عرفته قويا متدينا محافظا علي صلاته ملتزما إلي أبعد حد بارا بوالديه المسنين، حياته ليس فيها إلا عمله وزوجته وأولاده، لا يعرف السهر علي المقاهي فصلاة العشاء هي آخر يومه وصلاة الفجر هي بداية يومه الجديد. فوجئت به أمامي علي غير طبيعته عيناه مليئتان بالدموع ويداه ترتعشان وسط نظرات شاردة مذهولة ولاحظت أن رغبته في البكاء منعت تساقط دموعه وحبست صوته في حنجرته فلم يقو علي الكلام. سألته ماذا بك ؟ نظر إليّ في صمت ثم خرجت كلماته وسألت دموعه وقال.. ابني الأوسط طالب الجامعة الذي حرمت علي نفسي اللقمة حتي أوفر له ولأشقائه عيشة لا يشعرون معها بأنهم أقل من زملائهم حتي أوشك علي التخرج ثم صمت بعد أن عادت دموعه لتحبس صوته.. قلت ابنك هل أصابه مكروه؟ فقال المكروه منه والمصيبة لي، قلت اهدأ وأخبرني، قال هو في الفترة الأخيرة اعتاد السهر خارج المنزل يوميا حتي الفجر فأغلقت باب المنزل بالجنزير فما كان منه إلا أن تسلق المواسير وأيقظ جدته فصعدت به إلي شقتي وأمرتني أن أدعه ينام ولا أتحدث معه إلا بعد أن يستيقظ. كلمات أمي أوامر لا أستطيع مخالفتها هكذا تربيت منذ الصغر، منعت عنه المصروف فكانت أمه تعطيه من ورائي وقلت لها أنت تشجعينه علي الإنحراف فكان ردها »البيت اللي ما فيهش واحد صايع حقه ضايع» ولا أدري من أين جاءت بهذا المثل الغريب ولكني علمت أنها ثقافة المسلسلات الرمضانية التي نبتلي بها كل عام ومشاهد البلطجة في أفلام السينما التي لوثت ماضينا وحاضرنا. المهم أنني عدت من عملي فوجدت شكوي من الجيران بأنه تطاول عليهم وسبهم من الشرفة لأنهم يقومون بعمل إصلاحات في شقتهم وأقلقوا راحته وكان كلامهم واضحا »إحنا عملنا لك خاطر وردينا عليك وبعد كده ما حدش يلومنا » عاتبته فانطلق في وجهي كبالوعة مجاري حاولت تهويشه فأمسك بتلابيبي وتطاول ورفع يده في وجهي. صدمني المشهد كله ووقفت عاجزا عن فعل أي شيء خاصة أن أمه اكتفت بموقف المتفرج، من غيظي ألقيت علي زوجتي يمين الطلاق وتركت المنزل وخرجت أمشي علي غير هدي وقد أظلمت الدنيا في وجهي، سألته وماذا أنت فاعل؟ قال سأصبر وأصلي ركعتين لله وأدعو الله له بالهداية حتي يقضي الله أمرا كان مفعولا.