شهدت الفترة الانتقالية ثلاث خطايا أدت بنا إلي ما نحن فيه الآن. والخطايا الثلاث هي: تشويه الثورة والثوار. تصعيد التيار الديني. عدم محاكمة فلول النظام الفاسد لعب اعلام الفلول ومعه الاعلام الرسمي للدولة دورا كبيرا في تشويه الثورة والثوار. إعلام الفلول المأجور كان هدفه بالطبع الانتقام من الثورة والثوار الذين ازاحوا دولة الفساد وهدموا مصالحهم ومنافعهم ولذلك شنت القنوات الخاصة التي يمتلكها فلول النظام البائد ويعمل بها مذيعون يتبعون جهاز أمن الدولة السابق حملة ضارية علي الثورة والثوار واستغلت تلك القنوات خطة الداخلية في غرس البلطجية والباعة الجائلين المدفوعين بميدان التحرير رمز الثورة في تشويه كل شيء عن الثورة والثوار. وللحقيقة فإن الثوار دفعوا ثمنا باهظا نتيجة هذا التحريض العلني والفاجر وسقط منهم شهداء جدد بداية من حادث مسرح البالون وحتي موقعة مجلس الوزراء.. وكل شهيد سقط دفاعا عن الثورة اطلقت تلك القنوات الفضائية المأجورة والاعلام الفلولي عليه اسم »البلطجي«! وانساق اعلام الدولة وراء اعلام الفلول وللأسف فإن هذا الاعلام اعتاد نفاق الحاكم أيا كان ولم يتعلم شيئا من درس ثورة 25 يناير.. فظل الاعلام الحكومي بروافده الثلاثة (اذاعة- تليفزيون- صحافة) علي نفاقه القديم ولكن استبدل اسم الحاكم فقط.. بدلا من مبارك وعائلته أصبح يمجد المجلس العسكري وعلي رأسه المشير طنطاوي. وكانت النتيجة الطبيعية ابتعاد الثوار الحقيقيين عن الساحة وترك الجمل بما حمل خاصة مع احباطات كثيرة تعرضوا لها مثل سقوط المزيد من الشهداء منهم وكذلك محاولات القائمين علي الحكم التعاون مع التيارات الدينية التي بدأت تصعد صعودا غريبا وغير مبرر.. وكأن هناك صفقة ما تم عقدها مع هذا التيار الذي رفض المشاركة في الثورة منذ البداية وعندما نجحت ركبوها بكل سهولة. جاء صعود التيار الديني بشكل مبالغ فيه.. وربما قلة خبرة القائمين علي شئون البلاد تسببوا في ذلك دون قصد خاصة بعد نتائج الاستفتاء التي اجريت علي تعديل الدستور والتي جاءت نتيجتها لتشير إلي أن أنصار التيار الديني في مصر 77٪ مقابل 23٪ من باقي الفصائل السياسية الأخري. استفتاء تعديل الدستور والذي عهد به إلي المستشار طارق البشري المعروف بميوله الدينية كان بالونة اختبار لمعرفة توجه الشعب المصري.. وانخدع القائمون علي شئون البلاد في نتيجة الاستفتاء وقرروا اللعب مع الحصان الرابح وربما تمت الصفقة التي اكتسح خلالها أصحاب التيار الديني انتخابات البرلمان والتي شهدت بعض دوائرها تزويرا لا يمكن انكاره أو اغفاله.. فهناك دوائر اكتسحها الليبراليون كأفراد وفي نفس الوقت اكتسحها التيار الديني كقوائم وهو أمر غير منطقي! ثم جاء الأداء البرلماني الهزيل من خلال جلسات مجلسي الشعب والشوري ليكتشف القائمون علي أمور البلاد ان هذا التيار لايصلح لقيادة المرحلة القادمة خاصة ان الأداء اتسم بسذاجة سياسية لم تشهدها مصر حتي في عهد المخلوع وعصابته الفاسدة. وهنا حاول القائمون علي شئون البلاد التراجع ولكن كما يقول استاذنا هيكل »القطار كان قد غادر المحطة«.. استوحش التيار الديني وقويت شوكته وأصبح مصدرا للخطر علي الحكومة والمجلس العسكري والناس أيضا. وتحول مسار الثورة من الاتجاه الي النظام التركي الي النظام الأفغاني أو الديني المتشدد.. ولم يكن امام القائمين علي شئون البلاد سوي البحث عن فصيل آخر للاستقواء به في مواجهة هذا التشدد فلم يجدوا سوي فلول النظام السابق امامهم بعد ابتعاد الثوار ورموزهم مثل البرادعي وجورج اسحاق وغيرهم. اعلام الفلول المأجور يحاول الآن بعد ان أجهز علي الثورة والثوار.. توجيه الرأي العام لمنح رموز النظام البائد الثقة من جديد. وفي رأيي أن هذه مهمة مستحيلة. سهل ان تقتل.. ولكن صعب ان تعيد قتيلاً الي الحياة مرة اخري. وهذه هي الورطة الكبري التي يعيشها العلمانيون والليبراليون والاشتراكيون.. فهم امام خيارين كلاهما مر في انتخابات الرئاسة ولذلك سوف يحجم الكثيرون عن الإدلاء بأصواتهم في انتخابات الرئاسة لانهم سيكونون أمام الاختيار ما بين فلول النظام السابق المكروه من غالبية الشعب والذي تقاعس القائمون علي شئون البلاد عن محاكمتهم بجدية وبين اتباع التيار الديني الذي يريد مصر نسخة من افغانستان أو السعودية في أحسن الأحوال وهما نموذجان لايناسبان الشخصية المصرية. ان عدم محاكمة فلول النظام السابق بالقدر الذي يشفي غليل المصريين جعل تواجدهم علي الساحة وفي انتخابات الرئاسة امرا مستفزا يتسم بالبجاحة وكأن الثورة لم تقم وكأن دماء الشهداء لم تكن سوي مياه اريقت علي أرض ميادين التحرير في مصر بطولها وعرضها. نعم.. المصريون في ورطة حقيقية. والسبب تلك الخطايا الثلاث التي شهدتها الفترة الانتقالية والتي امتازت بسذاجة سياسية سوف ندفع جميعا ثمنها.