شوشة: جميع أجهزة الدولة تهتم بتنمية وتعمير سيناء    حدث في قطاع غزة .. وسائل إعلام إسرائيلية تعلن مقتل جندى خلال المعارك    الأربعاء المقبل.. رئيسة دار الأوبرا تكرم سميحة أيوب فى أمسية بهجة الروح    مد الخدمة لهؤلاء.. بيان حكومي مهم بشأن مسابقة ال30 ألف معلم    العمل: 3537 فُرصة عمل جديدة في 48 شركة خاصة تنتظر الشباب    ننشر تفاصيل اجتماع مجلس التعليم التكنولوجي    ورش مجانية تعليمية وتدريبية بمركز تكنولوجيا المعلومات في دمنهور    "زراعة النواب" تطالب بدعم استثمارات قطاعَي الزراعة والري بالموازنة الجديدة    محافظ أسوان يستقبل وفد الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات    تراجع جماعي لمؤشرات البورصة مع نهاية تعاملات اليوم الأحد    شاهد.. الحوار الوطني يناقش المقترحات الخاصة بتطوير مرحلة الثانوية العامة    الاحتلال الإسرائيلي يواصل قصفه قرى وبلدات جنوبي لبنان    برلماني أيرلندي ينفعل بسبب سياسة نتنياهو في حرب غزة (فيديو)    الهيئة الوطنية الصينية للفضاء تعلن هبوط المسبار تشانج آه-6 على القمر    تشيلي تنضم لجنوب أفريقيا في الدعوى القانونية ضد إسرائيل    ختام اختبارات ناشئي الأهلي في القاهرة والتصفيات في يوليو    كولر يوجه صدمة قوية لنجم الأهلي (خاص)    محمد الشيبي.. هل يصبح عنوانًا لأزمة الرياضة في مصر؟    وزير الشباب يطلق شارة بدء البرنامج التدريبي لمدربي المنتخبات الوطنية    إجراء مقابلات شخصية لاختيار أخصائي تخاطب بمراكز شباب القليوبية    رياح ساخنة وارتفاع درجات الحرارة.. طقس المنيا اليوم الأحد 2 يونيو 2024    بسبب ارتفاع الحرارة.. تفحم سيارة ملاكي ونجاة قائدها في الغربية    قرار عاجل من تعليم الغربية بشأن غرق تلميذ داخل حمام سباحة بإحدى المدارس الخاصة    أول تطبيق لتحذير النائب العام من تجاوز السرعة.. قرار ضد سائقي حافلتين مدرستين    تأجيل محاكمة المتهمين بقتل مسن في روض الفرج    "محاكمة" الحكومة تثير أزمة في البرلمان.. ومعيط: أرقامنا أدق من صندوق النقد -تفاصيل    تكريم محمود رشاد وسوسن بدر ونشوى جاد بعد عرض "أم الدنيا 2" في الكاتدرائية    "قصف جبهة" و"سينما 30" يختتمان الموسم المسرحي لقصور الثقافة بمحافظات شرق الدلتا    أحمد حلمي بمهرجان روتردام: الفنان يجب أن يتحمل مسؤولية تقديم الحقيقة للعالم    قبل قدوم عيد الأضحى 2024.. «الإفتاء»: ما يُستحب فعله وما يُكره بعد الأضحية    4 أعمال مستحبة في العشر الأوائل من ذي الحجة.. احرص عليها    مركز سموم بنها: استقبلنا 377 حالة خلال مايو    «الوزراء» يعرض جهود اللجنة الطبية العليا والاستغاثات خلال مايو    كوريا الشمالية ترسل 600 بالون إضافي محملين بالقمامة عبر الحدود    وزير الإسكان ومحافظ الإسكندرية يتفقدان مشروع إنشاء محور عمر سليمان    الكلمة هنا والمعنى هناك: تأملات موريس بلانشو    الوكرة يكشف ليلا كورة.. حقيقة طلب التعاقد مع أليو ديانج    تأجيل نظر طعن المتهمين بقتل شهيدة الشرف بالمنصورة    مفتي الجمهورية: يجوز للمقيمين في الخارج ذبح الأضحية داخل مصر    حج 2024| «الأزهر للفتوى» يوضح حكم الحج عن الغير والميت    توجيه جديد لوزير التعليم العالي بشأن الجامعات التكنولوجية    وزير المالية: مشكلة الاقتصاد الوطني هي تكلفة التمويل داخل وخارج مصر    تحرير 139 مخالفة للمحلات غير الملتزمة بقرار الغلق لترشيد الكهرباء    غرفة الرعاية الصحية باتحاد الصناعات: نتعاون مع القطاع الخاص لصياغة قانون المنشآت الجديدة    في زيارة أخوية.. أمير قطر يصل الإمارات    وزير الري يبحث مع السفير التنزاني تعزيز التعاون بين القاهرة ودار السلام    توريد 125 طن قمح لمطحن الطارق بجنوب سيناء    نسرين