رئيس الوزراء يتابع جهود توفير التغذية الكهربائية لمشروعات التنمية الزراعية بالدلتا الجديدة    فتوح: قرار أستراليا اعتزامها الاعتراف بدولة فلسطين يعكس التزامها بمبادئ العدالة    حاكم مقاطعة نيجني نوفجورود الروسية يؤكد مقتل شخص وإصابة اثنين آخرين في هجوم أوكراني بطائرات مسيرة    إعلام إيراني: أمين المجلس الأعلى للأمن القومي على لاريجاني يزور العراق اليوم في أول زيارة خارجية له بعد توليه منصبه    محافظ أسوان يوجه بحماية عمال النظافة من ضربات الشمس ورفع الاستعداد والطوارئ بالمستشفيات    ضبط متهم بالنصب على مواطن بزعم قدرته على استيراد سيارة معفاة لذوي الهمم    وكيل تعليم الغربية يتابع سير امتحانات الدور الثاني للدبلومات الفنية في يومها الثالث    ضمن دوري المكتبات.. لقاءات عن سيناء بقصر ثقافة الغربية    تقديم مليون 975 ألف خدمة طبية ضمن حملة «100 يوم صحة» بالشرقية    البورصة المصرية تستهل بارتفاع جماعي لكافة المؤشرات اليوم الإثنين 11 أغسطس    مؤتمر صحفي لإعلان نتيجة انتخابات مجلس الشيوخ.. الثلاثاء    وزير الري يؤكد أهمية صيانة وتطوير منظومة المراقبة والتشغيل بالسد العالي    محافظ المنيا: المعلم سيظل رمزًا للعطاء وصانعًا للأجيال    نائب ترامب: لن نستمر في تحمل العبء المالي الأكبر في دعم أوكرانيا    إعلام إسرائيلي: الجيش سيعرض خلال أسبوعين خطة شاملة لاحتلال غزة    الأمم المتحدة: خطة إسرائيل بشأن غزة "فصل مروع" من الصراع    ريبيرو يجري تعديلات مفاجئة على تشكيل الأهلي أمام فاركو    تعرف على مباريات اليوم في الدور الرئيسي ببطولة العالم تحت 19 عامًا    مفاجأة في موعد عودة إمام عاشور للمشاركة مع الأهلي    11 أغسطس 2025.. أسعار الحديد والأسمنت بالمصانع المحلية اليوم    تراجع أسعار الذهب فى مصر اليوم 25 جنيها.. وعيار 21 يسجل 4590 جنيها    لليوم ال 11.. «التموين» تواصل صرف مقررات أغسطس    تحرير 950 مخالفة مرورية لعدم تركيب الملصق الإلكتروني    تحرير 646 مخالفة مرورية لعدم ارتداء الخوذة    تعاون مصري - ياباني للتدريب المهني وتأهيل الشباب لسوق العمل    السياحة والآثار: وادي الملوك بالأقصر آمن والمقابر لم تتأثر بالحريق    محمد شاهين: ظهرت في كليب إيهاب توفيق وطفولتي كانت مع جدتي    عمرو يوسف في زمن الأربعينيات.. كل ما تريد معرفته عن فيلم «درويش»    المالية: دعم جهود تمكين القطاع الخاص المصري مع والتوسع بالأسواق الأفريقية    نقص مخزون الحديد.. أجراس تحذير للجسم وطرق علاج الأنيميا    طب قصر العيني تطلق أول دورية أكاديمية متخصصة في مجالي طب الطوارئ    من التشخيص للعلاج .. خطوات لمواجهة سرطان المبيض    أكثر 5 أبراج قيادية بطبعها.. هل برجك بينها؟    