سعر الفراخ مساء اليوم الجمعة 23 مايو2025.. البيضاء ب98 جنيها والبلدي ب106    محافظ البحيرة: إزالة 16 حالة تعدي على أملاك الدولة بالموجة ال 26    من مصر إلى إفريقيا.. بعثات تجارية تفتح آفاق التعاون الاقتصادي    الأونروا: سكان غزة عانوا من الحرمان من أساسيات الحياة لأكثر من 11 أسبوعا    الإغاثة الطبية بغزة: استهداف وتدمير القطاع الصحي أحد مراحل الاجتياح البري    عاجل|بوتين: مستقبل صناعة السلاح الروسية واعد.. واهتمام عالمي متزايد بتجربتنا العسكرية    ترامب يهدد الاتحاد الأوروبي بفرض رسوم جمركية قيمتها 50% اعتبارا من يونيو المقبل    المندوه: مجلس الزمالك يثق فى تحقيق الجهاز الفنى لبطولة كأس مصر    كم تبلغ قيمة جوائز كأس العرب 2025؟    بالأسماء.. مصرع وإصابة 15 شخصا بحادث اصطدام تريلا بميكروباص في البحيرة    إذا لم تُصنع في أمريكا.. ترامب يهدد أبل برسوم جمركية 25% على الآيفون    الأمن يداهم شركة إنتاج فني بدون ترخيص في الجيزة    ضبط كيان صناعي مخالف بالباجور وتحريز 11 طن أسمدة ومخصبات زراعية مغشوشة    الهضبة من بينهم.. نجوم الفن يحتفلون بعيد ميلاد أسماء جلال | صور    مستشفى الحوض المرصود يطلق يوما علميآ بمشاركة 200 طبيب.. و5 عيادات تجميلية جديدة    أمين اتحاد دول حوض النيل يدعو للاستثمار في أفريقيا |خاص    القاهرة 36 درجة.. الأرصاد تحذر من موجة شديدة الحرارة تضرب البلاد غدًا    حزب الإصلاح والنهضة: نؤيد استقرار النظام النيابي وندعو لتعزيز العدالة في الانتخابات المقبلة    مروة ناجي تُجسد «الست» في عرض بصري مبهر يعيد سحر أم كلثوم للقاهرة    هل يحرم على المُضحّي قصّ شعره وأظافره في العشر الأوائل؟.. أمين الفتوى يوضح    رئيس "التنظيم والإدارة" يبحث مع "القومي للطفولة" تعزيز التعاون    إيفاد قافلتين طبيتين لمرضى الغسيل الكلوي في جيبوتي    تقديم الخدمة الطبية ل 1460 مواطنًا وتحويل 3 حالات للمستشفيات بدمياط    الزمالك يعلن جاهزيته للرد على المحكمة الرياضية بعدم تطبيق اللوائح فى أزمة مباراة القمة    ندوة توعوية موسعة لهيئة التأمين الصحي الشامل مع القطاع الطبي الخاص بأسوان    جوارديولا: مواجهة فولهام معقدة.. وهدفنا حسم التأهل الأوروبى    انتهاء الاختبارات العملية والشفوية لطلاب كلية العلوم الرياضية    أحمد غزي يروج لشخصيته في مسلسل مملكة الحرير    المشاط: الاستقرار الاقتصادي ضرورة لدفع النمو لكنه لا يكفي بدون إصلاحات لتمكين القطاع الخاص    "نجوم الساحل" يتذيل شباك التذاكر    قصور الثقافة تعرض مسرحية تك تك بوم على مسرح الأنفوشي    بدون خبرة.. "الكهرباء" تُعلن عن تعيينات جديدة -(تفاصيل)    خطيب المسجد النبوى يوجه رسالة مؤثرة لحجاج بيت الله    ننشر مواصفات امتحان العلوم للصف السادس الابتدائي الترم الثاني    بينها عيد الأضحى 2025.. 