في الطابق الثامن والأخير في بناية تطل علي زقاق متفرع من شارع فرنسا، بمنطقة المنشية، كان الهدوء يسود المكان كعادة المنطقة إلا من أصوات الباعة في الشارع، جلست مني السيد، ابنة الاسكندرية التي أصبحت ما بين ليلة وضحاها حديث الشارع المصري. فتاة مصرية بسيطة تعمل في توصيل البضائع الجملة إلي الباعة بواسطة عربة صغيرة محملة بصناديق »الكارتون» المليئة بالبضائع تجرها ذهابا وإيابا في شوارع منطقة المنشية القديمة، لمساعدة أهلها في الحياة الكريمة، لم يكن يشعر بها أحد إلا جيرانها ومن يتعاملون معها، فالكل يحبها ويري فيها الفتاة المثالية التي »تعافر» من أجل الحصول علي لقمة العيش. داخل منزلها - حيث التقتها الأخبار - كانت تجلس بصحبة ابن شقيقها، في هدوء وسكينة وكأن لسان حالها يقول: كيف أصبح في يوم وليلة حديث الشارع؟ بعد أن ظلت لأكثر من عشرين عاما علي العمل في صمت دون أن يشعر بها أحد. الأمر تغير إلي النقيض عندما قام أحد الأشخاص بتصويرها خلال عملها، وقتها لم تشغل بالها لما حدث لكن بعد مرور يوم واحد بدأت وسائل الإعلام تتهافت علي لقائها عقب نشر الصورة علي مواقع التواصل لتعيش حالة استغراب ودهشة.. تقول مني أنا أعمل في هذه المهنة منذ زمن طويل فأخي الكبير أصيب في حادث ولم يعد يستطيع العمل وقررت أن أعمل أنا وابن شقيقي في هذه المهنة لتدبير أمور حياتنا».. تصمت قليلا ثم تواصل : »أنا بقول للشباب اللي مش بيشتغل انزل واشتغل في أي حاجة وكل عيش مفيش حياة بدون تعب وعمل وأنا قررت أعمل كدا ومبسوطة بدا». وحول ردود الأفعال التي فوجئت بها قالت: أنا مبسوطة جدا.. والحمد لله أنا مش مصدقة وعمري ما فكرت أني في يوم من الأيام حد هيهتم بيا أو يتكلم معايا فأنا لا أريد في هذه الحياة سوي الستر فقط». يتدخل إبراهيم بهاء الدين، ابن شقيقها في الحديث ويقول : »الحمد لله.. إحنا مش محتاجين حاجة وبنشتغل أنا وعمتي ومستورة والحمد لله احنا فعلا مش مصدقين اللي بيحصل ودي رسالة فعلا للشباب أنه يشتغل ويجيب لقمة عيشه».. علي مقربة منها كانت تجلس زوجة شقيقها، أكدت أنهم كثيرا ما طلبوا من مني البقاء في المنزل بعد أن أمضت سنوات طويلة في العمل في هذه المهنة الشاقة، لكنها كانت ترفض لأنها تري عملها وهو حياتها وتشعر بالسعادة عندما تقوم به.. في المنطقة التي تعمل بها مني لا حديث يدور سوي عن الفتاة التي يعتبرونها بمائة رجل، فهم يحبونها كثيرا لأنها مثال للفتاة المناضلة التي تعمل في صمت.