أمين الفتوى: رزق الله مقدّر قبل الخلق ولا مبرر للجوء إلى الحرام    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 11-8-2025 في محافظة قنا    «الخطيب رفض عودته!».. رد وسام أبوعلي على رسالة شوبير بشأن اللعب لمنافس الأهلي    شركات إسرائيلية تعتزم المشاركة بالإضراب الشامل في 17 أغسطس    الذهب يتراجع مع انحسار التوترات الجيوسياسية وترقّب بيانات التضخم الأمريكية    محافظة الجيزة توقف عمل عمال النظافة وقت ذروة الحر حفاظًا على سلامتهم    يجرى الآن .. مكتب التنسيق يبدأ فرز رغبات الطلاب تمهيدا لإعلان نتيجة المرحلة الثانية    أحرج " يويفا "بتعليقه علي استشهاد سليمان العبيد. .. محمد صلاح صوت فلسطين فى ملاعب أوروبا    التيك توكر "داني تاتو" أمام النيابة: مهنة رسم التاتو عالمية ولم أجبر أي سيدة على الظهور معي    رئيس جامعة جنوب الوادي يناقش إنشاء تطبيق إلكترونى لأرشفة الإنجازات    شيري عادل تخطف الأضواء وتعتلي منصة التكريم في مهرجان إبداع بحضور وزير الشباب والرياضة وكبار المحافظين    د.حماد عبدالله يكتب: "الفن" والحركة السياسية !!    تعرَّف على مواقيت الصلوات الخمس اليوم الإثنين 11 اغسطس 2025 بمحافظة بورسعيد    السيطرة على حريق هائل بمحل دهانات في المنيا    لارا ترامب تتفاعل مع محمد رمضان على طريقتها    جمال العدل: الزمالك هو الحياة.. ولا نية للترشح في الانتخابات المقبلة    بعد قرار جون إدوارد.. عبدالله السعيد يتدخل لحل أزمة نجم الزمالك (تفاصيل)    بقوة 6.1 درجة.. مقتل شخص وإصابة 29 آخرين في زلزال غرب تركيا    يحسن وظائف الكبد ويخفض الكوليسترول بالدم، فوائد عصير الدوم    ياسر ريان: مصطفى شوبير رتمه بطئ والدبيس أفضل من شكري    «لا يجب التنكيل بالمخطئين».. المسلماني: الرئيس طلب الاستعانة بكل الكوادر الإعلامية    المسلماني: الرئيس لا يريد شعبًا مغيبًا وجاهلًا (فيديو)    أمين الفتوى: لا يجوز كتابة كل ما يملك الإنسان لبناته لأنه بذلك يعطل أحكام الميراث    أمين الفتوى يوضح: المال الموهوب من الأب في حياته لا يدخل في الميراث    هل يجوز إجبار الزوجة على الإنفاق في منزل الزوجية؟.. أمينة الفتوى تجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السيادة .. كلمة السر في قضية التمويل الأجنبي .. بقلم : د.عادل عامر
نشر في الإسماعيلية برس يوم 17 - 02 - 2012

كانت المسألة مجرد شائعات واتهامات متناثرة دون دليل حتى ذهبت السفيرة الأمريكية آن باترسون للجنة العلاقات الخارجية‏,‏ وأعلنت أن الإدارة الأمريكية تمول بعض الجمعيات المصرية بنحو‏ 40‏ مليون دولار لم تمر هذه الأموال عبر القنوات الشرعية ولكنها تسللت مباشرة من الإدارة للجمعيات.
كانت هذه هي البداية لمحاولة الإدارة الأمريكية اختطاف الثورة والإيحاء بأنها صناعة أمريكية تبرر فيها الانحياز السابق وشبه المطلق للنظام السابق.
وبمنطق أن المريب يكاد يقول خذوني تزامنت حملة سياسية وإعلامية شرسة من الداخل المصري (من المستفيدين من التمويل) ومن الخارج الأمريكي علي كل المستويات الإدارة والكونجرس ووزارة الدفاع والإعلام وبدت اللهجة الأمريكية بعيدة تماما عن الأعراف الدبلوماسية واللياقة السياسية بالتهديد والوعيد والمطالبة بالكف فورا والإفراج ووقف التحقيق مع المنظمات الأمريكية التي تعمل بشكل غير رسمي.
