اعتقد ان من اخطر المنحدرات التي تعرض لها هذا الوطن هو منحدر منظومة القيم والضمير وأدي كل ذلك إلي المنحدر الاخطر علي الإطلاق وهو منحدر عدم الثقة في المجتمع. لقد أدي الانحدار في الثقة إلي ان سكان العمارة الواحدة لم ينجحوا في ادارة عمارة سكنية. لماذا اعتبر هذا المنحدر هو الاخطر علي الإطلاق ؟ لانه يهدم اي مجتمع وبالتالي يهدم الدولة برمتها. فالمجتمعات في واقع الامر لا تقوم الا علي الثقة وجميع المجتمعات المتحضرة لم ترتق الا بعد ان قررت اعتماد الثقة كأساس لبناء المجتمع. ان ضياع الثقة يخلق ويعمق الخلافات ويضيع فرص النمو. ان فكرة الدول أصلاً ما هي الا تنظيم لمجموعة من المواطنين يجمعهم مجتمع في ارض محددة ويريدون ان يعيشوا مع بعضهم في سلام ويحسنوا ادارة مواردهم وفِي حالة النزاع يكون هناك تشريعات وآليات لفض هذه النزاعات بطريقة عادلة وناجزة متحضرة.. إذا غابت الثقة لن يكون لهذا المجتمع اَي قدرة علي التعايش أو النمو.. لقد اصبح المواطن لا يثق في الحكومة والحكومة لا تثق في المواطن ورجال الاعمال لا تثق في الحكومة والضرائب لا تثق في رجال الاعمال. ان هذا المناخ من انعدام الثقة لا يبني وطناً وهو السبب الحقيقي في تفسخ المجتمع وبعد هذه المقدمة الطويلة والصادمة نعود للموضوع مرة اخري.. مما لاشك فيه ان ما حدث بالامس من قرارات للبنك المركزي وما حدث من قبل من قرارات للمجلس الأعلي للاستثمار يعتبر خطوة إيجابية جداً وجريئة للغاية ونأمل ان يتبعها خطوات اخري مكملة لها. ولكن الاهم في تفعيل هذه القرارات هو مناخ الثقة والذي سيطمئن المستثمرين لضخ استثماراتهم ويطمئن من لديه الدولار ان يضخه في الاقتصاد القومي ويطمئن الشركات ان تظهر حقيقة ارباحها.. آمل ان نتحلي جميعاً بالثقة ونكون اهلًا لها، لا شك ان هناك الكاذب والمنافق والفاسد وسيستمر وجودهم إلي يوم الدين ولكن لايجب ان نقيم ركائز المجتمع علي ان هؤلاء هم القاعدة لانهم بالفعل هم الاستثناء ولكن حينما يتحول انعدام إلي ثقافة يمارسها الأغلبية فالحل ليس في الاستسلام لها ولكن العمل علي إصلاحها والإصلاح لابد ان يأتي من اعلي فمن لديه السلطة في الدولة هو الوحيد القادر علي كسر هذه الدائرة المغلقة، وهذا يحتاج لقرار جرئ بقدر جرأة قرار تعويم الجنيه. ولابد أيضاً للمواطن ان يثق في قيادة الدولة لا اعتقد ان هناك احدا يشك في اخلاص الرئيس السيسي وكلنا نلحظ الجهد الفائق الذي يبذله والأمن الذي عاد للشارع والطرق والكهرباء والعديد من الإنجازات وقد نختلف معه في بعض الملفات وفِي بعض السياسات ولكن لا يجب ان يشكك احد في نوايا الاخر. علينا ان نثق في هذا الرجل وعلينا ان نعرب عن اعتراضاتنا باحترام وتحضر. وعلي الدولة ان تثق في المواطنين ولا تفترض ولا تدخل في نياتهم وتحاسبهم عليها. علي مصلحة الضرائب ان تثق في الممولين. علينا جميعاً ان نعلم ابناءنا الثقة ونثق فيهم حتي نعيد بناء المجتمع. فقرار عودة ثروات المصريين إلي قنوات مصر الشرعية مرتهن بمقدار الثقة التي ستؤكدها الدولة في مصداقية واستمرار قرارات الإصلاح والتي لابد ان تتمثل في منظومة متكاملة. ودعوتي لابناء وطني ان يبادر كل منهم بالثقة في الحكومة وقراراتها وكل من لديه عملة بالخارج أو تحت البلاطة يدخلها في القنوات الرسمية وليكن علي يقين ان فعله هذا سيساهم في ان يعود ذلك عليه بالخير العميم عندما تنطلق عجلة الانتاج وتتدفق الاستثمارات وتفتح فرص العمل فينتعش. ودعوتي للحكومة ان تثق في مواطنيها وتيسر سبل معيشتهم وتضرب بيد من حديد علي كل من يثبت عليه فساد أو تلاعب بأقوات العباد وان تستمر في القرارات الجريئة بخطي ثابتة ودون النظر للمكاسب الشعبية المؤقتة.