خرج مئات آلاف السوريين أمس إلى الشوارع في كل المدن، عقب صلاة الجمعة، استجابة لدعوة المحتجين المطالبين بالحرية والديمقراطية إلى التظاهر تحت عنوان “جمعة لا للحوار”،. جاء ذلك تزامنا مع تطور سياسي لافت تمثل في زيارة السفيرين الأميركي والفرنسي لمدينة حماة المحاصرة والمهددة بعملية أمنية، في أقوى رسالة دولية حتى الآن للرئيس السوري بشار الأسد الحاكم منذ 11 عاما، ونظام حزب البعث العربي الاشتراكي الذي يسيطر على البلاد منذ 48 عاماً. بدا أمس ان الانتفاضة المطالبة بالحرية والديمقراطية في سورية، والتي انطلقت في 15 مارس الماضي تتجه الى التصاعد بالكم من حيث اعداد المشاركين في التظاهرات، والى التصعيد بالخطاب السياسي كل اسبوع أكثر من الذي سبقه. فقد شارك أمس مئات آلاف السوريين في تظاهرات حاشدة في “جمعة لا للحوار” في كل المدن السورية دون استثناء، بدءا من العاصمة دمشق وحمص، مرورا بحماة المحاصرة ودرعا، مهد الانتفاضة، وصولاً الى حلب وبانياس واللاذقية ودير الزور. واللافت ان هذه الحشود، التي نزلت الى الشوارع، استجابت لعنوان سياسي هو رفض الحوار الذي تقترحه السلطات للخروج من الأزمة التي تعيشها البلاد، قبل اللقاء التشاوري الذي دعت اليه السلطات حوالي 150 شخصية، بينها معارضون للتحضير ل “الحوار الوطني الشامل”. وفي تطور سياسي لافت، زار السفير الأميركي روبرت فورد أمس الاول مدينة حماة، حيث بات ليلته وبقي امس في المدينة المحاصرة والمهددة بعملية امنية واسعة، كما اعلنت فرنسا ان سفيرها في دمشق اريك شوفالييه زار بدوره المدينة وتفقد بعض المشافي. وفي اعنف هجوم على الولاياتالمتحدة، اعتبرت السلطات السورية زيارة فورد “غير المرخصة” لحماة “تحريضا على التصعيد”، متهمة السفير بلقاء “مخربين” وحضهم على العنف. دمشق وريفها : وشارك عشرات الآلاف في تظاهرات في العاصمة دمشق في حي القابون وحي الميدان، واطلقت قوات الامن الرصاص الحي والقنابل المسيلة للدموع على المتظاهرين، ما ادى الى اصابة البعض والى وقوع حالات اختناق. كما تظاهر الآلاف في مدينة سقبا في ريف دمشق، واطلقوا هتافات ب”رفض الحوار وإسقاط النظام ونصرة المدن المحاصرة”، وتم اطلاق الرصاص الحي والقنابل المسيلة للدموع لتفريق التظاهرة، ما ادى الى سقوط جرحى، جراح بعضهم خطيرة. حمص : وفي مدينة حمص شارك أكثر من 30 الف متظاهر في مسيرات معارضة هتفت لنصرة حماة، ورفضت الحوار قبل سقوط النظام، وكالعادة ردت قوات الأمن بالرصاص الحي، ما أدى الى سقوط عشرين جريحا بعضهم في حال خطيرة، وتظاهر أكثر من 10 آلاف شخص في مدينة القصير، جنوب غرب محافظة حمص، قرب الحدود مع لبنان. وقالت قناة “العربية” الفضائية إن السلطات ازاحت تمثالا كبيرا للرئيس الراحل حافظ الاسد عند مدخل مدينة حمص، وكان المحتجون هدموا سابقا تماثيل للرئيس الراحل في حمص ودرعا وبانياس، كما احرقوا صورا للرئيس الحالي بشار الاسد. بانياس واللاذقية : من جهة أخرى، اطلقت قوات الامن النار على متظاهرين خرجوا أمس من مساجد في الاحياء الجنوبية لمدينة بانياس السورية، وتم اعتقال عشرات المتظاهرين في المدينة، كما خرجت تظاهرة مهيبة في حي الرمل الجنوبي في مدينة اللاذقية “تهتف لحماة ولإسقاط النظام، وحمل المتظاهرون علما سوريا طويلا”. حلب ودير الزور : كما تظاهر الآلاف في مدينة حلب خصوصا في حي سيف الدولة، وشارك أكثر من 80 الفا في دير الزور والميادين، وقال شهود عيان إن خمسة أشخاص على الأقل أصيبوا بجروح في الميادين شرق مدينة دير الزور، بعد ان منعتهم قوات الأمن من عبور الجسر على نهر الفرات للمشاركة في المظاهرة التي انطلقت في المدينة. وأضاف الشهود ان أبناء بلدات “الشحيل والقريا قدموا الى المدينة، ولكن قوات الأمن منعتهم وحصل اشتباك بين الطرفين، ومازال الجرحى على الضفة اليسرى لنهر الفرات، ولم يتمكنوا من نقلهم إلى مشافي مدينة الميادين”. قتلى وجرحى : وفي حصيلة اولية قال ناشطون إن قوات الأمن قتلت أمس 18 قتيلا في اماكن متفرقة من البلاد، وكان رئيس المنظمة الوطنية السورية لحقوق الانسان عمار القربي افاد بأن القوات السورية قتلت بالرصاص أربعة اشخاص، ثلاثة في بلدة معرة النعمان بإقليم ادلب شرق سورية، والرابع في حي الميدان بوسط دمشق. من ناحيته، اعلن رئيس الرابطة السورية