ما كان من الممكن ألا نتذكر أن نشعل الشمعة ال 105 للحاضر الغائب أبو الكاريكاتير المصري عبد المنعم رخا الذي تحل ذكري ميلاده الإثنين القادم " 7 نوفمبر "، رخا وإن رحل بالجسد إلا انه " الحاضر دائما " كأول فنان مصري يحترف الكاريكاتير بعد ان كان مقصورا علي مجموعة من الأجانب المقيمين في مصر، فكتبت له الريادة، وهو الأستاذ الذي تتلمذ علي يديه كل نجوم فن الكاريكاتير في مصر والعالم العربي.. وهو.. وهو.. وهو.. الذي تحتفي به مؤسسة اخبار اليوم التي رسم لها اروع اللوحات والآراء الكاريكاتورية في كافة مطبوعاته حتي لاقي ربه ولد محمد عبدالمنعم رخا 7 نوفمبر 1911 في بلدة سنديون التابعة لمحافظة القليوبية التي تبعد عن القاهرة بحوالي 22 كيلومترا. وكان والده قاضيا شرعيا، لكنه رحل ولم يكن رخا الصغير يبلغ عاما ونصف العام، حفظ في طفولته المبكرة ثلاثة أجزاء من القرآن الكريم، تلاوة وكتابة، وكان يحضر إليه مقريء كل صباح ليقرأ له ما تيسر من القرآن، ثم انتقلت الأسرة إلي القاهرة وعمره ست سنوات، سكنت الأسرة حي باب الشعرية، وهناك التحق بالمدرسة الابتدائية التي حملت اسم الحي العريق، وحصل رخا علي الابتدائية وعمره 11 سنة، في هذه السن كانت هوايته الرسم، كان يقلد رسوم المجلات التي تقع تحت يديه ومنها "اللطائف المصورة" التي كان مغرما بها، لأنها كانت تهاجم الحكام فتعلم منها اهمية فن الكاريكاتير، وكان يشجعه صديقه وزميله بالمدرسة " فريدون " الإيراني الأصل ورسام الإعلانات الشهير فيما بعد، وكان قد قرر الالتحاق بالفنون الجميلة، ولكن رغبة رخا في دخولها قوبلت بالرفض من الأصل فقد عارضتها الأسرة وكانت نظرة العائلات للرسم في ذلك الوقت مثل النظرة للتمثيل والموسيقي. ونزولا علي رغبة الأهل التحق بالمدرسة الخديوية الثانوية، لكن هواية الرسم ظلت تشغله وأفقدته التركيز في الدروس ورسب ثلاث سنوات في السنة الأولي، ثم وقع الحادث الذي غير مجري حياته، ويحكي عنه للكاتب الصحفي سعيد ابو العينين قائلا : "كان احد زملائي في الفصل قد جلس مكاني وجلست انا مكانه. وفتح درجي اثناء الدرس ففوجئ بمجموعة من الرسوم أخذ يتأملها، وهنا لمحه مدرس الرياضة واقترب منه واخذ الصور، ولكن زميلي صاح في خوف انها رسومي. وكان استاذي هذا اول من اشار عليّ بالالتحاق بالقسم الحر في مدرسة ليوناردو دافنشي الإيطالية، وبعد سنتين من الالتحاق بهذه المدرسة وجدت نفسي ارسم وتفرغت للرسم، للهواية التي صارت طريقي، وكل شئ في حياتي منذ ذلك الوقت". وقد اجاد رخا رسم ابطال مجلة "الأولاد" والتي كانت تعتمد علي قصص كرتونية مترجمة ومرسومه في مجلات اخري، وهي مجلة صدرت في عام 1922 وتميزت بغرابة عناوينها من القصص مثل "دان ودورة المشهورة"، و"صرفاتي المصوراتي"، وأيضا "حاريتو وماريان ودقماقة ومعركة الثيران"، و"عبود وابنه بياضة واللي جراله من ألعاب الرياضة"، وسعرها خمسة مليمات. كان اول رسم ظهر للرسام رخا في مجلة اسمها "الفنان"، وكان صاحبها مؤلف الأغاني الشهير وشيخ المؤلفين المصريين محمد يونس القاضي (1888- 1969) وهو مؤلف نشيد "بلادي بلادي" الذي ألفه من وحي شعار الزعيم مصطفي كامل "بلادي بلادي بلادي.. لك حبي وفؤادي"، وكان ترجمة لمشاعر الشعب المصري بعد نفي سعد زغلول، وأيضا اغنية "ارخي الستارة اللي في ريحنا.. احسن جيرانك تجرحنا" و"وإيه اللي جرا في المندرة" و"شال الحمام.. حط الحمام.. من مصر لما في السودان" و"يا عزيز عيني"، وبعد توقفها ساعد الشيخ القاضي رخا وعرفه علي الكثيرين من اصحاب الصحف أولهم جمال حافظ عوض صاحب مجلة "الستار" ثم عمل في مجلة "الناقد" التي كان يصدرها محمد علي حماد، ولأن اغلب المجلات المصرية في ذلك الوقت كان يتم طبعها في مطبعة بميدان العتبة الخضراء، فقد التقي رخا بالكثير من الكتاب امثال محمد التابعي الذي نشر له صورتين في مجلة "روزاليوسف". كما عمل بمجلة "البلاغ" الأسبوعي و"الصباح" و"أبو الهول" واللتين كان يصدرهما مصطفي القشاش، ومجلة "المسرح" و"المستقبل". وكان يصدرهما اسماعيل وهبي المحامي وشقيق الفنان يوسف وهبي، ومع الانتشار والانطلاق تحول رخا إلي مصنع رسومات يملأ الصحف والمجلات بضحكاته ودموعه. وفكر في استئجار مكتب في سوق الخضار بباب اللوق. وكان الطابق الثاني في السوق عبارة عن مكاتب تؤجر للمهندسين والمحامين والأطباء. وفي هذا المكتب كان علي موعد مع صداقة العمر.. مع الأخوين علي ومصطفي امين، وقد انتخب أميناً عاماً لنقابة الصحفيين ووكيلاً لها عدة مرات، وفي عام 1966 رشح رخا لجائزة الدولة التقديرية عندما طالب الفنان بيكار بمنحه الجائزة في برنامج تليفزيوني كانت تقدمه سلوي حجازي باعتباره واحداً من أوائل الفنانين المصريين الذين أدخلوا فن رسم الكاريكاتيري في الصحافة المصرية، وفي 30 ديسمبر عام 1983م انتخب رئيساً لجمعية فناني الكاريكاتير، وفي السنوات الأخيرة من حياته عاش الفنان رخا في عزلة بسبب ظروف المرض، وبينما كان يحتفل بعيد ميلاده الخامس والسبعين قرأ في صحيفة "أخبار اليوم" عن حصوله علي جائزة مصطفي أمين تقديراً لدوره الريادي ولأنه كان أول فنان كاريكاتيري يطرق أبواب الصحافة في مصر في وقت كان فيه الأجانب يسيطرون علي الصحف والمجلات المصرية. من أرشيف " أخبار اليوم "