في إحدي قرى محافظة دمياط، ولدت هند، تلك الفتاة التي لم تبذل جهدًا في نشر البهجة والسعادة على أركان البيت، عندما ولدت انطلقت أشعة الشمس لتصل لخديها، فانعكست إلى السماء مرة أخرى، لم تكن صدفة أن تولد ليلة اكتمال القمر من الشهر، يبدو أنه كان يعلم بموعد قدومها إلى الحياة. نمت تلك الطفلة كالزهرة التي ارتوت بمياه عذبة نقية مثل ابتسامتها، فترعرعت وامتدت أغصانها لتخطو داخل المدرسة، والأم تتوسم فيها أن تشفع لها يوم الحساب بحفظها للقرآن الكريم، فداومت هند على حفظ الكتاب، حتى عشقته لما عطر به قلبها من كلمات الرحمن. كانت طموحة جدا، لديها من الأحلام كثيرًا، بعدما تحقق حلمًا، تبدأ في نسج خيوط حلم جديد، آخر أحلامها كانت أنها تستعد لحفل زفافها، ولكن القدر كان له ترتيبات وخطوات أخرى، وفارقت هند الحياة دون سابق إنذار. تفاصيل هذه القصة الحزينة ترويها السطور التالية. هند إبراهيم، فتاة في العشرينات من العمر.. هي الابنة الوحيدة لأسرتها.. ملامحها تحمل كل معاني البهجة والجمال الطبيعي.. كانت تنتظر اللحظات التي سوف تخرج فيها عروس حتى يتم زفافها على من أحبته.. الجميع ينتظر ذلك اليوم، ولكن سرعان ما تبدل الحلم وتحول إلى كابوس بوفاة تلك الفتاة. استيقظت هند كعادتها في الصباح، ذهبت لعملها بالمدرسة، وبعدما عادت للبيت، استراحت قليلًا، ثم خرجت لشراء بعض الأشياء التي ستحتاجها لزفافها.. كانت في غاية سعادتها وهي تخطو كل خطوة، فكانت تنتظر ليلة الزفاف بفارغ الصبر لبناء أسرة وبيت جديد أملًا في مستقبل مشرق.. وبعدما انتهت من الشراء، عادت للبيت والضحكة والابتسامة العريضة لا تفارق وجهها البريء، بدرجة جعلتهم في بيتها يتحدثون عن سر فرحتها الغامرة، ولم يعلموا بأنها تحتفل بآخر يوم لها معهم، ثم ذهبت هند لتصلي العشاءو التراويح في المسجد، وعادت للبيت وكلها نشاط وحيوية. قررت أن تنظف البيت، ولكن كانت الكارثة، ماتت هند إثر ضيق تنفس من مساحيق التنظيف، حيث خلطت مادة الكلور بمسحوق الفلاش، وهو كارثة بكل المقاييس، فعندما يتم خلط المادتين يتفاعلان سويًا وينتج عنهما غاز الكلور السام والذي يسبب الإغماء، وأحيانًا الموت إذا لم يكن هناك تهوية في المكان، وهذا ما حدث لتلك الفتاة المسكينة التي أصيبت بضيق في التنفس، ذهبت بها أسرتها مسرعين للمستشفى في محاولة لإنقاذها، كانت والدتها لديها أمل أن ترى ابنتها واقفة على قدميها من جديد، ولم تكن تلك الأم المكلومة تدري ما يخفيه لها القدر، وأن هناك فاجعة جديدة ستصيبها، وستفقد فلذة كبدها وابنتها الوحيدة قبل شهر واحد فقط من زفافها، وبدلاً من أن ترتدي هند الفستان الأبيض الذي كانت تحلم به، ارتدت كفنًا أبيضًا، وودعت أسرتها بابتسامة. لحظات عصيبة، وأوقات مريرة، فعروس صغير ماتت، وأسرة مكلومة، وشاب فقد حبيبة عمره قبل أن يدخل دنياه الجديدة، حالة من الحزن الشديد اجتاحت محافظة دمياط بأكملها عندما تداول الأهالي خبر وفاة تلك الفتاة، لم يذكر اسم هند أمامهم؛ إلا وذكروا أنها كانت تتميز بالأخلاق الحميدة، وأنها طيبة القلب، والابتسامة لا تفارق وجهها، وودعتها القرية في جنازة مهيبة،بكى فيها الكبير والصغير، جميعهم لا يصدقون أنها رحلت فجأة وتركتهم، وأنهم شيعوها لمثواها الأخير.