لحقوق الانسان عبدالكريم ريحاوي مقتل متظاهرين في حي الميدان وسط العاصمة دمشق، ومقتل شخص واصابة خمسة آخرين بجروح في مدينة الضمير (ريف دمشق)، وكانت قوات الأمن قتلت محتجين مساء امس الأول خلال تظاهرة في ضاحية حرستا قرب دمشق. اما وكالة الأنباء السورية (سانا) فقد ذكرت أن احد عناصر قوات حفظ النظام “استشهد برصاص مسلحين في مدينة تلبيسة بمحافظة حمص، كما تعرض النادي الرياضي في الرستن لهجوم مسلح، وتدمير وإحراق مركز الشرطة في المدينة”، مضيفة ان عنصرا من “قوات حفظ النظام أصيب برصاص قناصة من احد الأبنية بحي الميدان وحالته خطيرة”. حماة والسفيران : وفي حماة، ذكر ريحاوي “ان اكثر من 450 الف شخص خرجوا للتظاهر في ساحة العاصي والشوارع المؤدية لها وسط مدينة حماة، داعين الى رفض الحوار واسقاط النظام”، لافتا الى “عدم وجود عناصر تابعة للامن في المنطقة”. جاء ذلك في وقت اعلنت واشنطنوفرنسا ان سفيريهما في دمشق توجها أمس الأول الى حماة وتفقدا بعض المشافي. الخارجية السورية : واتهمت دمشقالولاياتالمتحدة ب”التورط” في الحركة الاحتجاجية و”التحريض على التصعيد”، على خلفية زيارة السفير الاميركي في دمشق روبرت فورد لحماة. وقالت وزارة الخارجية السورية، في بيان نشرته وكالة الانباء الرسمية (سانا)، إن “وجود السفير الأميركي فى مدينة حماة دون الحصول على الاذن المسبق من وزارة الخارجية، وفق التعليمات المعممة مرارا على جميع السفارات، دليل واضح على تورط الولاياتالمتحدة في الأحداث الجارية في سورية ومحاولتها التحريض على تصعيد الأوضاع التي تخل بأمن واستقرار سورية”. واضافت ان “سورية إذ تنبه إلى خطورة مثل هذه التصرفات اللامسؤولة، تؤكد، بصرف النظر عن هذه التصرفات، تصميمها على مواصلة اتخاذ كل الاجراءات الكفيلة باستعادة الامن والاستقرار في البلاد”. وتتمثل مهمة فورد في حماة في “اجراء اتصال” مع المعارضة، كما اعلن مسؤول اميركي كبير، رافضا الكشف عن هويته، مضيفا: “نريد معرفة من هم هؤلاء الناس، والى أي نوع من العملية السياسية ومستقبل البلاد يتطلعون؟ ينبغي ان نجري اتصالا معهم وهذا ما سيقوم به هناك”، وكانت واشنطن اكدت الاسبوع الماضي ان سفيرها تمكن من مقابلة معارضين في دمشق. الداخلية السورية : من ناحيتها، قالت وزارة الداخلية السورية إن فورد “التقى في حماة بعض هؤلاء المخربين، وحضهم على التظاهر والعنف ورفض الحوار، كما التقى، تحت غطاء زيارته، بعض المشافي في الاطار ذاته”. واعتبرت الوزارة ذلك “تحريضا على استمرار العنف وعدم الاستقرار ومحاولة تخريب الحوار الوطني الجاري بين القوى الوطنية الشريفة، وتعميقا للشقاق والفتنة بين ابناء الشعب السوري الواحد الذي يرفض رفضا قاطعا مثل هذا التحريض الأجنبي ويستنكره بشدة”. وأضافت: “إنها تراقب عن كثب أعمال الشغب والعنف التي تقوم بها بعض المجموعات التخريبية في مدينة حماة، وتعمل على معالجتها، وقد استغربت وصول السفير الأميركي إلى مدينة حماة بشكل يتعارض مع الاعراف الدبلوماسية، رغم وجود الحواجز التي يسيطر عليها المخربون وقطع الطرقات ومنع المواطنين من الوصول إلى أعمالهم ووظائفهم”. بثينة شعبان واتهمت مستشارة الرئيس السوري بشار الأسد بثينة شعبان السفير الأميركي بتقويض محاولات الحكومة السورية لنزع فتيل الاحتجاجات، وقالت انه متورط في إقامة صلات مع المسلحين. وقالت شعبان في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) إن “الزيارة غير المرخصة، التي قام بها فورد لحماة، تزامنت مع اجتماع لأئمة مساجد وقادة المجتمع المدني”، مضيفة أن “الزيارة تنتهك الأعراف الدبلوماسية”، ورأت شعبان أن “فورد لا بد أن تكون له صلات بالمجموعات المسلحة التي تحول دون استئناف الحياة الطبيعية في سورية”. من ناحيته، قال المتحدث باسم الخارجية الفرنسية برنار فاليرو ان “السفير الفرنسي في سورية اريك شوفاليه توجه فعلا الى حماة امس (الخميس)، وقد زار خصوصا واحدا من اكبر مستشفيات المدينة، حيث التقى الفرق الطبية وعددا من الجرحى واهاليهم”. واضاف: “لقد توجه الى هناك للتعبير عن التزام فرنسا بالوقوف الى جانب الضحايا والمدنيين”، مشيرا الى ان “فرنسا تذكر باهتمامها بمصير سكان مدينة حماة، وادانتها العنف الذي تمارسه السلطات في سورية ضد المتظاهرين والمدنيين”.