لاحَ (رأس السنة) ، من نقطةٍ معتَّمَةٍ ، يتقدَّمُ نحونا بخُطى ثقيلةٍ . وحين اقتربَ أكثرَ بانَ معْصوباً بضمَّادَةٍ تلطَّختْ ببعض الدَّمِ . وبدا الناسُ غيرَ متفاجئين ، وفترت حماستُهم للاحتفال والابتهاج ، ودمعت عيونُ الصبايا والأطفال. وقف (رأس السنة) ينظرُ فيما حوله نظراتٍ حزينةً ، منكسرةً ، وتأكد أنه لا يليق به أن يحتفل هذه السنة ، ويدعو الناسَ إلى أيِّ مهرجانٍ كاذب للفرح ؛ فالفرح غابَ عن كثيرٍ من البيوت .. والقلوب ... والحزْنُ استوطن المدن والشوارعَ . والأطفالُ لم يعودوا يطمئنون إلى (الألعاب النارية الملونة) بعد أن أحرقت نيرانٌ حقيقيَّةٌ أحلامهم وأمانيهم ، وجعلت السواد والغبار يتكاثفُ في عيونهم وصدورهم. أحسَّ (رأس السنة) بألمٍ شديدٍ ، وأمسك رأسه بين يديه ، مخافة أن ينفجر ، من كثرةِ ما امتلأ من الفظاعة ، والبشاعة ، والقسوة ، والعنف ، والظلم ، والقهر ، والقمع ، والقتل ، والدمار ، والخراب. وفاضت عيناه بدموعٍ ساخنةٍ ، وسمعه الناسُ يشهقُ بالبكاء ، ويعتذرُ لهم جميعاً أنه لا يستطيعُ أن يحتفل معهم بالعام الجديد ، هذه السنة !! وقال : أعتذرُ إليكم يا أحبائي عن عدم رغبتي في الاحتفال ؛ فأنتم كما ترونني لستُ بخيْرٍ ، وأشكو من آلامٍ حقيقيَّةٍ في رأسي ، وأعاني من جراحٍ كبيرةٍ ، وبالكادِ نجوْتُ من الموتِ ، ولكني ما زلْتُ مهدَّداً به ، في أي لحظةٍ ، فالعالمُ يشتعلُ بالحروب الصغيرة والكبيرةِ ، ولم يعدْ أيُّ واحدٍ منَّا يأْمنُ حتى لأقرب أقاربه ، أو أصدقائه ، فقد ينقلبُ عليه في وقْتٍ مباغتٍ ، ويرديه قتيلاً أو جريحاً . ولوْنُ الدَّمِ غطَّى جميعَ الألوان ، وصوتُ الانفجارات أخرسَ باقي الأصوات .. وأُحَذِّركم والأطفال خصوصاً من أن تقبلوا أيَّ هدايا مغلَّفة ، فقد تنفجرُ في وجوهكم ، وأنتم تفتحونها بفرحٍ ساذجٍ ؛ إذْ شاهدت في شوارع كثيرةٍ لُعَبَ أطفالٍ تنفجرُ بين أيدي أطفالٍ أبرياء ، وسمعْتُ عن أشخاصٍ تمزَّقت أجسادُهم ، وتناثروا في الهواء أشلاءً وهم يفتحون هدايا وأكياساً مُلَغَّمَةً. والسلاحُ في كل مكانٍ .. والقتلُ أصبحَ سهْلاً ، ومُشاعاً ، ويكفي أن يختلفَ إثنانِ في اللباس فقط حتى يقتل أحدهما الآخر ، وتقومَ حرْبٌ بين الأهل والقبائل والشعوب والأمم !! آملُ أن تعذروني ، وتفهموني ؛ فالموتُ قريبٌ قريبٌ .. والفرحُ بعيدٌ بعيدٌ. ولم ألْتقِ بعدُ بطبيبٍ يُخبرني أنَّ رأسي سيُشْفى سريعاً ، بل صرتُ أخشى أن يطيرَ ذات صُدْفَةٍ !!. وعند هذا القول سقطَ مغْشِيّاً عليه ، وأسرعَ إليه بعْضُ الحاضرين ، وحملوه إلى أقرب مستشفى ، وهناك تمدَّدَ على سريرٍ في غرفة الانعاش.