وشعر المصريون وربما لأول مرة منذ أيام عبد الناصر أن هناك إصرارا لاحترام السيادة الوطنية والقانون المصري.
أنه من غير المطروح أن تستغني الولايات المتحدة عن مصر بالكامل، ولكن "أولوية مصر على قائمة الاهتمامات الأميركية في إدارة الشؤون الأميركية بالمنطقة قد تتأثر بالسلب".
أن هناك خطأ كبيرا ارتكبته مصر في أعقاب حرب أكتوبر 1973 حول ما يسمى ب"أحادية المورد العسكري أن الثمن يُدفع اليوم حيث أن الولايات المتحدة المصدر الرئيسي للسلاح باعتبارها قوة عظمى مهيمنة على التقدم التقني العسكري.
أن مصر قد تتأثر بدرجة كبيرة لأن هناك تعديلات فنية على أنظمة السلاح الأميركي لدينا وهناك قطع غيار وارتباطات مطلوب استمرارها لضمان جاهزية القوات المسلحة المصرية.
أن الولايات المتحدة لها مصلحة في المساعدات مثل حاجة مصر إليها، حيث أنها وسيلة الولايات المتحدة لممارسة نفوذ استراتيجي.
أن التمويل الأمريكي المباشر لمنظمات المجتمع المدني المصرية والأمريكية بلغت 175 مليون دولار أمريكي خلال الفترة من عام 2005 وحتى عام 2011 ، منها حوالي 105 ملايين دولار تم تقديمها من الجانب الأمريكي خلال فترة 7 أشهر فقط وهي الفترة من فبراير وحتى سبتمبر 2011.
فقد أعلن الجانب الأمريكي بقراره الأحادي بإعادة برمجة مبلغ 40 مليون دولار من برنامج المساعدات الاقتصادية الأمريكية لمصر، وكذلك تأكيد السفيرة الأمريكية في القاهرة بأن واشنطن خصصت حتى صيف 2011 مبلغ 105 ملايين دولار للمجتمع المدني في مصر والمنظمات الأمريكية العاملة في مصر بالإضافة إلى ما ورد من الجانب الأمريكي في إخطارات بمبالغ التمويل.
أن مصدر معظم مبالغ التمويل المشار إليها تم استقطاعه من المبلغ المخصص من برنامج المساعدات الأمريكية الاقتصادية بقرار أحادي الجانب من أمريكا وأن طبيعة الأغراض التي كانت تلك المبالغ مخصصة لها بحسب الأصل، مبلغ 150 مليون دولار أمريكي كان بالفعل مخصصا لعدد من المشروعات التنموية في مجالات الصحة والتعليم ومياه الشرب والصرف الصحي باتفاق مشترك بين الجانبين المصري والأمريكي من خلال الاتفاقيات المعتادة في هذا الشأن والتي تم توقيعها بين الطرفين، ثم تم اتخاذ الإجراءات الدستورية بشأنها وصدرت موافقة مجلس الشعب المصري بالتصديق عليها.
ومن مظاهر ممارسة المنظمات الأجنبية على أرض مصر يمكن رصد حرص هذه المنظمات على استقطاب شرائح بعينها غالبا ما تكون من طلبة الجامعات والعمال والصحفيين،وكذلك تركيزها على موضوعات ذات حساسية خاصة كوضع العمالة أو وضع الأقباط في مصر، وغيرها من موضوعات ذات طبيعة وطنية خالصة، إلى جانب تنظيم مؤتمرات حول موضوعات بعينها وجمع المعلومات والإغراء بمهمات إلى السفر للخارج مدفوعة التكاليف تحت عناوين التدريب والإطلاع.
أن لتلك المنظمات الأجنبية صفة دولية وكل منها يعد كيانا ضخما له تمويل بمبالغ كبيرة وفروع تعمل في كثير من دول العالم، خاصة التي تمثل أهمية إستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية، سواء من حيث أهميتها للمصالح الإستراتيجية لواشنطن مثل مصر أو تلك الدول التي تمتلك موارد طبيعية إستراتيجية مثل النفط والغاز كدول الخليج أو اليوارنيوم والمعادن الإستراتيجية في العديد من الدول الإفريقية.