13 يوما إجازة تنتظر الموظفين الشهر المقبل (تفاصيل)    الكيلو ب 225 جنيها.. طرح خراف حية قبل عيد الأضحى بالأقصر    البريد المصري يحذر المواطنين من حملات احتيال إلكترونية جديدة    فيديوجراف| 3 أسرار تكشف حقيقة انفصال أحمد السقا ومها الصغير    محافظ الجيزة: الانتهاء من إعداد المخططات الاستراتيجية العامة ل11 مدينة و160 قرية    وزير الزراعة يعلن توريد 3.2 مليون طن من القمح المحلي    أرني سلوت ينتقد ألكسندر أرنولد بسبب تراجع مستواه في التدريبات    أسعار الحديد والأسمنت اليوم فى مصر 23-5-2025    عاجل حماس ترحب ببيان قادة بريطانيا وفرنسا وإسبانيا: خطوة نحو كبح العدوان الصهيوني على غزة    شرطة الاحتلال تعتقل 4 متظاهرين ضد الحكومة بسبب فشل إتمام صفقة المحتجزين    "بئر غرس" بالمدينة المنورة.. ماء أحبه الرسول الكريم وأوصى أن يُغسَّل منه    غلق كلي لطريق الواحات بسبب أعمال كوبري زويل.. وتحويلات مرورية لمدة يومين    الدوري الإيطالي.. كونتي يقترب من تحقيق إنجاز تاريخي مع نابولي    صلاح يتوج بجائزة أفضل لاعب في البريميرليج من «بي بي سي»    يدخل دخول رحمة.. عضو ب«الأزهر للفتوى»: يُستحب للإنسان البدء بالبسملة في كل أمر    ضبط 379 قضية مخدرات وتنفيذ 88 ألف حكم قضائى فى 24 ساعة    الهلال يفاوض أوسيمين    زلزال بقوة 6.3 درجة يهز جزيرة سومطرة الإندونيسية    دينا فؤاد تبكي على الهواء.. ما السبب؟ (فيديو)    نموذج امتحان مادة الmath للصف الثالث الإعدادي الترم الثاني بالقاهرة    موعد نهائي كأس أفريقيا لليد بين الأهلي والزمالك    أدعية مستحبة في صيام العشر الأوائل من ذي الحجة    خدمات عالمية.. أغلى مدارس انترناشيونال في مصر 2025    تنفيذًا لحكم القضاء.. محمد رمضان يسدد 36 مليون جنيه (تفاصيل)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نهر الهلالية لا زال يجري في الوجه البحري
الشاعر الشعبي حواس الذي استقبلته قري مصر
نشر في أخبار الأدب يوم 11 - 07 - 2015

لا أظن من بقي من زمنه قد نسيه الناس، أنا لم أنسه بقفطانه الأبيض المقلم، وطربوشه الأحمر ومنديله المحلاوي، وقوس كمنجته (الفيولا) الذي يتحرك مع كل حدث في السيرة، كانت تخرج قري بكاملها لتستقبله، فرحة بمقدمه والاستماع إلي إنشاده واستغاثاته المغناة، ومواويله البحراوية، وقصصه الشعبية، فضلا عن السيرة الهلالية التي مثلت درة فنه بحكاياتها، وبنائها الكبير بداية من المواليد ، الريادة - التغريبة، الأيتام، وما تتضمنه من قصص فرعية، إضافة إلي أغانيه الإذاعية التي كانت علامة بداية من الخمسينيات حتي رحيله في بداية الثمانينيات من القرن الماضي، إنه إحدي علامات الغناء الشعبي في مصر، وجهه ووجهته وطريقته علامة تقول بثقة هذا هو السيد حواس.
