علي طريقة دوخيني يا لمونة مارست الحكومة معنا سياسة التعتيم الرهيب تجاه الاتجاه لتعويم الجنيه الذي بات وشيكا.. وبعد الأحاديث المتكررة من مسئولي صندوق النقد الدولي عن اقتراب التعويم »كل شئ انكشفن وبان» واضطرت الحكومة اضطرارا لأن تصارح الشعب من خلال حديث المهندس شريف إسماعيل رئيس الوزراء بالمفكرين والكتاب بأنها تدرس تعويم الجنيه. الذي لم يجب عنه رئيس الوزراء لماذا الآن نعوم الجنيه في ظل نقص واضح بل يصل للأزمة في مواردنا من الدولار وفي ظل وجود احتياطي نقدي للبلاد يقارب ال 20 مليار دولار ولايسمح برفاهية التعويم في ظل انفلات رهيب في الأسعار بفعل ضريبة القيمة المضافة؟ نعرف مبررات الحكومة وحفظناها عن ظهر قلب بأن هناك عجزا في الموازنة العامة وخللا رهيبا في الميزان التجاري يمثل الفارق بين ما نصدره وما نستورده.. إذن لماذا العجلة في التعويم فقط لنأخذ قرض الصندوق الذي يشترط علينا أن نقترض 6 مليارات دولار أخري بل يساعدنا في المفاوضات حولها قبل أن يتكرم علينا بصرف الشريحة الأولي من قرض ال 12 مليار دولار. لماذا نتجاهل حقيقة أننا لن نستطيع مجاراة السوق الموازية أو بالأدق السوداء وحتي إذا عومنا الجنيه في مثل هذا التوقيت والظرف لن نستطيع القضاء عليها طالما هناك طلب كبير علي الدولار لأغراض كثيرة في مقدمتها الاستيراد ونقص حاد في مواردنا من النقد الأجنبي بفعل أزمة السياحة وتناقص تحويلات المصريين في الخارج وعدم تناسب الزيادة في الصادرات مع الواردات. المنطق يقول »في التأني السلامة» وعلينا أن ندرس جيدا التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية ممثلة في التضخم المنتظر مع تعويم الجنيه وعلينا الانتظار لتتحسن مواردنا من النقد الأجنبي أو نقلل من عناصر الطلب عليه وفي مقدمتها الاستيراد سواء الترفي أو السلع الكمالية وكذلك السلع الرخيصة معدومة الجودة التي ندفع فيها مليارات الدولار سرعان ما تذهب لسلال القمامة والقائمة كثيرة ونعرفها جيدا ونظرة علي باعة الأرصفة تكفي لتوضيح أين تذهب دولاراتنا. حسنا فعلت الحكومة بالإعلان عن اجراءات أو آليات جديدة لخفض الإنفاق الحكومي وهذا أمر مهم كان المفروض أن بدأ به في وقت مبكر في ظل التحديات الاقتصادية الكبيرة التي نواجهها ويحبذ أن تكشف الحكومة عن هذه الإجراءات وجدول تطبيقها وفق برامج تنفيذ محددة بالتوقيت حتي لا يحدث خلل في أداء الجهاز الإداري قد نندم عليه في وقت قد لا يجدي فيه البكاء علي اللبن المسكوب. لماذا تصمت الحكومة تجاه قائمة الواردات التي معظمها يستفز الخلق جميعا وماذا سيحدث إذا ماوضعنا قائمة بالسلع الاستفزازية وأن نمنع استيرادها لمدة 6 أشهر علي الأقل؟ أعتقد أننا لن نموت أو نجوع ففي الحالة التي نعيشها والتي تماثل اقتصاد الحرب بكل معاييره أعتقد أن غالبية الشعب لن تضار من غياب هذه السلع التي تثير الاستفزاز في وقت يزداد فيه الفقراء في بلدنا تحت وطأة الغلاء.. فعندما تكون لدينا أزمة في الدولار تهدد عملتنا الوطنية وتزيد من فقر الفقراء أو محدودي الدخل كما يحلو لنا أن نقول تسقط عبارة »الغاوي ينقط بطاقيته» فالبلد بكامله سيضار من تعويم الجنيه. إذا كان صندوق النقد الدولي ذاته علي لسان كبار مسئوليه ينفي أنه يشترط علينا تعويم الجنيه بل فقط ضبط سوق الصرف الأجنبي فلماذا نصر أو نرتضي نحن بالتعويم ونحن نعرف مسبقا جرايره وسلبياته؟ ثم لماذا لا توضح الحكومة وبالأرقام وبالتفصيل برامج الحماية الاجتماعية التي أعدتها لتواجه الارتفاع المتوقع في معدل التضخم مع تخفيض قيمة الجنيه؟ وهل يرضي الحكومة أن تتدهور عملتها لدرجة أن يباع الدولار أو اليورو بما يقارب ال 15 جنيها؟ وأليس يحز في نفوسنا وصول الريال السعودي إلي 4 جنيهات ناهيك عن الدينار الكويتي الذي ناهز ال 50 جنيها؟ نعم هناك من الخبراء والاقتصاديين الذين يطالب بتقييم الجنيه بقيمته الحقيقية ويرون أن السعر المحدد من البنك المركزي غير واقعي، لكن أليس في ال 15 جنيها للدولار ظلم بين للجنيه خاصة أن الأمر لا يخلو من مضاربات لضرب الجنيه كوسيلة لضرب اقتصاد البلد ككل.. لماذا لا نعتمد روشتة لتقليل الواردات وتنشيط مواردنا من النقد الأجنبي ونحاصر بحق وحقيقي المضاربين علي العملة قبل أن نفكر بمنطق التعويم التام والأهم من ذلك علينا أن نفكر في طرق مبتكرة لتشغيل المصانع المتعثرة لزيادة الإنتاج وهو جل المراد من رب العباد.