ان هناك فرقا كبيرا بين التمويل الأجنبي لكيانات المجتمع المدني المصرية وبين المعونات أو المساعدات الرسمية للدول والجهات الأخرى التابعة للدولة.
وهو فرق جوهري وأساسي بين تقديم تمويل مباشر لأغراض سياسية أو تنموية في خارج الأطر الرسمية، حيث أن الأساس في تقديم المساعدات أن تكون من دولة إلى دولة، ومن حكومة إلى حكومة ومن ثم تكتسب التسمية الدولية المنصوص عليها في كافة المواثيق الدولية والاتفاقات الثنائية وهي المساعدات التنموية الرسمية.
أن تلك المساعدات تستوجب أن تكون في إطار القنوات الحكومية الرسمية وما يخالف ذلك يعتبر خروجا ومخالفة للالتزامات الدولية، إلا انه بالرغم من ذلك فإن العديد من الدول خاصة الغربية دأبت على التقديم الدعم مباشر لمنظمات المجتمع المدني لأهداف وأغراض مختلفة، وانه حتى وقت قريب تركز التمويل المباشر على المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، إلا أن الفترة الأخيرة شهدت تناميا ملحوظا وغير مسبوق في تمويل أنشطة ذات طبيعة سياسية.
إنه بالنسبة للتمويل الأمريكي المباشر فإن ذلك يتم دون موافقة من الحكومة المصرية وبقرار أحادي من الجانب الأمريكي (السفارة الأمريكية بالقاهرة، والوكالة الأمريكية بالقاهرة).. اللتان تحددان دون أي تشاور مع الحكومة المصرية أو إعلام مسبق لها - حجم التمويل المتاح أو طبيعة النشاط وأهدافه، وهو ما يناقض اتفاق التعاون الثنائي الاقتصادي والفني الموقع بين حكومتي مصر وأمريكا في واشنطن عام 1978،وهو الاتفاق المنشئ لبرنامج المساعدات الأمريكية الاقتصادية وينص صراحة على أن التصرف في موارد هذا البرنامج يكون بموافقة الحكومتين.
بالتالي لا يحق لأي من الدولتين تجاوز أو مخالفة هذه النصوص، أو اتخاذ قرارات أحادية تتعلق بالتصرف في الموارد المولدة من برنامج المساعدات الاقتصادية، كما انه لا يجوز بأي حال من الأحوال التذرع بحصول الدولة على مساعدات رسمية منصوص عليها في اتفاقيات حكومية أصبحت بعد التصديق عليها من المجالس النيابية لها قوة القانون، ومن ثم فلا يجوز على الإطلاق مقارنة ممارسة الدولة لأعمال السيادة متمثلة في إبرام الاتفاقيات الدولية، وبين حصول منظمات المجتمع المدني أو أشخاص أو كيانات سواء كانت مصرية أو أجنبية على تمويل مباشر من دول أو جهات أجنبية.
أنه اتفاقية المساعدات الفنية والاقتصادية المبرمة بين مصر وأمريكا عام 1978 عقب توقيع اتفاقية كامب ديفيد كان يبلغ إجمالي تلك المساعدات وقتئذ 850 مليون دولار، إن تلك المساعدات كانت مقسمة على ثلاثة مكونات وهي مكون المشروعات، ثم مكون التحويلات النقدية، وأخيرا المكون الخاص بالاستيراد السلعي للقطاع الخاص.
أن المكون الأول المتعلق بالمشروعات هو مايخصصه برنامج المساعدات لتنفيذ برامج تنموية على أرض مصر تتعلق بالصحة والتعليم والصرف الصحي والكهرباء ومياه الشرب والهواتف والبنى التحتية بصفة عامة.
