الكثير منا يرون فى صفحات التواصل الأجتماعى المختلفة وسيلة لإفساد العقول وإتلاف المبادىء، حتى أن الغالبية العظمى تعتبر الأنترنت منذ دخوله مصر المصدر الرئيسى للمشاكل التى نتعرض لها يومياً، وبالرغم من صحة بعض هذه الآراء، إلا أن هناك أشخاص أثبتوا لنا العكس تماماً، واتخذوا من صفحات التواصل الأجتماعى طريقاً لخدمة الناس. لاسيما إن تلك الخدمة تكمن فى العثور على الأطفال الذين غابوا عن أهلهم بسبب الخطف أو التوهان . لأكثر من ثلاث سنوات ونصف تواصل صفحة "أطفال مفقودة" على موقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك" تقديم تلك الخدمة، حتى نالت مؤخراً التكريم الذى تستحقه من ادارة "فيس بوك" نفسها. وهنا فى "أخبار الحوادث" حاورنا مؤسسها "رامى الجبالى" لنغوص معه فى تفاصيل الصفحة وكيف وصلت إلى أكثر من مليون و300 الف متابع. شاب لم يبلغ عامه الأربعين بعد بالرغم من ظهور بعض خصيلات الشعر الأبيض على جانبى رأسه، ولكنى تأكدت وقتها من سبب ظهورهم، بما أنه أدمن لصفحة تعرض يوميا الكثير من الحالات المأسوية للأطفال الذين تم خطفهم أو تاهوا من أسرهم. ويتحدث تلفونيا مع أهلهم وذويهم، بنبرات أصواتهم الى تعلوها الدموع، والتى خرجب جراء جرح ليس بهين، وإجابته الى اعتادها دوماً "إن شاء الله هنرجعهولك تانى لحضنك" كيف كانت البداية؟ البداية كانت عندما كنت أجلس مع إحدى صديقاتى وهى تنشر صورة لطفل مخطوف، سألتها حينها أنه من الممكن أن يكون قد رجع لإهله، لكنها نفت ذلك، ورد حينها فى تفكيرى أن أنشئ صفحة على موقع التواصل الإجتماعى "فيس بوك" بغرض عرض صور الأطفال المفقودة وفقط، لم يكن وقتها فى مخيلتى أن هذه الصفحة ستكون كما هى عليه الآن، وبالفعل لمدة 4 شهور تحديدا تعرض الصفحة صوراً لأطفال شبه يوميا، حتى جاءنى اتصال تليفونى، والشخص الأخر يحدثى بأن الطفل الذى تم نشر صورته منذ قليل موجود فى شارعنا، وقتها انتفضت من الفزع، هل حقا سيغدو لصفحة "أطفال مفقودة" شأن ومكانة فى أنها ستساهم فى رجوع الأطفال إلى أحضان أمهاتهم، على الفور تحدثت مع أهل هذا الطفل، وذهبنا مسرعا إلى العنوان الى أرسله لى الشخص الذى هاتفنى، ووجدنا الطفل بالفعل ورجع مع والدته. بعد هذه الواقعة، وضعت فى اعتبارى أن هدفى الأساسى هو تلك النظرة التى سأجدها فى عيون كل أم يرجع إليها ابنها بعد غياب، وعملت على ذلك طوال تلك الفترة، وتوسعت فى نشر صور التائهين والمخطفوين، صور مثلا للأطفال مع المتسولين فى الشارع بجانب صوراً للمعاقين، بالإضافة إلى الرسائل التى تأتينى من كل حدب وصوب ليطلبوا عرض صور أولادهم على صفحتى كى يستطيعون أن يعثروا عليهم. حتى وجدت واقعة أخرى كانت السبيل لى لفهم كيفية خطف الأطفال واستخراج شهادات ميلاد لهم ، وهى فتاة من القاهرة تم شراؤها بمبلغ 3000 جنيه، ومن أشتراها استخرج لها شهادة ميلاد، وبالفعل استطعنا أن نصل له عندما نشرنا صورتها ، وكانت المشكلة هنا كيف استطاع هذا الرجل ان يستخرج لها شهادة ميلاد صحيحة، وهنا كانت المفاجأة حين اكتشفنا أن شهادة الميلاد تستخرج ب"شهادة قيد مولود" يتم استخراجها من المستشفى، ومن السهل جدا أن تحصل عليها أو يتم تزويرها، ويذهب بها الرجل إلى السجل المدنى لاستخراج شهاد ميلاد صحيحة، وهنا من السهل أن ينسبها إلى أى طفل، ويعتبره ابنه، ومن الممكن أن يسافر به خارج البلاد، وتقدمت وقتها إلى