طافش تكشف حقيقة طلبها "أسد" ببث مباشر على "تيك توك"    طريقة عمل الفطير المشلتت الفلاحي، الوصفة الأصلية    تحرير أكثر من 300 محضر لمخالفات في الأسواق والمخابز خلال حملات تموينية في بني سويف    «الداخلية»: ضبط قضايا اتجار في النقد الأجنبي ب9 ملايين جنيه خلال 24 ساعة    محافظ كفر الشيخ يعلن أوائل الشهادة الإعدادية    وزيرة التخطيط ل"النواب": الأزمات المتتالية خلقت وضعًا معقدًا.. ولابد من «توازنات»    رسمياً.. منحة 500 جنيه بمناسبة عيد الأضحى لهذه الفئات (التفاصيل والموعد)    ل برج الجوزاء والعقرب والسرطان.. من أكثرهم تعاسة في الزواج 2024؟    الزمالك يستأنف تدريباته اليوم في غياب 12 لاعبا    عمرو السولية: هدفي الاستمرار في الأهلي حتى الاعتزال    قصواء الخلالى ترد على تصريحات وزير التموين: "محدش بقى عنده بط ووز يأكله عيش"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بلال فضل يكتب : تقلبات الخلق أيام الثورات
نشر في كلمتنا يوم 04 - 10 - 2011

الى كل مَن يعتقد أن الثورة المصرية قد انحسرت أو انتهت، إلى كل مَن يحلو له ترديد أن الثورة لم تغيّر الناس دون أن يفهم ما يقوله أولًا ويعرف أنه لا توجد ثورة فى العالم غيّرت الناس، إلى كل مَن يستغرب ما يراه بداخله وحوله من مشاعر سلبية متناقضة وحادة وصارخة تثير فيه القلق والخوف، إليهم جميعا أهدى هذه السطور البديعة التى اخترتها بتصرف من كتاب (روح الثورات) لعالِم الاجتماع الفرنسى جوستاف لوبون الذى ترجمه منذ عشرات السنين الأستاذ عادل زعيتر وأعادت إصداره دار الكتب والوثائق القومية. لعل من تتقلب بهم المشاعر فى هذه الأيام يدركون أننا لسنا بدعا بين الثورات.
فى فصل يحمل عنوان (كيف تتلقى الأمم الثورة) يقول لوبون: «شأن الشعوب واحد فى الثورات كلها، فهى لا تدرك مغزاها ولا تتدبر أمرها سريعا.. ولا يخلع الطاعة فريق من الشعب بغريزته إلا إذا مس الضر منافعه الظاهرة. ويسهل وقوع الثورة إذا كان زعماؤها من ذوى النفوذ العظيم، أما مبادئ الثورة فلا تدخل فى قلب الشعب إلا بالتدريج... إن الثورة مهما كان مصدرها لا تصبح ذات نتائج إلا بعد هبوطها إلى روح الجماعة، فالجماعة تتم الثورة ولا تكون مصدرها، وهى لا تقدر على شىء ولا تريد شيئا إن لم يكن عليها رئيس يقودها، ولا تلبث الجماعة أن تجاوز الحد الذى حرضت عليه، وإن كان التحريض لا ينشأ عنها أبدا.. إن الثورات السياسية الفجائية التى تعجب المؤرخين هى أقل أهمية من غيرها فى بعض الأحيان، فالثورات الكبيرة هى ثورات الطبائع والأفكار، وفى الغالب تتم الثورات الحقيقية التى يتوقف عليها مصير الأمم بالتدريج، وهذا ما يجعل المؤرخين يَلْقَون مصاعب فى تعيين بداءتها، ولذلك نرى كلمة التطور أصح فى التعبير عن المقصود من كلمة الثورة... ولذلك يتعذر على الأمة أن تختار نُظمها الحاكمة قبل أن تغير روحها أولا».
وفى فصل بديع يحمل عنوان (تقلبات الخلق أيام الثورات) يقول لوبون كلاما شديد الأهمية عن التحول الذى يحدث فى شخصية البشر أيام الثورات، والذى يعود سببه إلى أن لكل إنسان نفسية ثابتة، لكن له أيضا شؤون خلقية متقلبة تظهر مع تغير الحوادث، وهذه الأخلاق تتكون من اجتماع شخصيات وراثية كثيرة تبقى متوازِنة ما دامت البيئة المحيطة به لا تتقلب، لكنها متى تقلبت كثيرا وحصل فيها تغير حاد، يختل توازن الإنسان وتتألف من تكتل عناصره الموروثة شخصية جديدة ذات أفكار وعواطف ومناهج تختلف جدا عن شخصيته العادية، ولذلك يلاحظ فى الثورة الفرنسية أن كثيرا من رجال الصلاح والقضاء الذين كانوا يوصفون بالحلم والعقل انقلبوا فى أيام الثورة العصيبة إلى متعصبين سفاكين للدماء، فهم أناس لم يتغير ذكاؤهم أو عقولهم، وإنما تغيرت مشاعرهم فتغيروا كليا.