أن المكون الثاني المتعلق بالتحويلات النقدية يمثل الثلث تقريبا وكان مخصصا لتمويل شراء سلع شريطة أن يتم من الولايات المتحدة، وأن ينقل على وسائل نقل أمريكية لصالح جهات حكومية مصرية، وتمت تخصيص نسبة 25 % مقابل هذا الشراء توجه للبنك المركزي المصري لسداد الديون المصرية المستحقة لأمريكا.
أنه بالنسبة للمكون الثالث الخاص بالاستيراد السلعي للقطاع الخاص فإن كان يهدف إلى إتاحة عملة صعبة لاستيراد سلع من أمريكا، وهو الأمر الذي توقف منذ العام 2008.
فيما تشهد العلاقات بين الولايات المتحدة ومصر توترا غير مسبوق على خلفية إحالة 19 أميركيا إلى المحاكمة في قضية التمويل "غير المشروع" لجمعيات أهلية في مصر، ومع أن الولايات المتحدة تواجه تحولا سياسيا داخل الوطن العربي يملي عليها قبول الموقف وإلا ستخسر حلفاءها تباعا.
وتعد مصر حليفا قديما للولايات المتحدة، كما أنها تحصل على معونة أميركية تصل 1.3 مليار دولار سنوية.
وفي مقابل تهديدات أميركية بإعادة النظر في المساعدات حال استمرار الحملة الأمنية على المنظمات المدنية وتأكيد عضو بارز بمجلس الشيوخ الأمريكي بأن أيام "الشيكات على بياض" انتهت، شدد رئيس الوزراء المصري كمال الجنزوري على أن مصر لن ترضخ للضغوط.
أن مصر منهكة اقتصادية وداخليا وظروفها تحتم عليها تقليل درجة الاحتقان في علاقاتها الخارجية مع كافة دول العالم.
"المطلوب في مصر الآن قدر كبير من التهدئة في العلاقات الخارجية حتى يمكن أن نستعيد العافية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية".
أن المنظمات محل التحقيق مارست "نشاطا سياسيا" في مصر وتلقت تمويلا أجنبيا مارست به نشاطا غير مشروعا أخّل بالسيادة المصرية.
أن هناك الكثير التفاصيل التي لم يكشف عنها الطرفان الأمريكي والمصري فيما يتعلق بالتوتر الأخير بين البلدين، وترى حالة من الغموض تكتنف حلقات التصعيد وفي اعتقادي بوجود أسباب أخرى تقف وراء الأزمة في العلاقات بين مصر والولايات المتحدة لأن المنظمات الأميركية تعمل في مصر منذ 2004.
أنه كان من الممكن تجميد المشكلة حتى وصول الإدارة المصرية الجديدة، من خلال إعطاء إنذارات أو تحديد توقيتات أخرى لاستكمال الأوراق.
أن الولايات المتحدة حليف استراتيجي مهم بالنسبة إلى مصر في عالم "أحادي القطبية"، مما يجعل أي دولة تفكر جيدا في ترك حلفها معها.
أن القوة الشرائية لهذا المبلغ تتناقص، كما أن الولايات المتحدة تشترط أن جزء من المعونة يتم للتمويل المباشرة للديمقراطية.
في شهر ابريل الماضي جلست السفيرة الأمريكية أمام لجنة العلاقات الخارجية في الكونجرس في جلسة استماع قبل تسلم عملها في القاهرة, وإذا بها تفتح ملف التمويل, وتعلن أن الإدارة الأمريكية دفعت40 مليون دولار لمنظمات مصرية لدعم ما يسمي بالتحول الديمقراطي, وأن هناك160 مليون دولار أخري في الطريق, وهكذا قدمت السفيرة أول دليل اتهام رسمي خاصة لأربع منظمات أمريكية تعمل بالأراضي المصرية بدون أي ترخيص, وفي تحد سافر للقوانين المصرية.