الأحوال المدنية بوزارة الداخلية إلى ضرورة فرض ضوابط وشروط على أستخراج تلك الشهادة، من ضمنها مثلا التوقيع ببصمة قدم الطفل على ظهرهذه الشهادة حتى نتأكد من صحتها، وأن يكون لها صلاحية معينة تنتهى بدخول الطفل المدرسة، وأن تستخرج له شهادة ميلاد جديدة عليها صورة الطفل، فمن غير الطبيعى ألا تعرف الدولة شكل الطفل حتى يبلغ عامه ال16 ليستخرج بطاقة رسمية، وبالفعل تم إتخاذ مشروعنا بجدية ولكنه إلى الآن من سنتين لم يطبق بعد! هل أقتصر نشاط الصفحة على الأطفال فقط .. وماهو عدد الحالات التى استطاعت الصفحة أن تعيدهم لذويهم؟ بالطبع لا،تطرقنا إلى أمور أخرى، من ضمنها مثلا المسنين الموجودين فى الشوارع، كنا نصورهم وننشر صورهم على صفحتنا حتى نصلهم بأهلهم، والمتأخرين ذهنياً أيضاً كانت لنا معهم حالات كثيرة استطعنا أن نرجعهم أيضاً الأشخاص العابرون فى الشوارع ذووا الذقن الكثيفة والطويلة والشعر الطويل والثياب الرثة، التي تخفي ملامحهم، استطعنا من خلال متطوعين لنا أن نحلق لهم ونهندمهم بالشكل اللائق، حتى نرجعهم إلى الصورة التى كانوا عليها قبل أن يأخذهم الشارع، وبالفعل استطعنا أن نعيد منهم الكثير لأهله. أما من ناحية عدد الحالات التى استطعنا أن نعيدهم إلى أهلهم فقد بلغوا أكثر من 1000 حالة ما بين طفل ومسن ومعاق ومتأخرون ذهنياً. ما هى أكثر الفترات صعوبة التى واجهت هذه الصفحة؟ بالفعل تعرضنا لأوقات صعبة، وأمور كانت تدعونا إلى غلق هذه الصفحة، خصوصا وأننا حتى الآن لم نتلقى جنيه واحد على ما نفعله، فنحن صفحة كانت ولا تظل تمنع قبول التبرعات بكافة أنواعها، وكل العاملين معنا ابتداء من مجموعة الأدمن والذين بلغوا حتى الأن 6 وأنا سابعهم، أو أكثر من 7000 متطوع داخل مصر وأكثر من 700 متطوع خارج البلاد، لكننا كانت تكفينا دموع الفرح التى نجدها فى عيون الأهل بعد إرجاع طفلهم إلى حضنهم، واعتبرنا هذا مقابلنا الوحيد. ومن أكثر تلك الفترات صعوبة مرت علينا كانت لطفل معاق ذهنيا كان موجود فى مدينة نصر، استطاع احد المتطوعين أن يأخذ له صورة وبالفعل وجدنا أن هذا الطفل هو ما نبحث عنه، وعلى الفور تحدثت مع والدته هاتفيا وطلبت منها أن تذهب لرؤية الطفل مع أحد المتطوعين هناك، وكنت معها على الاتصال وأنا أسجل تلك المكالمة لتكون شاهدة على لحظات اللقاء الأولى، وبالفعل ذهبت الأم الى ولدها وبمجرد أن رآها الطفل، لم يقل لها إلا كلمة واحدة "ماما" وبعد كده قلبه وقف من الفرحة ومات، وانهارت السيدة فى البكاء وقالت "ياريتنى ما لقيتك"، وقتها لا أستطيع أن أصف لك الحالة التى كنت عليها وتمنيت أن اغلق هذه الصفحة وإلى الأبد. الأكثر صعوبة من هذه الواقعة عندما حدثت واقعة التدافع فى "منى" أثناء الحج عام 2015، والتى راح ضحيتها أكثر من 769 شخصاً على الأقل وإصابة 694 آخرين حسب الرواية الرسمية، وقتها استطاع المتطوعين معنا فى السعودية أن يلتقطوا أكبر قدر من الصور للكثير من الجثث والمصابين، وبدأنا بنشرها على صفحتنا، وكنا أكبر مصدر موجود لهذه الصور فى العالم تقريباً، ولهذا كان يتم التواصل معنا من جميع أنحاء العالم ليروا صور أهلهم الذين كانوا فى السعودية حينها، واستطعنا بالفعل أن ندل الكثير على الحالة التى وصل إليها أهلهم، سواء إن كان بين الجثث وقد توفي، أو بين المصابين، أو أنه لم يكن من ضحايا هذا الحادث الأليم. وهذه الفترة كان لزاماً