يقع مصطلح "الموال القصصي" في مناطق الالتباس، حيث لا تطلقه الجماعة الشعبية علي أي من أنواع إبداعاتها الشعبية الأدبية، فالجماعة تراوح بين اصطلاح الموال والحكاية حين تود تسمية نوع ما من إبداعها الموالي أو الحكائي، لكننا لم نسمع باصطلاح الموال القصصي إلا عند بعض الباحثين، ويقصد به عندهم ذلك النوع الشعري الحكائي، أو علي وجه أكثر دقة تلك الحكاية التي يتم نظمها في شكل شعري، فالأصل فيه هو الحكاية، لذا لنا أن نتساءل لماذا لم يطلق عليه القصة الموالية، ويبدو أن اصطلاح الموال القصصي مصدره ترجمة اصطلاح Ballad الذي تواتر معظم المترجمين علي ترجمته ب "الموال القصصي"، والموال في عرف أبناء الجماعة الشعبية له سمات بنائية عمادها الموسيقي في بحر البسيط "مستفعلن فاعلن مستفعلن - فعلن"، وتتنوع أشكاله بين الرباعي ، الخماسي ، الخماسي الأعرج ، السباعي الذي يطلق عليه السبعاوي أو الزهيري أو النعماني، فضلا عن تكاثر أشكال الموال ليصل إلي ما يطلق عليه الدارسون الموال القصصي، ومن خلال الدراسة الميدانية فإن الرواة يطلقون علي كل حكاية منظومة اسما يخصها كأن يقولون : موال حسن ونعيمة، موال أدهم الشرقاوي ، الموال الوحيد لأدهم الشرقاوي الجديد مواويل الفن المتين وبه موال عزوز الشهير، الدر الموصول في الفن المعقول وبه موال فوزي وإنصاف ، مواويل الفن المليح وبه موال إبراهيم وآمنه- مواويل الفن البلدي وبه موال فوزي وفوزية، كنوز الفن وبه موال الحاج إبراهيم كروم بطل بولاق والملاحظ أن جميع المواويل المشار إليها والموسومة بالموال توثيقا تنتمي فعلا للموال علي تعدد أشكاله ، أما القصص التي صاغتها المخيلة الشعبية بعيدا عن صيغة الموال فيطلقون عليها قصة مثل قصة سارة والخليل وهاجر وإسماعيل ويليها قصة سيدنا أيوب لما ابتلي وتشطير قصيدة السيدة عائشة رضي الله عنها أو القصة التي نحن بصدد تدوينها هنا وهي قصة سعد اليتيم وما جري له من غرائب الأحوال بالتمام والكمال والحمد لله علي كل حال، وبالرغم من الدقة في تسمية الشعبيين لنصوصهم سواء في كلامهم الشفاهي أو حال تدوينها في الفسائل التي كانت متداولة في الموالد والأسواق حتي نهاية القرن الماضي إلا إننا وجدنا إصرارا من البعض علي وسمها بالموال القصصي وهي التي لا تعتمد البسيط ميزانا لها، فهل الموسيقي وحدها هي التي تسم ذلك النوع من الموال أم أن هناك سمات أخري منها الحكاية بما فيها من شخوص فضلا عن الخط الزمني والمكاني والامتداد الحكائي علي المستويين الرأسي والأفقي، والتراكب الذي تتداخل فيه مشاعر الشخصيات وصراعها، والخصائص الأسلوبية التي تحدد الأطر التي تنبني منها الحكاية التي تصاغ شعرا أو تنظم نظما، والموال عند الجماعة الشعبية لا يشير فقط إلي الشكل الشعري بموسيقاه فحسب، لكنه عند البعض يعني السرد والحكي الممتد، فيقولون مثلا "انت ها تعمل الموضوع موال"، أو "بطل الموال بتاعك دا"، فالموال هنا يشير إلي الحكي، كما أن الأغنية قد تكتسب معني مختلفا يشير إلي زيادة الكلام أو مخالفته للواقع، فيقولون "ما تغنيش عليَّ" أو "غني يا عم غني"، وكلها معاني تشير للسرد بما يحمل من إشارات للحكي، وينبغي هنا أن نتأمل أنساق الأغنية الشعبية التي لا تخلو من ملامح قصصية، وكذا الحكاية التي تنظم شعرا، فالموال الذي ينبني علي قصة أو القصة التي تصاغ بفن الموال تعتمد في بنائها علي الأداء الدرامي، ولا تلتفت كثيرا للشعر، بل يمارس الرواة فيها الانتقال بين الشخصيات والأزمنة والأماكن، ويجعلون الأحداث في بؤرة اهتمامهم، فضلا عن التراوح بين الأحداث بشكل تراكمي، إضافة إلي تكرار