«إذا أردت تحقيق السلام مع عدوّك، عليك أن تعمل معه، وعندئذ سوف يصبح شريكك»..هذه العبارة التى قالها الزعيم الأفريقى الراحل نيلسون مانديلا ذات يوم، تحمل كثيرا من معالم مسيرة كفاحه الطويلة ضد جحافل التفرقة العنصرية البغيضة التى سيطرت على مقادير بلاده جنوب أفريقيا، فاستعبدت البشر، ونهبت الخيرات والثروات، ووضعت البلاد على أتون حرب أهلية تهدد بهلاكها، لولا الأقدار التى شاءت أن يكون الزعيم الأسود مانديلا هو المنقذ فى اللحظة الحاسمة بعد رحلة كفاح شاقة قضاها بين الملاحقة والسجن والنضال المستميت لعقود من أجل قضية بلاده. ولم يكن مستغربا أن يبدى العالم كل هذا الاهتمام بخبر رحيل الزعيم والمناضل الأفريقى مانديلا خلال الأسبوع الماضى، بعد أن شكلت حياته (95 عاما) مصدر إلهام للمناضلين فى العالم، فقد كان زعيما بكل معنى الكلمة، ومناضلا لا يبتغى من وراء كفاحه إلا نيل حقوق شعبه وإنجاز قضيته، وبعد أن أصبح أول رئيس أسود لجنوب أفريقيا، وعقب نجاحه فى تفكيك نظام الفصل العنصرى فى بلاده، رفض أن يترشح لفترة رئاسية ثانية، وقال إن «القائد الحق يقف فى الخلف ويضع الآخرين فى المقدّمة عندما يحتفل بالانتصار، ويكون بالمقدّمة فى حال الخطر». وقد أثار موت مانديلا مشاعر الحزن فى العالم كله حيث توالى نعى القادة والرؤساء للزعيم الأفريقى الراحل الذى حظى بكم هائل من التقدير والاحترام وتحولت مراسم تشييعه إلى أكبر حشد لزعماء العالم وقادته، وكذلك نجوم الفن والسياسة والرياضة. وقال رئيس جنوب إفريقيا جاكوب زوما فى بيان أذاعه التليفزيون الوطنى، إن مانديلا رحل فى سلام وخسر شعبنا أعظم أبنائه، وقال زوما إن ماجعل مانديلا عظيما هو ما جعله إنسانا ، لقد رأينا فيه ما نبحث عنه فى أنفسنا، وأضاف الرئيس فى بيانه: «بنى وطنى جنوب إفريقيا: لقد وحدنا نيلسون مانديلا وسوف نودعه موحدين» . ومن جانبه، أشار الرئيس الأمريكى باراك أوباما إلى أن مانديلا أنجز أكثر ما يمكن لأى إنسان أن ينجزه، مشيرًا إلى أن مانديلا لم يعد ينتمى إلى جنوب أفريقيا بل إلى التاريخ لأنه أمسك بناصية التاريخ ودفعه صوب العدالة. وقال الرئيس الروسى فلادمير بوتين إن مانديلا كان أحد أبرز السياسيين فى عصرنا. فى حين بعث الرئيس الإيرانى حسن روحانى بتعازيه لنظيره الجنوب افريقى جاكوب زوما، مشيرًا إلى أن مانديلا كان يؤمن إيمانا راسخا بحرية جميع الشعوب فى العالم وتحمل من أجل الحرية المعاناة والتشرد والسجن. وأثنى رئيس الوزراء البريطانى ديفد كاميرون فى تعليقه على رحيل مانديلا قائلا «لقد انطفأ نور باهر فى هذا العالم». واعتبرت ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية أن إرث الزعيم الراحل يتجسد بالسلام الذى يعم بلاده حاليا. فيما أشاد الرئيس الصينى شى جينينج بالمساهمة الاستثنائية التى قدمها مانديلا لتصوير الإنسانية، بينما قارنه رئيس الوزراء الهندى منموهان سينج بالمهاتما غاندى. وأعرب الرئيس الفرنسى فرانسوا أولاند عن خالص تعازيه فى وفاة نيلسون مانديلا قائلا إن ميراث زعيم جنوب إفريقيا سيظل يلهم المناضلين من أجل الحرية. وقال الرئيس النيجيرى جودلاك جوناثان فى برقية تعزية بعث بها إلى رئيس جنوب افريقيا زوما إن «مانديلا كان أحد عظماء القارة السمراء»، مشيرا إلى أن الزعيم الراحل ترك فراغا لا يمكن ملؤه، مشيدًا فى الوقت نفسه بنضال الزعيم الجنوب أفريقى من أجل الحرية والسلام ومكافحة العنصرية التى كانت سائدة فى جنوب أفريقيا قبل وصول مانديلا إلى سدة الحكم. وأعلن الرئيس الفنزويلى نيكولاس مادورو الحداد لمدة ثلاثة أيام تكريما لمانديلا وقال: «قررت بالنيابة عن جميع أفراد الشعب الفنزويلى إعلان الحداد لمدة ثلاثة أيام فى جميع أنحاء