وقد وصل التحريض الأمريكي علي الوزيرة فايزة أبو النجا مداه باتهامها من أنها فلول النظام السابق, وأنها تسعي لترشيح نفسها لرئاسة الجمهورية وطالبوا المجلس العسكري بتأديبها وإقالتها فورا, وكتبت وول ستريت جورنال أنها الأكثر نفوذا في مصر, وهي العدو الصريح لأمريكا, بينما قال دبلوماسي كبير في وزارة الخارجية المصرية إن الدولة المصرية لديها الحق في معرفة ما يجري داخل حدودها, وأن رسالة فايزة أبو النجا هي أن مصر دولة ذات سيادة, ولها حكومة شرعية لا تستسلم لتهديدات واشنطن.
في أول اختبار حقيقي للثورة واستقلال القرار المصري, ونفض التبعية للبيت الأبيض, ورفض الضغوط الرهيبة التي ظلت الإدارة الأمريكية تمارسها علي مدي الأشهر الماضية علي مصر, فازت مصر بالضربة القاضية علي تليفونات أوباما ووزير دفاعه, وعلي الكونجرس ووزارة الخارجية الأمريكية, وحولت المتهمين في قضية التمويل الأجنبي لمحكمة الجنايات, وكان علي رأس القائمة سام لحود ابن وزير النقل الأمريكي, ومعه31 أمريكيا ومصريا من العاملين بالمعهد الجمهوري و15 من العاملين في المعهد الديمقراطي, وكذلك مسئولي منظمة فريدوم هاوس, وبشكل عام فإن هذه أول مرة يتم منع91 أمريكيا من السفر وتحويلهم للجنايات, مما أشعل الغضب الأمريكي تهديدا ووعيدا بصورة أخرجتهم عن اللياقة الدبلوماسية والأعراف السياسية.
واعتبرت الإدارة الأمريكية أن إحالة34 متهما هو تصعيد في العلاقات الثنائية, ولم تجد واشنطن سوي التهديد بقطع المعونات, وبدأ رد الفعل الأمريكي عصبيا حتى قبل قراءة لائحة الاتهامات التي تشمل تلقي تمويل أجنبي بدون الحصول علي تراخيص لمزاولة أنشطتها واستخدام تلك الأموال في أنشطة محظورة والإخلال بسياسة الدولة المصرية.
وهكذا قطع قاضيا التحقيق أشرف العشماوي وسامح أبو زيد كل طرق الوصاية والضغط علي الإدارة المصرية لتصبح الإدارة الأمريكية وجها لوجه أمام القضاء والإرادة والشعب المصري, ويصبح قرار الإحالة واحدا من أهم إنجازات الثورة المصرية.
وخرجت المتحدثة الرسمية الأمريكية تقول انتهي عصر الشيكات علي بياض بما يعني أنها كانت تفعل ذلك بما يعني خيانة لدافع الضرائب الأمريكي.
وأصل المسألة أن مراكز البحث الأمريكية ابتكرت المنظمات المدنية بعد فضيحة إيران كونترا جيت التي دهست دور المخابرات الأمريكية في دعم المعارضة السندنيسية في نيكاراجوا بأموال إيرانية من بيع السلاح الإسرائيلي, وكانت الفكرة أن ما تقوم به المخابرات الأمريكية من تحت الترابيزة تستطيع تلك المنظمات القيام به وعلنا فوق الترابيزة وبتكاليف أقل, وهذا ما كان.
تحالف السفارات وزعمت جريدة وول ستريت الأمريكية في خبر لمراسلها من مصر أن مجموعة من الدبلوماسيين الغريبين في القاهرة قد شكلت تحالفا لمعاقبة فايزة ابو النجا لموقفها من المنظمات التي تتلقي تمويلا, وقال دبلوماسي للصحيفة: الهدف هو رسالة قوية بأن ما تفعله أبو النجا فظيع بالنسبة لمصر.
وكان موقع ويلكيكي قد كشف عن برقية من السفارة الأمريكية بالقاهرة تؤكد تحايل واشنطن علي الرقابة الحكومية عن طريق تأسيس منظمات كواجهة في بعض الدول العربية الاخري تم استخدامها في إعادة تحويل الأموال لمنظمات مدنية في دول عربية أخري بغرض التمويه.