بعض الصيغ التي تؤكد حدثا أو تدعمه أو تنفيه من خلال الصيغ الشفاهية المتواترة لتحقيق التواصل الحكائي مع المتلقين. تبدأ السير والقصص والحكايات الشعبية والمواويل التي تعتمد الحكي متنا لها دوما بالصلاة علي النبي ، وهذه البداية بمثابة التأصيلة للأبطال، والتمهيد للحكي والوصول إلي مرحلة من الصفاء لاستقبال تفاصيل الحكاية، وتمثل هذه البداية واحدة من تقاليد الأداء الراسخة عند الرواة الشعبيين أيا كان نوع النص الذي يروونه ، ففي السيرة الهلالية سنجد دوما البداية "بالصلاة علي النبي" : صلاة النبي تغني عن القوت وتمنع البلا والمراضي يستاهل علقته بالصوت اللي معاه كفو الزياره وماراضي الأمر الذي يتجلي في قصتنا هنا "سعد اليتيم" التي تعتمد علي هذه التقاليد الراسخة كما نري في بدايتها، حيث تبدأ بالصلاة علي النبي : اكتب وكرر في مديح النبي طه ابن رامه الهاشمي القرشي جعلت مدحي يا كرام مكسبي وفي الهجير جات له الغمامه ظَلِتُه أمدح نبي جاله الجمل والغزال والضب والثعبان ووحش الجبل لمّا ظهر نور النبي المكمل أخفي البدوره نور ضيا طلعته أخفي البدوره وكلها في ضيا أحمد رسول الله خير الأنبيا خاطب الثعبان وسِّم عليه وربنا صلي وسلم عليه يوم القيامه يشفع لنا الهادي البشير من العذاب تدخل إلي جنته من العذاب إلي جنات النعيم بشفاعة الهادي نبينا الكريم أهل الضلال والمشركين في الجحيم وكل منهم له عذاب كفته إن هذا النوع من القص المنظوم يدور حول حدث مركزي يظل يتنامي بادئا بالميلاد ، ميلاد البطل والصعوبات التي أحاطت بأسرته حتي يأتي للوجود ليبدأ رحلة التكون ، ليتصاعد الحدث محاطا بالمعتقدات والتوسل بالأنبياء والأولياء، فها نحن الأمير فاضل البطل المغوار وقد حرم من "الخلفة" وكذا أخوه بدران ، وبعد زيارة الرسول ينعم الله علي كل واحد منهما بالذرية فيكون سعد ابنا لفاضل وصبيحة بنتا لبدران لتبدأ الحكاية التي قمنا هنا بتدوينها لنطلع كل محب للأدب الشعبي عليها ونتوقف طويلا أمامها لنحلل بنيتها حتي يدرك القراء كم أن الجماعة الشعبية تملك من أساليب القص الشعبي وطرائقه بما يؤكد أن الجماعة الشعبية تغزل حكاياتها سردا وشعرا دون أن تعلي فنا علي فن، لكنها في كل الأحوال تصيد الحكمة التي تكثف الوجود ببراعة، فضلا عن أن هذا النوع من الحكي المنظوم يمكن أن يكمل شواغر التاريخ حيث تزخم هذه الحكايات بالعادات والتقاليد والمعتقدات والزي والتعابير الشعبية، فضلا عن سمات الشخوص وأحوالهم، والظروف التاريخية التي كانت تحكمهم أو يحكمون فيها. اكتب وكرر في مديح النبي طه ابن رامه الهاشمي القرشي جعلت مدحي يا كرام مكسبي وفي الهجير جات له الغمامه ظَلِتُه أمدح نبي جاله الجمل والغزال والضب والثعبان ووحش الجبل لمّا ظهر نور النبي المكمل أخفي البدوره نور ضيا طلعته أخفي البدوره وكلها في ضيا أحمد رسول الله خير الأنبيا خاطب الثعبان وسِّم عليه وربنا صلي وسلم عليه يوم القيامه يشفع لنا الهادي البشير من العذاب تدخل إلي جنته من العذاب إلي جنات النعيم بشفاعة الهادي نبينا الكريم أهل الضلال والمشركين في الجحيم وكل منهم له عذاب كفته من بعد مدحي في النبي المفتخر المصطفي الهادي زهت طلعته المصطفي الهادي عزيز النسب اللي سري به جبريل في رجب كان الأمير فاضل شجيع في العرب ما حدش يعلو علي كلمته وكان يوم الحرب صاحب قتال إذا ركب تركب وراه عزوته اليوم جلس فاضل بعربانه السماه في وسط عربانه الأماره العزاز نظر غلام وجه كما بدر لاح قاعد جنب ابوه يزين جلسته وآدي الغلام كان مؤدب أنيس قاعد جنب ابوه بيقرا الحديث والناس يقولوا دا عالم رئيس