يقول لوبون إن هناك عناصر عاطفية يساعد انتشارها أيام الثورات على تغيير شخصيات الأفراد والجماعات مثل الحقد والخوف والحرص والحسد والزهو والحماسة، وقد لوحظ تأثير هذه العناصر فى انقلابات التاريخ كلها، لا سيما فى الثورة الفرنسية الكبرى «للخوف فى أيام الثورات شأن عظيم يقترب من شأن الحقد.. لقد كان الظهور بمظهر العاقل المعتدل أخوف ما يخافه الناس، فقد سابق أعضاء المجالس وموظفو الاتهام أو قضاة المحاكم خصومهم فى التطرف، أى فى اقتراف الجرائم، ولو أن معجزة أزالت الخوف من المجالس الثورية لكان لها سير آخر ولكان للثورة الفرنسية وجه آخر».
ثم يتحدث لوبون عن النفسيات التى تسود المجتمع فى أيام الثورة. ومن بين ما توقفتُ عنده طويلا حديثه عن النفسية الثورية حيث يقول «تشتمل المجتمعات فى كل زمن على عدد من النفوس المضطربة المتقلبة الساخطة المتأهبة للتمرد، الراغبة فى الفتنة للفتنة نفسها، ولو أن قوة سحرية حققت آمالها بلا قيد ولا شرط ما عَدَلت عن التمرد، وتنشأ هذه النفسية فى الغالب من عدم الامتزاج بالبيئة، أو عن الغلو فى التدين أو المرض. وللتمرد درجات مختلفة تبدأ من الاستياء الطفيف الذى ينحصر فى كلام المرء عن الناس والأشياء وتنتهى إلى التخريب، وقد يصوب المرء صولته الثورية أحيانا نحو نفسه عند عجزه عن التصرف بها على طريقة أخرى، فلقد كثر فى روسيا عدد المجانين الذين لم يكتفوا بالتحريق وإلقاء القنابل، فتحولوا إلى أن يكونوا باخعين أنفسهم ومهلكين لها. هؤلاء على رغم العزيمة الظاهرة التى تدل عليها أعمالهم ضعفاء عاجزون عن مقاومة أقل المحرضات، والقوانين والبيئة تردعهم فى الأوقات العادية فيظلون غير مؤثرين، ولكن متى بدت أدوار الفتن فإن هذه الزواجر تضعف، فيطلقون عنان غرائزهم غير مبالين بالغاية التى نشبت الثورة من أجلها».
ثم يضيف لوبون قائلا كلاما شديد الأهمية أتمنى أن نتوقف عنده طويلا «الروح الثورية تكون غير خطرة إذا صدرت عن العقل، بدلا من العاطفة أو التدين، فهى تصبح عامل تقدم وارتقاء، فعندما يصير حكم التقاليد والعادة ثقيلا على الحضارة نتخلص منه بفضل أناس من ذوى العقول المستقلة الثورية كجاليليو ولافوازيه ودارون وباستور الذين أعانوا على تقدم العلوم والفنون والصناعة فى العالم. ويجب أن يكون فى كل أمة عدد من هؤلاء الأعاظم الذين لولاهم لظل الإنسان عائشا فى الكهوف، وتتطلب الجرأة الثورية التى تُظهِر ما عند صاحبهات من الاكتشافات استقلالا ذهنيا يتخلص به من الأفكار الجارية بين الناس، وحصافة يدرك بها ما تحت المتشابهات السطحية من الحقائق».
لكن لوبون يطمئننا أخيرا بأن ما يجعل شعبا يختلف عن الآخر فى نتائج الثورات، هو أن يكون لهذا الشعب روح وراثية مستقرة مع الزمن، لأن هذه الروح فى النهاية تتغلب على روح التخريب، ولذلك يظهر الشعب أحيانا بمظهر المتقلب، ولكن لنعلم أن وراء تقلبه وحماسه ومظالمه وهدمه، غرائز ثابتة متصلة تدعمها روح العَرَق. وقد أثبت تاريخ الثورة الفرنسية وتاريخ القرن الذى بعدها كيف تتغلب الروح الثابتة على روح التخريب فى نهاية الأمر، وما أكثر المرات التى جدد فيها الشعب حالا بناء ما هدمه من الأنظمة». يبدو كلام لوبون مُطمْئنًا من ناحية، لكن كلامه الذى سبق أن نشرته فى مقال سابق حول إمكانية أن يبنى الشعب نظاما أشد استبدادية إذا مل من الفوضى هو الذى يجب أن يثير فى نفوسنا القلق ويجعلنا نفكر بمسؤولية فى أى خطوة ثورية نخطوها أو أى شعار ثورى نرفعه.
يبقى فى كتاب لوبون الكثير لكى نتأمله ونفكر فيه، لكن لذلك حديث آخر فى يوم آخر.
المصدر : التحرير


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.