ربما يظن البعض أنه مواليد الغربية، كما كان يعتقد حتي أبناؤئه لكنه السيد سيد أحمد حواس المولود بالقاهرة، حي السيدة زينب في 8/ 5 / 1912، ولد هناك بعد أن ندهت والده نداهة الفن، فهرب من أعمال الفلاحة والجمّالة يحركه جين الفن ليتعلم هناك فنون القول علي مقاهي السيدة زينب والأحياء المجاورة، حيث كانت تحفل بالرواة الشعبيين فكان منهم : العناترة (من يروون سيرة عنترة)، والظاهرية(من يروون سيرة الظاهر بيبرس البندقداري)، والأبوزيدية (من ينصرون في الرواية لأبي زيد الهلالي)، والزناتية (من يشجعون ويتعاطفون مع الزناتي خليفة)، فضلا عن القصص الدينية والاجتماعية، في هذه الأجواء التي تعد بوادر ديمقراطية شعبية تعي قيم البطولة وقدرها، وتنتصر لمن تشايعه دونما قتل أو اقتتال كان سيد أحمد حواس (إزدحمد حواس) الجد هو الجذر الذي تفرع وشب في مقاهي وأحياء القاهرة الشعبية، ومكث في حارة السد بالبغالة وعنه أخذ السيد سيد حواس روايته، لكنه نقلها من نظامها بعد أن كانت تؤدي علي دكة الشاعر إلي نظام التخت، فمن شاهده ونقل صورة أدائه أكد أن صوته وأداءه كان غير عادي فاق كل من أتي بعده، لكن ابنه علي حد قول حفيده نقلا عن آخرين عاصروه إن والده "سرّج" المهنة، أي جعل لها نظاما في الجلسة والأداء، والتعامل مع الموسيقيين ، إضافة إلي التزامه بتقاليد الأداء في السيرة سواء في تجليها الجنوبي أو البحراوي، حيث يبدأ دوما بالصلاة علي النبي :
صلوا ع الهادي
دايما يا أسيادي
هو غايتي ومرادي
كما تعلمونها
يا كامل الأوصاف
يا نير الأعطاف
قلبي لنحوك طاف
يتشوقونها
يا نبينا يا نبينا
للشرع تهدينا
م النار تنجينا
يوم نحشرونها
وأبو زيد مع العلام
دخلوا سوا يا كرام
وابتدأوا بالوجبات
يتحدثونها
وعلام كان مشتاق
مكارم الأخلاق
والبعد شيء لا يطاق
ولا يحمدونها
قال له تعالي يا بو زيد
عارفك من الأجاويد
والكدب ليس يفيد
ولا يصلحونها
رواد هلالية الوجه البحري
كان لرواية الهلالية في الوجه البحري أقطابها الكبار ، ومن أسف أنهم رحلوا جميعا دون أن يجمع تراثهم نحتفظ بعدد من حفلاتهم نذكر منهم : علي سعيد ابن المنوفية وهو جد الفنان الشعبي عبد الغفار رمضان (عبد الغفار رمضان مواليد 1930)- محمد الطباخ الذي كان يعيش في الإسكندرية وتواترت الروايات أنه أول من علم الشاعر الشعبي الكبير جابر أبو حسين- سيد حواس (فرية سند بسط مركز زفتي - الغربية)- فرج السيد فرج- فتحي سليمان (قرية جروان مركز الباجور - المنوفية)- مبروك الجوهري- سعد الشاعر(قرية ميت الغرقي- المنصورة- الدقهلية)- علي الوهيدي (كفر الشيخ) شعراء البكاتوش (قرية تتبع مركز دسوق كفر الشيخ)، وأخذ عبد الستار فتحي عن أبيه، كما نهل أحمد سيد حواس(مواليد أول سبتمبر 1944)عن والده الفنان الشعبي الكبير السيد حواس، لقد رحلوا جميعا، ولم يتبق علي قيد الحياة والفن إلا عبد الستار فتحي الذي انحصر نشاطه في المنوفية وبعض قري الجيزة، وعلي فترات متباعدة، أما أحمد سيد حواس فما زال يقاوم بنصوصه التي ورثها عن أبيه وجده، مضيفا إليها إضافات يحتاج تتبعها إلي درس أبعد من هذا السرد التاريخي