وتحمل البرقية تصنيفا سريا باسم السفيرة السابقة مارجريت سكوبي تؤكد تمويل منظمة مصرية من واشنطن بتلقي أموال عن طريق منظمة في المغرب واصل تمويلها أمريكي من برنامج مبادرة الشراكة الشرق أوسطية (ميبي) التي أطلقها الرئيس السابق جورج بوش بعد أحداث سبتمبر2001 وتخضع للخارجية الأمريكية.
والأسبوع الماضي نشرت (الجارديان) البريطانية تقريرا عن دعم الديمقراطية علي الطريقة الأمريكية قالت فيه أنها جهود جوفاء في الشرق الأوسط ونداء أجوف لا أحد في المنطقة يقتنع به وبررت ذلك بأن المعهد الجمهوري الدولي أن من ينظر إليه من العنوان يتصور أنه فعلا يعمل علي نشر الديمقراطية, بينما المتابع بدقة للأمور يجد غير ذلك بدليل أنه لعب دورا أساسيا عام4002 في قلب الحكومة المنتخبة ديمقراطيا في هايتي, وفي عام2002 احتفل رئيس المعهد بالانقلاب العسكري في فنزويلا, والذي فشل بعد ذلك, وفي عام2005 عمل المعهد في البرازيل, وحاول تغيير قوانين الانتخابات لاضعاف حزب لولادا سيلفا الرئيس البرازيلي السابق.
وفوجئنا بالسيناتور باتريك ليهي يقدم خطابا للكونجرس يطالب بوقف المعونة عن مصر مادام أن السيدة فايزة أبو النجا في منصبها في أول تحد سافر أمريكي للتدخل في القرار والسيادة المصرية علما بأنه لا يستطيع وقف المعونة لأنها تصب مباشرة في المصالح الأمريكية ثم أنها جزء من مفاوضات كامب ديفيد, وتحقق مصلحة كبيرة لأمريكا تفوق بكثير حجم المعونة المادي والخدمي والاستراتيجي, وهنا السؤال المحير لكل المراقبين لماذا تمتد حبال الصبر للسلطة المصرية الحاكمة الآن والأغرب أن الإدارة الأمريكية لم تقنع بعد أن مصر قامت فيها ثورة, وتريد من يقسم لها ليل نهار والله العظيم ثلاثا مصر تغيرت, ولم تعد دولة الرجل الواحد, وإلا ما هو تفسير الخط التليفوني المفتوح مع المشير ورئيس الأركان ثم ما هو التفسير لكل الإدارة الأمريكية بدءا من وزارة الخارجية ومرورا بوزارة الدفاع وانتهاء بالكونجرس في الضغط اليومي علي مصر لكي تنتهك القوانين المصرية التي تقول واشنطن أنها تمول جماعات دولة القانون, وربما لم تصدق الإدارة أن المشير لا يستطيع فعل أي شيء في ملف أصبح في عهدة الرأي العام وأمام القضاء.
والغريب أن المجلس العسكري أطلق صفارات إنذار منذ عدة أشهر حول مسألة التمويل السياسي للمنظمات حتى كادت صفارات الإنذار أن تصيب سامعيها بالصمم غير أن السفارة الأمريكية أخذت المسألة بكثير من الهزل, ولم تؤد وظيفتها في حماية رعاياها في القاهرة بدليل أنه كان يمكن تسفير الأمريكيين المتورطين أو وقف هذا النشاط غير القانوني والاعتذار عنه ووقتها كان يمكن لكثير من الأمور أن تحل عبر القنوات الدبلوماسية, ولكن السلوك المتغطرس للسفيرة أن باترسون ظنت أنها لاتزال تعمل في أفغانستان أو دول الموز.
ثم ما هو التفسير لسلوك باترسون في الخطابات الشخصية لقاضي التحقيق ووزير العدل والهرولة للقاء رئيس مجلس الشعب لإغلاق الملف أمام النقابة.
