النعم من حولنا كثيرة - وللحديث عن النعمة مذاق حلو - له وقع السحر في النفس - »وأما بنعمة ربك فحدث«. إدامة النعم بالإحساس بها وتقديرها وشكر الله عليها والتحدث بذكرها - ما أجمل أن تفتح عينيك من النوم وتقول الحمد لله أن أحييتني بعد أن أمتني، وأن نحمد الله علي نعمة الصحة - فهي نعمة نحرم أنفسنا من الأحساس بها - فإذا ذهبت تذكرنا أنه لم يكن ينبغي التفريط فيها - ونبدأ نلوم أنفسنا علي ما فرطنا في حق صحتنا.. وأسمع قول الله سبحانه وتعالي (وما بكم من نعمة فمن الله). الذكاء نعمة قد نستغله في طريق الشر وترويع الآمنين وتطوير كل ما من شأنه الدمار والخراب - علينا أن نحيل ذكاءنا لخدمة الإنسانية وللخير والسعادة والأمان. الحب نعمة، ومسكين من لم يعرف قلبه الحب، فقد حرم من إحساس عظيم يسمو بالمشاعر ويرققها، ومحروم من لم يعرف قلبه لذة الهوي - قد يهبنا الله نعمة الحب ولكننا لانستطيع التقلب في جناتها، إما لأن قلوبنا قد قفلت وأصبحت أكثر صلادة من الصخر فلا تقدر الحب ولانعترف له بوجود، وإما لأن الحب حالة من الرفاهية ونحن تطحن لحظاتنا تروس الحياة القاسية، وإما لأن نعمة الحب قد تحولت إلي نقمة بفعل تداخلات أخري لايملك المحب أمامها إلا الاستسلام وهو أقبح أنواع الاستسلام في حياة الانسان. وقد تكون النعمة أمنا في الأوطان، نبدده باهمال وتآمر وخيانة، فإذا ما انكشفت واذا تذكرنا النعمة التي فرطنا فيها، وبدأنا الغناء علي الأطلال وتذكر الماضي وأعرقنا في جلد الذات، فإذا زاد علي التفريط في الأمن تفريط في نعمة الإيمان تحققت متلازمة البؤس في الشفاء. إذا الإيمان ضاع فلا أمان... ولادنيا لمن لم يحيي دينا... وإنما كانت الكفاية نعمة، والزيادة عليها نقمة، لأن النفوس مجبوله علي حب العطاء وكراهية الفقد، فإذا أعطاها فرحت، واذا أزال عنها حزنت فمن أراد أن يدوم فرحه فلا يأخذ فوق كفايته ما يحزن علي فقده، كما قيل في الحكم (ليقل ما تفرح به يقل ما تحزن عليه). فإذا أردت أن يدم سرورك فلا تملك شيئا تحزن علي فقده، لأن حزنك علي فقده دليل حبتك له - فاذا اقتصرت علي الضرورة والحاجة من مال أو جاه أو عز أو غير ذلك، فلا تجد ما تفقده حتي تحزن عليه. يحكي أنه رفع لبعض الملوك قدح مرصع بالجواهر لم ير له نظيرا، ففرح به الملك فرحا شديدا، فقال لبعض الحكماء عنده. كيف تري هذا؟ فقال أراه مصيبة وفقرا.. فقال كيف ذلك؟ قال إذا انكسر كان مصيبة لاصبر لها.. وان سرق صرت فقيرا إليه ولن تجد مثله، وقد كنت قبل أن يحمل إليك في أمن من المصيبة والفقر، فقال صدق الحكيم ليته لم يحمل إلينا. فإذا أطلقت نفسك، وجعلتها عرضه لسهام أقدار ربك، لاتعارضه فيما يفعل بك، لاشك أنك تستريح ويدوم فرحك، لأنك حينئذ منتظر ما يبرز من عند الحبيب فتتلقاه بالرضا والترحيب وهذه حلاوة برد الرضا والتسليم وشكر النعمة.