حرَّص علي مُقْدِمَك ياللي الهوي راميك
واحذر من الخصم ناوي ع الأذي يرميك
اضرب بسيفك في أعناق العدا وحديك
مثل سمعناه من اللي قبلنا قالوه
إيه تعمل الحُسَّاد إذا كان الإله حاميك
نشأ الطفل أحمد حواس مصابا بشلل أعجزه عن الحركة، وهو ما أتاح له المكوث في البيت لينعم بسماع أبيه لفترات طويلة، والمدهش أن والده كان يختص ضيوفه وفنه بدور مستقل في بيته، وكان الطفل (إزدحمد) الذي سمي علي اسم جده لا يبرح هذا المكان، فكان يراقب طقوس أبيه ويستمع لعزفه علي الكمنجة التي تعلمها حين كان في القاهرة علي يد الفنان سامي الشوا، كان أبوه يحبه متعاطفا مع حالته وكذلك لإدراكه أن عرق الفن دساس فكان يأخذه إلي جانبه ويرقصه في إنسيابية علي ألحان آلته التي كانت تقوم مقام رباب الشاعر، ولما ساءت حالة الطفل أخذه والده عام 1948 ليعالجه بمستشفي "الملك" بالمنيرة، واصطحبته أمه هناك، لكنها بعد فترة من العلاج عادت به كسيرة الخاطر، حزينة علي ابنها إلا أنه بعد أن عاد لقريته أخذ يتحرك مجربا قدمه علي صوت "كمان" والده، وظل الطفل متعلقا بأبيه يتلقي عنه فنون القول إلي أن شب مشبعا بتقاليد الأداء وفنونها، ومن عجيب الأمر أنه لم يعمل مع والده إلا حين بلغ ثلاثين عاما، لذا لم يسعده الحظ بالعمل معه إلا سبع سنوات فقط، حيث رحل الأب في 15/7/1981، تاركا إرثا مهما يحمله الابن الذي راد معه معظم محافظات وقري الوجه البحري، وقد عدد لي بعضها مؤكدا أن هذه البلاد قد فتحها ومهدها لي أبي الله يرحمه: الجيزة القليوبية - الإسكندرية دمياط المنوفية- الدقهلية ، وتذكر بعض أحياء وقري ومراكز الجيزة مثل : المنوات ميت شماس ميت قادوس طموه أم خنان الحوامدية العياط البدرشين البحر الأعظم ، كما واصل متذكرا قري ومراكز القليوبية زمنها : طوخ شبين القناطر الخانكة القناطر الخيرية - مشتهر-
سندوة تل بني تميم أبي زعبل عرب جهينة الأحراز ميت السباع ... إلخ ، وكانت هذه القري تخرج بأعداد هائلة لتستقبل حواس في مشهد يعكس حبهم لهذا الفنان الأصيل وفنه، وقد صنعت كل قرية حكاية تنسبها لنفسها، هذه الحكاية تخص سرقة مداسه، فقد كان من عاداته وتقاليد أدائه أن يخلع الحذاء ليغني مرتديا جوربه احتراما لنصه ولجمهوره، وحين سألت أحمد حواس عن هذه الواقعة، وفي أي مكان حدثت، خاصة وأن كل القري تنسبها لنفسها، قال لي، واقعة سرقة الحذاء حدثت في ثلاثة أماكن هي : الإسكندرية واستطاع البوليس أن يحضر الحذاء ويقبض علي اللص الذي سامحه أبي، ثم في المنوفية، وفي قرية ميت عساس التابعة للدقهلية، وهي التي قال فيها أغنيته الشهيرة
يا أهل ميت عساس
هاتوا مداس حواس
دي جزمه أجلسيه
تمنها تلاته جنيه
طقوس الأداء وميراث الأجداد
كان سيد حواس ومثله أحمد حواس يواصل الدعاء المسجوع قبل دخول القرية التي ستستضيف ليلته، فيقرأ الفاتحة، ثم يثني قائلا : اللهم ارزقنا خير هذه القرية وخير ما فيها وجنبنا يارب شرها وشر ما فيها، اللهم ارزقنا جناها وجنبنا وباها، يا عالما بسرها ونجواها، ثم يطلب من جموع فرقته قراءة الفاتحة قائلا: الفاتحة للنبي، ثم يبدأ ليلته بالصلاة علي النبي وببعض المدائح والاستغاثات الشعرية المغناة:
