أعلم أن مساحة الزمن التي استغرقتها فعاليات مؤتمر الشباب لم تتجاوز الأيام الثلاثة، لكن اليوم الرابع بألف يوم مما تعدون، أقصد أچندة يرافقها برنامج زمني لتفعيل توصيات المؤتمر، وترجمة التوجهات التي برزت وتبلورت، لأن إفلاتها من بين أيدينا لا يعني سوي التفريط في فرصة يجب اغتنامها، وكفانا ما فات. كثير مما قيل، خلال المؤتمر، كلام جميل؛ أفكار نتفق مع معظمها، ورؤي تدعو للتفاؤل، إلا أن العبرة -عندما نتطلع لتقدم ونهضة- بالأفعال، وضمانات وآليات التنفيذ. بمعني أدق، نحن بحاجة كل المصريين وليس الشباب فقط إلي تحويل الشعارات إلي قرارات مدروسة، واجراءات واضحة، الأمر الذي يستلزم تواصل الجهد المبذول، وبذات الحماس، وربما أكثر، مما كان تحت الوهج الإعلامي المصاحب لجلسات المؤتمر وورشه النوعية. أتصور تشكيل فرق عمل تتحرك وفق برنامج زمني للخروج بخطط ملزمة للجهات المعنية بالتنفيذ، مع نظام صارم للمتابعة والتقويم والحساب الذي يتم فصليا، أي كل ثلاثة أشهر، وعندما يلتئم المؤتمر القادم تكون المحاسبة الفعلية علي مجمل ما تم علي الأرض، لا ما دونته اللجان في أوراقها مهما كان منمقا. لنضع الأمور علي محكات عملية بعيدا عن تحسبات ومخاوف، أظن أكثرها ينتمي إلي ممارسة نوع من الترف الفكري باهظ الثمن، إذا ما أصر البعض علي التمترس خلفه، أو محاولة احراج أطراف داخل النظام أو خارجه، فاللحظة لا تحتمل تلك الممارسات. مصر تتلهف علي ملاقاة أي فرصة يمكن أن تلامس افقا أوسع، أو مستقبلا أكثر رحابة، لأن رفض فرصة متاحة أو ممكنة يعكس قصورا في التفكير، لا يجب المضي فيه ولو خطوة واحدة، إذ أنها في الواقع حركة للخلف، لا للأمام. لقد شملت أچندة الحوار في المؤتمر قضايا خطيرة تستلزم تضافر الجهود، لاسيما في ملفات لا تحتمل مزيدا من التأخير في الإقدام باتجاه بلورة خطط قابلة للتفعيل، ودون أي عرقلة أو تلكؤ. من التعليم إلي التشغيل، ومن التمكين إلي المشاركة و... و... والقائمة تطول، لكن تحديد الأولويات من جهة، والتأكيد علي ضرورة التحرك علي التوازي في المعالجة والتصدي، واستبعاد تفضيل البعض للسير علي التوالي، ببساطة لأننا تأخرنا كثيرا بل وكثيرا جدا في اقتحام مشاكل ومواجهة أزمات، لينتج المزيد من التأجيل عواقب وخيمة من الصعب تحمل تداعياتها. إن الأچندة التي أتطلع إلي رؤيتها مُفعلة -وأظن أن ملايين المصريين يشاركونني ذات الطموح- لابد أن تحمل في جوهرها بذور مشروع قومي بالمعني الذي يضمن التفافا وطنيا واسعا يقود الجميع، أو علي الأقل الأغلبية، نحو أمل حقيقي، في ظله لا يضن أي مواطن بجهد أو عرق، أو يمارس انتظارا أو تأجيلا للمشاركة في السعي الدؤوب لنري بوادر المشروع القومي، وقد تجسدت من لحم ودم تسعي بيننا وبنا نحو ما نستحقه، ويستحقه الوطن. ولعل العبقرية في صياغة »أچندة اليوم الرابع» تتمثل في أن تكون رافعة لواقع نطمح إليه، وأن تكون أساساً لاستعادة الثقة بين كل شركاء الوطن بعيدا عن أي تقسيمات تنتقص -في الحقيقة- من قوة الجميع، وفي الحساب الختامي تخصم من مستقبل الوطن، وتزيد من معدلات استقطاب لا نقدر علي دفع المزيد من تكاليفه. »أچندة اليوم الرابع الممتد»، أي التي تترجم برنامجا في المدي القريب، وخطة للتحرك علي المدي المتوسط، وحدها الضمانة العملية ل »الانطلاق والابداع» باعتباره شعار المؤتمر.