أحب أن أنوه بدايةً إلى أننى كنت متردد فى الكتابة عن هذا الموضوع لأن رؤيتى عن هذا الموضوع فى بادئ الأمر لم تتعدى الرؤية السطحية والمعتادة كمؤامرة خارجية لضرب مجتمعنا المنزه عن الخطيئة فى مقتل وبالتالى فتجاهل هذا الموضوع برمته يطفئ نار فتنته وربما تكون الجينات التى ورثتها من آبائى وأجدادى هى السبب الرئيسى فى رؤيتى تلك . ولكننى إكتشفت عندما نظرت للموضوع نظرة أخرى بعدما خلعت وإنخلعت من عباءة الموروثات الإجتماعية بصورة مختلفة من زاوية أوسع من الزاوية التى كنت أنظر بها مسبقاً . وفوجئت بأن علياء المهدى ليست إلا فتاة مصرية متمردة وثائرة مثل آلاف الفتيات المصريات ومتمردة على واقع إستفزازى يحرمها من حريتها التى تراها من وجهة نظرها وكان الفعل المفاجئ والتى قامت به هو رد فعل طبيعى لفتاة ثائرة على وضع مختل من وجهة نظرها ولا سبيل لتغييره إلا بعمل ثورى وتصادمى وإستفزازى . والعمل الثورى والإستفزازى والذى قامت به علياء بالتأكيد أصابنى كما أصاب الكثيرون بصدمة وجعلنى أسترجع قصة عاصرتها وأنا طفل فى آواخر السبعينات وملخصها أننى رأيت جارة لنا تضرب إبنتها والتى فى سن المراهقة بأسلوب جنونى وكادت تقتلها ضرباً وكانت جريمة إبنتها أنها تصادق فتاة أخرى لها علاقة عاطفية عذرية بأحد الشباب ويتبادلون الرسائل الغرامية . وربما هذه القصة وقصص أخرى جعلننى أنظر لموضوع علياء المهدى على أنه حالة شاذة من فتاة شاذة فى مجتمع محافظ ولكننى عندما نظرت للموضوع من زاوية أوسع أصبح البعد التاريخى له أكبر والرؤية المعاصرة له أدق . فالتاريخ الإنسانى ونحن جزء منه ملئ بأمثلة كثيرة من نساء وفتيات تمردن على واقعهن والذى سلبهن حريتهن من وجهة نظرهن ومنهن من دفعت ثمن هذا التمرد من حياتها ومنهن من تعرضن للنفى والتشرد ومنهن من تعرضن للنقد اللاذع والإتهام بالفسق والفجور . ولكن كل إمرأة أو فتاة من أولئك تمردت بحسب مقاييس عصرها فمنهن من تمردت على التقاليد الفكرية والعقائدية وقامت بالإيمان بفكرة ما أو عقيدة ما ومنهن من تمردت على التقاليد الإجتماعية وتزوجت من رجل لا يدانيها حسباً أو نسباً ومنهن من قامت بكشف وجهها فى مجتمع يعتبر وجه المرأة عورة وهناك من تمردت بإخفاء جسدها كله بإعتبار أن أعين الرجال سهام تقتل العفة . وعلياء المهدى تمردت بحسب أسلوب عصرها وخصوصاً بعد الثورة التكنولوجية والتى نعاصرها من إنترنت وستالايت وأجهزة محمول وغيرها والمفروض أن تكون هذه الأدوات وغيرها هى الأدوات المستخدمة فى التعبير عن الرأى بالكلمة واللسان ولكنها إنقلبت إلى التعبير عن الرأى بالجسد وفتشوا فى أجهزتكم المحمولة والحاسوبية وستجدون مئات علياء المهدى واللائى تستمتعون بمشاهدة صورهن ومقاطع لهن ولكن فى الخفاء . فعلياء المهدى ثارت ضد الهجمة الشرسة والتى يتعرض لها المجتمع المصرى منذ بداية السبعينات من الفكر الوهابى العميل الممول من السعودية الوهابية لضرب الوسطية الإجتماعية والدينية فى مصر وربما بسبب صغر سنها والشباب فى هذا السن يفتقدون للحكمة الموضوعية فقامت بفعل أصابنا بالصدمة وكان للأسف له أثر كبير فى توغل الفكر الوهابى أكثر كرد فعل إجتماعى لفعلتها . خلاصة القول أننى إكتشفت بعد تآملى لهذا الموضوع شيئين هامين : الأول : أن معظمنا يقترف نفس خطيئة علياء -هذا إن إعتبرناها خطيئة- ولكن فى الخفاء وفى الظاهر يدعى القداسة ويدعو على علياء وأشباهها بالويل والثبور ليل نهار . الثانى : أن حالة علياء المهدى ليست حالة خاصة ولكنها ظاهرة متوغلة فى المجتمع ومنذ زمن ليس بالقريب ولكن علياء المهدى كانت أكثرهن جراءة . وأخيراً أنوه أننى لست مدافعاً عن فعلة علياء المهدى لأننى أستطيع أن أخلع عباءة موروثاتى بعض الوقت ولكننى لا أستطيع أن أخلعها كل الوقت ولكننى أنبه أن هذه الظاهرة تحتاج للحوار أكثر من الشجب والإستنكار والضجة الإعلامية الهجومية والتى يعقبها فتور إعلامى وقبل كل هذا يجب على كل منا أن ينظر لنفسه من خلال مرآة صافية ليرى حقيقة نفسه فيصحح تقييمه ورؤيته للأمور . =========================================== تعقيب : عنوان المقال يصف علياء بالطفلة وهذه ليست رؤيتنا ولكنها رؤية المجتمع الذى فقد التمييز الفسيولوجى والسيكولوجى .