علينا أن ندقق فى تفاصيل هذه الصور، حتى نتأكد من هوية صاحب الصورة، ولأكثر من شهرين متواصلين كانت أعيننا لا ترى غير مشاهد الدماء وكأنها حولنا فى كل مكان، وهذا الأمر أثر فينا تأثيراً كبيراً كان يدعونا إلى إغلاق هذه الصفحة. دعنا ننتقل من هذا السؤال لتحدثنا عن كواليس تكريمك من "فيس بوك". شركة "فيس بوك" قررت إنها تعرف مين أكتر الشخصيات التى أثرت فى المجتمع باستخدام منتجاتها سواء خلال صفحات أو جروبات أو حتى الواتس آب وانستجرام، وقدرت أنها تقدم من خلال منتجاتها عمل قيم بيساعد الناس، واختاروا بالفعل 6000 شخص حول العالم قدر أنه يقدم محتوى جيد، وتم عمل تصفية للعدد حتى وصل إلى 115 شخص حول العالم، والحمد لله قدرت إنى أكون من ضمنهم، والإحتفال دا لم يكن عبارة عن تكريم وفقط، بل هو برنامج شامل لمدة سنة الهدف منه العمل على تطوير هذه المبادرات لتصبح كيانات فى بلدها برعاية "فيس بوك" وبالفعل بدأت أنها تسخر كافة الامكانيات عشان تساعد أصحاب هذه المبادرات فى مواصلة عملهم بنجاح، والمكافأة هنا مش عبارة عن مبلغ مالى وفقط، بل أنها بتقدملك المكافأة عن طريق إنها تكفى الإحتياجات بالكامل من أجهزة وفرش وورق وتصاريح وبتؤهلك عشان تكبر فى المجال اللى انت شغال فيه، هذا شى يشرفنا كمصريين عندما يقال لنا " أنك قدرت وشرفتنا بإستخدام منتجاتنا فى خدمة الناس" بالرغم إننا لن نأخذ هذا التكريم بعناية هنا فى مصر. وكانت أكتر حاجة ضايقتنى فى التكريم دا عندما سألونى عن هذا التكريم رقم كام فى تاريخ الصفحة، وجاءت إجابتى لهم صادمة عندما قلت لهم أن هذا هو أول تكريم حصلنا عليه من وقت إنشائها، وبالفعل إستغربوا حينها التجاهل الذى تعرضنا له خلال تلك السنوات الماضية من قبل أجهزة الدولة. ما هى آخر حالة تعمل عليها الآن؟ مطاريد أسيوط يمارسون بلطجتهم على أهالى الطفل الذى قتلوه عشان 30 الف جنيه طفل يدعى "محمد سمسم حسن هاشم" من عزبة الشيخ سيد التابعة لقرية دير القصير فى مركزالقوصية بمحافظة أسيوط، لم يبلغ الرابعة من عمره، هدد الخاطف الأم بخطف نجلها إن لم يدفعوا مبلغ 30 الف جنيه فدية يدفعها زوجها الذى يعمل فى الكويت، والذى يصرف على إخوته الأيتام ومتزوج ولم ينجب غير هذا الطفل ، وفى يومها استطاع أن ينفذ تهديده وأن يخطف الطفل، وقتها الأم خافت أن تحكى لزوجها ما حدث وقالت أنه من الممكن أن يرجع الخاطف الطفل وأن يكون هذا لتهديدهم فقط، وفى اليوم الثانى نفذ القاتل ما قاله وإذا به يقتل الطفل ذبحاً ويضعه فى "شوال"، وألقى جثة الطفل على باب بيته، دون أن يرمش له جفن، وهرب خارج البلد مع بعض الأشخاص الذين يتخذون من الجبال ملاذاً لهم، أو بالمعنى المفهوم لدينا "المطاريد" كان هذا فى شهر يوليو الماضى، ذهب الأهل ليستنجدوا بالشرطة وتم تحرير محضربرقم 4501 وتم عرضه على نيابة شمال اسيوط برقم 5124 بتاريخ 18/10/2018، وبالفعل حاولت الشرطة الوصول إلى هؤلاء المجرمين ولكن دون جدوى، هل ينتهى الأمر على ذلك؟ بالفعل لا، يتسلل هؤلاء المجرمين بشكل شبه أسبوعى وفى أوقات مختلفة إلى بيوت أسرة الطفل ويتم إطلاق النار لتهديدهم بإنهم إن لم يتنازلوا عن المحضر المقدم سيتم خطف أطفال ونساء آخرين من العائلة، حتى اضطرت العائلة إلى أن يعيشوا فى بيوت الجيران متنقلين بين هذا وذاك حتى ينجوا بإنفسهم من بطش هؤلاء البلطجية والمطاريد وخوفاً من القتل والإغتصاب.