البلاد». كما قام الرئيس الفلسطينى محمود عباس بإعلان الحداد فى الأراضى الفلسطينية واصفا نيلسون مانديلا بأنه فقيد شعوب العالم أجمع وفقيد فلسطين الكبير الذى كان أشجع وأهم رجالات العالم الذين وقفوا معنا، كما أعربت حركة المقاومة الإسلامية حماس عن خالص التعازى والمواساة ووصفته بالزعيم العالمى ومحبًا للشعب الفلسطينى حيث تربط نيلسون مانديلا علاقة وثيقة بالقضية الفلسطينية. أما الرئاسة السورية فقد اعتبرت «حياة مانديلا درسا للطغاة»، فيما أعلنت الرئاسة المصرية أن الراحل سيظل فى قلوب وعقول المصريين كأحد أبرز رموز الكفاح والنضال الوطنى فى عالمنا المعاصر. وأمر الرئيس الجزائرى عبد العزيز بوتفليقه بتنكيس العلم الوطنى لمدة ثمانية أيام فى بلاده تخليدا لذكرى وروح هذه الشخصية الأفريقية المرموقة والصديق الوفى للجزائر. كما أعلنت تونس الحداد. وقد وقف أعضاء مجلس الأمن دقيقة صمت حدادا على مانديلا، فيما أكدت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (ايكواس) أن زعيم جنوب أفريقيا الراحل نيلسون مانديلا كان أيقونة السلام والمصالحة فى العالم والتى نجحت فى تحويل بلاده من براثن الفصل العنصرى إلى ديمقراطية متعددة الأجناس. ووجه بابا الفاتيكان البابا فرانسيس برقية تعزية إلى الرئيس الجنوب أفريقى، أشاد فيها بالالتزام الذى أداه نيلسون مانديلا من أجل تقوية الكرامة الإنسانية لدى كل مواطنى الأمة ورسم جنوب أفريقيا جديدة تستند إلى أسس عدم العنف والمصالحة والحقيقة. فيما تصدر خبر وفاة الزعيم الأفريقى الصفحات الأولى لأغلب صحف العالم التى تحدثت عن تاريخه النضالى ومنها (نهاية الرمز المناهض للعنصرية.. مانديلا لا يموت) (نهاية نيلسون بداية أسطورة مانديلا) (الوداع لغاندى القارة السمراء). أما مجلة تايم الأمريكية فتصدرت غلافها صورة لمانديلا وهو يرفع يده بقبضة النصر وهى الإشارة التى اشتهر بها وأصبحت علامة مميزة له فى العديد من خطاباته كإشارة للنصر ضد التمييز العنصرى. وقد سارع نجوم الرياضة فى العالم إلى نعى مانديلا فأمر الاتحاد الدولى لكرة القدم «فيفا» بتنكيس الأعلام إلى النصف والوقوف دقيقة صمتًا كما نعى أسطوره كرة القدم البرازيلية بيليه رئيس جنوب أفريقيا السابق وكذلك النجم البرتغالى ولاعب ريال مدريد كريستيانو رونالدو وأسطورة الملاكمة العالمية محمد على، خاصة أن آخر ظهور لمانديلا على المسرح العالمى كان خلال نهائيات كأس العالم لكرة القدم 2010 حين حضر المباراة النهائية فى سويتو وسط تحيات منقطعة النظير من قبل 90 ألف مشجع وقفوا يصفقون ويهتفون باسمه. كما أثارت وفاة زعيم الحرية مانديلا حزنا واسعا فى العالم امتد صداه أيضا إلى عالم الشبكات الاجتماعية ليكتب ملايين البشر نعيهم وذكرياتهم عن مانديلا حيث نقل موقع (ماشابل) المهتم بأخبار الشبكات الاجتماعية عن المتحدث الرسمى لتويتر أن الشبكة شهدت 7.2 مليون تغريدة فور إعلان وفاة رئيس جنوب أفريقيا السابق ووصلت فى حالة الذروة إلى 95 ألف تغريدة فى الدقيقة الواحدة وتعد هذه الأرقام واحدة من أكثر اللحظات ازدحاما وعلى الفيس بوك قام أكثر من 39 مليون شخص بإرسال حوالى 80 مليون تحديث متعلق بوفاة مانديلا. وأعرب مجموعة كبيرة من نجوم ونجمات العالم عن بالغ حزنهم على رحيل مانديلا، فنعت النجمة العالمية «تشارليز ثيرون» ذات الأصول الجنوب أفريقية الزعيم قائلة: «ارقد فى سلام سنفتقدك لكن ما تركته من إرث فى هذا العالم سيعيش للأبد»، وقالت النجمة العالمية «كيم كاردشيان»: «ستبقى مبادئ الحب التى عشت من أجلها الدليل الذى يرشد الأجيال»، بينما قالت الإعلامية الكبيرة اوبرا وينفرى: «سيظل شرف لى أننى دعيت ذات يوم لمنزل مانديلا وأتيحت لى الفرصة لمعرفته».