تمر مصر فعلا أزمة كبري ليست أزمة اقتصادية ولكنها أزمة وجود. أزمة حياة أو موت -حاش لله - ولكن الأمانة أن نعترف بالواقع أن الأزمة واضحة وتؤثر بشدة علي كل فرد وليس كل أسرة. وأعتقد أن من الرفاهية أن نتحدث عن أزمة الدولار وضياع الأزمة من جميع الأطراف هم الذين يدرونها في الخفاء ولا عزاء لاقتصاد مصر بل وشعبها وهناك أزمات عميقة مدمرة تغوص في واقع مصر وتؤثر فعلا علي وجودها كله وليس اقتصادها. والعجيب أن الكل من المسئولين وغير المسئولين يعرف الأسباب الأساسية لهذه الأزمة ولكن للأسف أن معظم هؤلاء المسئولين في مصر السابقين واللاحقين متورطون بشكل أو آخر في تجاهل الأسباب الحقيقية لهذا الأزمة التي وصلت الآن إلي أقصي مدي يخشي أن يكون بعد ذلك الانهيار فإنهم جميعا شركاء في حدوثها واستمرارها ومعظمهم أصحاب مصالح في عدم حلها. الواقع مخيف والمؤشرات مرعبة. أن انهيار الجنيه مؤشر خطير ليس للواقع ولكن للمستقبل القريب والبعيد وهو ظاهرة المشكلة وليس كل المشكلة. لهذا فإن مصر تحتاج إلي ثورة حقيقية في أسلوب مواجهة هذه الكارثة. هذه الثورة تعتمد أولا علي أهم شيء هو النية الصادقة والإدارة الفعالة لمواجهة كل مشاكل مصر دفعة واحدة لأنها مشاكل مترابطة ببعض ترابطا قويا وصارما. ولا يمكن التعامل مع مشكلة دون الأخري. إننا حتي الآن نتعامل بالقطعة مع مشكلات مزمنة ضخمة لا يمكن حلها بحلول فردية مؤقتة. المفزع إننا لم نستطع حتي الآن معرفة حجم مشاكلنا وتحديدها تحديدا واضحا. وبالتالي لم نصل إلي تصور مجرد تصور حقيقي عملي وواقعي للحل الشامل لأي مشكلة علي الإطلاق حتي الآن كذلك تعتمد هذه الثورة علي الفهم الحقيقي لمشاكلنا وجذورها وأسبابها بل واختلاف الرؤية للمشكلة ذاتها. لأنه سيصبح من المستحيل وضع حل أو تصور ناجح لأي مشكلة مهما صغرت إن لم يكن هناك هدف أسمي تسعي للوصول إليه ولن يحقق ذلك إلا إرادة قوية قاهرة. فالاختلاف شديد في وجهة النظر بين أصحاب المصالح الشخصية أي من يدعون أنهم مستثمرون. وبين مصلحة الوطن فأصحاب المصالح يريدون بالطبع أن يستمر الفساد ويزداد ليمكن إدارة أعمالهم وزيادة ثرواتهم علي حساب الأمة كلها. وأن يستمر تواطؤ المؤسسات الرسمية العلني بل وبعض الوزراء مع من يطلق عنهم خطأ »رجال الأعمال». لهذا فإن أي إصلاح يعتبر من المستحيلات في ظل ضعف وتواطؤ رسمي مع الفساد المعلن. الذي يحكم مصر ولا يزال طوال أكثر من ثلاثين عاما وسبب استنزافا هائلا للثروة المصرية علي مدي السنوات الماضية حتي وصلنا إلي ما نحن فيه. وما نحن فيه خطير جدا. لأن في حالة انعدام الإرادة الفاعلة والتوافق الصارم في وصف المشكلة ومعرفتها والطريق إلي حلها والخطة العملية لذلك. لأن حل أي مشكلة يحتاج إلي خطة وعلي مستوي الدولة يحتاج إلي تخطيط شامل نحو هدف شامل يدفع بعضه بعضها في منظومة متكاملة واضحة. كذلك يمنع بالنتيجة إمكانية وضع حلول عملية واقعية للبدء في حل مشكلات الوطن. إذن لا يمكن وجود حل دون توفر العناصر الحاسمة السابقة وهي الإرادة. الفهم المتكامل للمشاكل وتخطيط يعتمد علي الواقع الحي وليس التخطيط النظري وتنفيذ للقانون العادل وتنفيذ الخطط تحت إدارة وطنية صارمة. لهذا فإن من الواجب الآن عمل وقفة حاسمة لكي نجيب عن هذه الأسئلة: ما هي تعريف كلمة الاستثمار في مصر لأن ما يحدث في مصر الآن عمليا وحتي قانون الاستثمار الأخير عبارة عن كارثة كاملة تحرم مصر من حقوقها ومن ثروتها بقانون يؤثر علي وجود مصر كله. فهو يؤدي إلي تجريف ثروة مصر ونقلها إلي أفراد معينين. فالمستثمر الآن حل محل المستعمر سابقا له كل الحقوق بلا حدود مقابل تنازل كامل عن حقوق الأمة. بحجة التنمية. ما هي حقوق أرض مصر في القصة كلها. وهل يجوز التنازل للمستثمرين علي أرض مصر إلي الأبد بحجة الاستثمار. إذا كان المستثمرون في المؤتمرات الأخيرة يطالبون بتخفيض الضرائب أكثر مما هو حاصل. ويطالبون بالحصول علي الأراضي بالمجان كأنها مشروعات خيرية غير اقتصادية ولا تحقق عائدا اقتصاديا ويعني ذلك التنازل عن أرض مصر لمن يطلق عليهم ( خطأ)مستثمرون. وبهذا تجرد مصر من ثروتها الأساسية وأساس وجودها ويصبح وجودها في خطر. ويطالبون الآن بتخفيض الجمارك لتزداد كارثة الاستيراد غير المنضبط الذي أضر باقتصاد مصر كلها واستنزف عملتها الصعبة بل أغرق مصر بإنتاج رخيص أدي إلي توقف المصانع الوطنية عن العمل. إذا كان المستثمرون يطالبون بشراء الأرض بأسعار خاصة وبناء علي ضغوطهم تمت الموافقة في قانون خطير صدر مؤخرا هو السماح لمزدوجي الجنسية بامتلاك الأرض في سيناء. هذا رغم اعتراض الأمن القومي علنا علي هذا القانون ورغم ذلك الاعتراض صدر القانون وهذا يعني إننا قد نجد أن سيناء قد بيعت بعد أقل من عام بالكامل سرا وعلنا إلي مزدوجي الجنسية. سيناء ومصر كلها في خطر داهم. والمسألة لم تعد قوانين استثمار ومستثمرين ولكنها أمن قومي بما تعني هذه الكلمة وبيع مصر. وأرض مصر بأبخس الأثمان ليس هو الحل.. إذن ما الحل ؟ حق الانتفاع لمدة محدودة بقيمة محددة مجزية هو الأساس العملي لاستثمار الأرض في حد ذاتها رأسمال عالي القيمة وهو لا يعرض ولا يحق لكيان أو فرد أن يشتري أو يستولي علي أرض مصر هي قضية وجود وليس أمن قومي.