المتن فين يقرا علي صُحبته من بعد ما قرأ قبل الهادي العرب أقبل علي السلطان بغاية الأدب وقال يا من عطيت الرتب ربنا يسهل عليك نعمته وربنا يرحم جميع ما سلف ويرزقك ربي قوام بالخلف إذا ركب علي الفرسان الجميع أين الفتي فاضل أمير الجميع ومات من خلف وحق السميع طول الخلف طيب يجي ذِكْرِتُه وآدي أخوك بدران وإنت كمان ما لكوش ذريه طول الزمان لما سمع قول الغلام يا فلان نزلت دموعي غرقت وجنته حرَّم لذيذ النوم واشتبك يا كرام لما تولع بالضنا والغرام انكتب راح أخوه بدران وقال كلام قال ركب في الحال علي بكرته بكره يموت ومالنا ينهبوه راجل بلا خٍلفه قليل ذِكرته راجل بلا خلفه مدبر حقير لو كان معايا بنت ولا صغير كنا نقضي دي المعيشه بخير سافر بنا نشوف النبي وصفوته قال أخويا بدران مليح دا الكلام الحج واجب والصلا والصيام وتولعوا الاثنين وزادوا اجتهاد والسعد صابهم وتركوا الرقاد ميعاد طلوع الحج فاتوا البلاد وكل منهم شد فوق بكرته قطعوا البلاد المقفره والكثيب واللي عطش منهم ملا قربته مقدار خمسين يوم يا أهل الكمال وهما يجدوا المسير وسيع القفار دخلوا علي مكه وحطوا الرحال قعدوا واحاديث الخليل يتحدتوا دعوا وقالوا يا حليم يا جليل يا رب الكعبه يأتينا الخليل بحق بير زمزم بحجر إسماعيل فاضل أتي لك تستجيب دعوته فاضل آتي لك تستجيب له دعاه طالب من الله المهيمن رضاه واللي طلب شيئ بلَّغ مناه طلع الجبل حصلت له بركته حجوا ونالوا القصد والمطلوب زاروا النبي الهادي وصفوته وعانقوا الشباك ومسكوا الضريح وكل منهم مسك من ناحيته قال الأمير بدران قول سعد يا من يتلي اسمك علي الماء جمد ترزق الأمير فاضل أخويا بولد يطلع فتي تخشي العرب سطوته فقال الأمير فاضل جمايلك وصلت يا مصطفي بالخير والجود كملت يارب ترزق أخو الأمير ببنت واللي تمنوه من الله استجاب وحجوا وراحوا شادين الركاب واصل حريمه قبل إن ينام راح الأمير فاضل لبيته قوام فرحوا العرب ليلة ولدته بعد تسع أشهر وجابت غلام دا سعد واحنا الكل في خدمته فرحوا الجميع ومن كان حداه إلا كلام طيب وفيه الصواب قال الأمير فاضل يا فصيح الخطاب روحوا لأمه واعلموا جدته لكن عليكم شوره يا عراب روحوا لأمه واعلموا جدته راحوا العبيد يجروا لأم الغلام فرحت ولاقتهم بأفصح كلام إقرأوا مني لأبوه السلام هو والأماره اللي تزين جلسته لكن بحياته تقولوا لأباه الاسم دا طيب وكلنا نرضاه فرح الأمير فاضل وشاع الخبر في حضرة السلطان وجابوا السير إمراة الأمير ولدت في سحر ولدت بنت كيف خلقته عمل وكفَّي النجع طول النهار كفي العرب كبار مع صغار فرح الأمير بدران وعربه كتير وعمل وليمه للكبير و الصغير جت مثل سعد ولد عمها فرحت وسمتها صبيحه اسمها جل من بالحسن زاد فمها خاتم مدور حب في صنعته عمل وكفَّي النجع طول النهار كفَّي العرب كلهم صغار مع كبار أتاري أم جابر أتت للديار قامت علي البيت العمار هدته بقت تهد البيوت وهيَّ في تعب وتقول سألتك تفك الكرب أخيك بهار يا أمير وأخوك بهار ما فارس الا تبان جلسته اركب وروح له يا نظيف الثنا قول له أنا لي فرع في السلطنه احكم سنه يا أمير واخوك سنه وإن خالفك بالسيف خد رقبته وقعت نصيبه في كبار العرب وتكون هيَّ السبب في قتلته فاضل عمل خير بكثرة العيال أنا حداه ما نولت من عنده نوال لا اعمل أنا فتنه تكيد الرجال واطغي أخوه بدران علي قتلته صبحنا من بعد طلوع النهار نقول يا بدران حكمك معار ما فارس إلا الذي باعه طويل ولم يقولوا عليه دا عويل ركب بدران وراح لحماه يلقي أخوه ع التخت والناس حداه قال له يا بدران انزل يا رفيع الثنا ناظر رسول الموت في جبهته