والتسامح والخير والسلام والحرب والكرامة والديمقراطية. واسلوب مانديلا في تحرير بلاده من الاستعمار الخارجي والاستعمار المحلي درس ما أحوجنا إليه في هذه الأيام.. تمثلت المعجزة في اخلاق وتفكير مانديلا الذي نقل بلاده إلي عصر الحرية والمساواة بين الجميع بطريقة ديمقراطية سلمية بلا عنف ولا تخريب بعد أن كانت جنوب افريقيا مرشحة وبقوة للدخول في نفق مظلم من الحرب الاهلية لسنوات يعلمها الله.. بدلا من بحور من الدم والخراب تجسدت بطولة مانديلا السلمية إلي تحويلها إلي مجتمع مستقل حر يسود فيه الاحترام بين الجميع ويتمتع فيه الاسود والابيض معا بحقوق وواجبات متعارف عليها في كل العالم المتدين بعد أن كانت التفرقة العنصرية تمارس باسوأ درجات العبودية وازهاق الكرامة الانسانية.. ما احوجنا إلي ان تتفهم بعض الجهات المعادية للنظام ان الجهاد السلمي اقوي آلاف المرات من ازهاق روح لا ذنب لها. * * * أتحدي ان تجد صورة ما علي الورق أو علي الشاشة لمانديلا بدون الابتسامة التي تقرأ في ثناياها الطيبة والوداعة والحب والخير للجميع.. ليس غاندي وحده هو الذي حرر الهند بالسلمية والشفافية والزهد عن الدنيا.. فدخل في قلوب شعب بأكمله.. فاصبح المحتل يخشي من هذا الزعيم معشوق الجماهير من أي زعيم يهدد ويمارس العنف والقتل والتخريب.. نفس الحكاية.. كان مانديلا في سجن عادي وسط شعب يحبه.. كان من الممكن خلال 27 عاما تحطيم هذا السجن تحطيما ولكن الشعب يعلم تماما ان المسجون لا يحب العنف.. بالسلام والمطالبة بالحق بقوة الحق نحصل علي الحق. ما أحوج هؤلاء الذين يعيثون في الارض فسادا وتخريبا ان يتفهموا فلسفة مانديلا ومن قبله غاندي.. انها رسالة شخصية للمخلوع محمد مرسي. * * * نعود إلي مانديلا "الرياضي".. كان يعشق لعبتين.. كرة القدم والملاكمة دون ممارسة.. كان يسمي لعبة الملاكمة لعبة "الخصم الشريف!!".. يضرب خصمه بحب.. يهزمه بالصداقة ويعانقه بعد ان يوقعه علي الارض ويفوز عليه.. فهذه هي فلسفة مانديلا التي عاش بها ومات علي مبادئها. لذلك قصة.. كان كلاي حريصا علي أن يلتقي بالزعيم الاسود الخرافي مانديلا.. وكان مانديلا يحب كلاي من علي بعد ويتابع مبارياته دائما. ثم تلعب الصدفة لعبتها.. كان مانديلا في لندن بدعوة من ملكة انجلترا.. لسبب ما.. وكان كلاي علي موعد لمقابلة ليستون الشرير ملاكم كالحائط مهما ضربته لا يتأثر وقبضة يده مثل البطيخة حينما يلاكم!! وكان كلاي قد خرج من السجن منذ اسابيع قليلة بعد أن تم سجنه لمدة عام بتهمة الهروب من التجنيد.. فقد كان قد صدر قرار غريب بتجنيد بعض الامريكيين وكان احدهم كلاي وقيل ان هذا القرار من أجل تجنيد كلاي بالذات وفقط!! امتنع كلاي عن الذهاب لادارة التجنيد وقال كلمته المشهورة انه ستأتيه الرصاصة من الخلف لا من الامام.. يعني جيش فيتنام لن يقتله لأن امريكا ستقتله بمجرد وصوله إلي مكان المعركة!! بسبب اعلان اسلامه وتبعه كثيرون. تم اختيار لندن مكانا لهذه المباراة الهامة جدا.. التي ينتظرها العالم كله.. فاضطر مانديلا أن يؤخر سفره ليري المباراة رغم ان الجميع كان يتوقع هزيمة كلاي لأول مرة في حياته منذ فوزه كهاو في اولمبياد روما .1960 ولكن "الخرطوم" وهو ذراع كلاي الطويلة جدا هزمت الشرير الذي لم يستطع الاقتراب من كلاي خوفا من الخرطوم الذي امطره باللكمات حتي وقع مغمي عليه.. ووسط الجمع الكبير حول كلاي لمح كلاي مانديلا من بعيد فجري إليه مبعدا كل الناس الذين حوله لينفرد بهذه الشخصية الخرافية. * * * أما عن كرة القدم التي يعشقها مانديلا كمتفرج لا اكثر.. ومتابع لاخبارها العالمية كان مانديلا لا تفوته مباراة للفريق القومي إلا ويحضرها لابسا فانلة الفريق.. وينزل لمصافحة لاعبي الفريقين.. وكان مانديلا يقول إن اللاعبين حينما يرون انني مرتدي لفانلة الفريق يتذكرون ويتأكدون أنهم يلعبون باسم بلدهم تحت علمهم فيتفانوا في بذل الجهد محاولين النصر. وفي عيد ميلاد مانديلا كان اتحاد الكرة بجنوب افريقيا ينظم مباراة دولية حبيه مع مصر في ملعب جوهانسبرج كل عام.. حضرت هذه المباراة مرتين.. وكانت هذه المباراة بالذات مربحة جدا لاتحاد الكرة.. فكل المصاريف علي جنوب افريقيا.. السفارة بالقاهرة تقطع التذاكر الغالية جدا ذهابا وايابا.. ثم استضافة من الألف للياء في افخم فندق في جوهانسبرج هذا الفنديق ليس له مثيل سوي في دبي.. فندق لا تستطيع أن تخرج منه.. كل شيء في الفندق.. تريد أن تعمل "جولة مشتروات" كعادتنا نحن المصريين هناك دوران تحت الارض فيهم افرع لكل المحلات الكبيرة المشهورة في وسط البلد.. تريد ان تمارس رياضة.. كل الملاعب لكل اللعبات الأولمبية وغير الاولمبية موجودة في ملحق الفندق.. تريد ان تدخل السينما.. كل الافلام المعروضة خارج الفندق موجودة في البدروم بجوار المحلات.. وكذا توجد مقاه وبها طاولات تنس الطاولة وغيرها حتي الجولف مساحة ضخمة خارج الفندق في الهواء الطلق وبجوار الملاعب كافتيريا أيضا.. كل شيء مثل فندق دبي وهما الفندقان الوحيدان في العالم في الحجم وهذه الفخامة. * * * قبل أن انهي المقال.. فيه حكاية طريفة.. في ديسمبر الجو في جنوب افريقيا حار جدا جدا.. عز الصيف.. وكانت السفارة بالقاهرة التي كانت تقيم لنا عشاء ليلة السفر تحذرنا من ذلك.. لذا كنا نحمل معنال ملابس الصيف.. وعندما نعود ونصل مطار القاهرة قائد الطائرة يقول: حذار.. الجو خارج الطائرة درجتان تحت الصفر.. ديسمبر في مصر!!! لذا كان يسمح لنا باخذ البطانية في الصندوق العلوي فوق كل كرسي علي أن نسلمها للمضيفة عندما ندخل المطار المكيف بالهواء.. كل مرة يحدث هذا..