وتتساءل الجارديان من يعلم عن نشاط هذا المعهد المشبوه داخل مصر, وتضيف ولكننا نعلم ماذا فعلت الإدارة الأمريكية في مصر, وهو أنها ساندت نظاما ديكتاتورا صارما لعقود, وحتى نقطة انقلاب الثورة.
وتخلص الجارديان إلي أن المنظمات الأمريكية ربما تساعد أحيانا في نشر الديمقراطية, ولكن الأمر المؤكد أنها لا تفعل ذلك في معظم الأحيان, بل علي العكس في كثير من الأحيان ضدها, ليس لأنها شريرة بطبعها, ولكن بسبب الوضع الأمريكي في العالم, وهي أكثر دولة الآن تدير إمبراطورية وبحكم طبائع الأمور فإن الإمبراطوريات كلها تدور حول القوة والتحكم في بلاد بعيدة, وعلي شعوب هذه البلاد, وهذه الأهداف في كثير من الأحيان تتعارض مع طموحات هذه الشعوب, ومن هنا نشأ تضارب المصالح وأمثلة ذلك في الشرق الأوسط الوضع الملتبس بين إسرائيل وفلسطين والدور الأمريكي فيه.
وتكشف مؤسسة كندا الحرة الصحفية في تقرير لها الأسبوع الماضي أن خبراء انترنت أمريكان قاموا بتدريب نشطاء الانترنت المصريين في أمريكا عبر منظمة اتحاد حركة الشباب, وهي منظمة غير حكومية, وتكشف أيضا أن لحركة6 أبريل جذورا في هذه المنظمة, وأن لهذه المنظمة خطوطا مع وزارة الخارجية الأمريكية والمؤسس المشارك لها أحد مديري جوجل ويدعي جارد كوهين, وكان يعمل مستشارا لكونداليزا رايس وهيلاري كلينتون.
وطبقا لجريدة النيويورك بوست فإن هذه المنظمة(A.Y.M) عملت ثلاثة مؤتمرات دولية لنشطاء العنف, وكان من بينهم مجموعة كبيرة من المعارضة المصرية, ودعمت الحكومتان الأمريكية والبريطانية هذه المنظمة, وتكشف أن هناك مجموعة من هؤلاء النشطاء أرسلوا خطابا للرئيس الأمريكي يطلبون منه التدخل لدعم الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط, وذلك في22 مايو2009 ومن بين هذه الأسماء شادي حامد من مشروع ديمقراطية الشرق الأوسط.
وأخيرا تم تسريب مصطلح جديد اسمه الهدم الخلاق بدلا من الفوضى الخلاقة للشرق الأوسط الكبير, ويشير تقرير غامض إلي أن الثورة المصرية هي الخطوة الأولي في هذا المخطط, وأن مراكز البحث الأمريكية مثل(راند) تعمل في هذا المخطط منذ إسقاط الرئيس الفرنسي ديجول عام1968 بالتزامن مع نكسة67 وفتح أبواب المنطقة لإسرائيل, وأن أحدي أدوات هذا المشروع بعض الحركات الثورية مثل حركة كفاية التي تماثل حركة(طارا) في جورجيا, وأن فريدوم هاوس والمعهد الديمقراطي الأمريكي في قلب هذه الأحداث الجارية, وتشير إلي أن سلوك الجماهير الثائرة في مصر وتونس وخريطة تلك الدول يتطابق تماما مع مشروع واشنطن للشرق الأوسط الكبير, والذي تم إزاحة الستار عنه خلال فترة رئاسة جورج بوش في عام2001 وأن (الوقفية الأمريكية للديمقراطية) أحدي المنظمات الأمريكية الممولة مباشرة من الكونجرس كانت تعمل بهدوء منذ عام2003 خلال الغزو الأمريكي لأفغانستان والعراق, وكانت تعمل بالتوازي, وبهدوء في مجموعة الدول التي قامت فيها الثورات مثل تونس ومصر وسوريا وليبيا واليمن والسودان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.