يامصطفي ياللي نورك نوّر الظلمات
وأرسلك ربنا بالبشري والرحمات
ياللي الكواكب لنورك ساجدة في السموات
بالله يا مصطفي لا تنسي أحبابك
دا أنت الشفيع للأمم م الذنب والزلات
بعدها يبدأ في سرد حكاياته وقصصه، ومن أشهرها : عزيزة ويونس، بداية من دخول أبي زيد ومعه أولاد أخته ( يحيي ومرعي ويونس ) بعد أن خرجوا معه في الريادة الصغري بدافع من والدهم الملك سرحان ليتعرفوا علي المسالك والطرق والديار كمقدمة للتغريبة، وهي من أبدع ما قدم حواس أداء وغناء وشعرا :
ومشيوا ع الغبرات
ووصلوا للسرايات
والبيت تلت طبقات
طابت غصونها
طرقت الأبواب
هند اللي شعرها شاب
يونس وقف بحساب
لم يخطأونها
وعزيزه في الأعتاب
لها جمال جذاب
ولابسه أحلي ثياب
فتحت عيونها
قالت عزيزة يا مي
شوفي مين في باب الحي
إياك يكون خير جي
نتقبلونها
وقد يطلب منه جمهوره قصة الناعسة والملك زيد العجاج، وهي من قصص العشق والفروسية، حيث يقع الجمهور في التخييل الذي يدور بين شقي الحب والبطولة، مستمتعا بجمال الناعسة الفاتن وقدرتها التي ربما تنافي الرقة وهي الفارسة التي تستطيع هزيمة أعتي الفرسان، وفي هذه القصة سنجد "أبو زيد" وهو يتقنع بقناع الطبيب، ونري زيد العجاج وهو يدخل حربا طاحنة وينتصر علي "كافرخان"، ويظهر "أبو زيد" ليعالجه مواصلا أدواره السحرية التي تزداد سحرا بحكي آل حواس
الحارس الأمين يواصل رحلته كأبطال السيرة
إن بعض رواة السير ممن ضربوا بسحرها لا يكفون عن نسب الأبطال إلي الأنبياء حتي يصلوا بنسبهم إلي آدم، وبعضهم يتتبع النصوص التي يحفظها بعض المحبين، وبعضهم يستزيد بالقراءة ويقدم إضافات علي النصوص الموروثة دونما إخلال بمنظومة القيم التي تتبناها الجماعة، من هذا الصنف كان عز الدين نصر الدين وعزت قرشي ومحمد عزت وأحمد حواس، لكن حواس يملك حسا إضافيا يتعلق بوالده الذي سجل عشرات الساعات بالإذاعة المصرية، وكلما حدثته أجد منه سعيا للعثور علي هذه التسجيلات، وفي آخر مقابلة لنا أتحفني بنص سجله حواس للإذاعة المصرية عام 1955، وهو نص حاضر بقوة في لحظتنا هذه، حيث ينتصر فيه للجيش ولكرامة الجندي المصري، ويربط النصر بشهر رمضان الكريم:
بمدح المصطفي أبدأ كلامي
شفيع المسلمين خير البرية
ببركة شهر رمضان المعظم
بأنوار القوافي القرآنية
آياتك يا كريم تشهد بذاتك
آيات آخرتها رحمة لمخلوقاتك
آيات أنزلتها في شهر الصيامِ
بنور الحق والحكمة العليا
إلهي والنبي تقبل صيامنا
وحقق يا كريم دايما آمالنا
سألتك يا غفور تحسن ختامنا
وتملا قلوبنا أنوار ربانية
ياربي أسألك عطفك علينا
وقوي جيشنا علي كل أعادينا
يارب أسالك عزة بلادي
وتنصر جيشنا علي كل الأعادي
يارب أسألك وبقلب طاهر
تخلي جيشنا حامي الجمهورية
يا جيش الحق يا ناصر بلادنا
يا ساكن في القلوب جوه في فؤادنا
يا جيش الحق يا جيش الكرامة
يا جيشنا ربنا باعتك هدية
حواس وتنوع أشكال الأداء
حين صحبت الفنان أحمد حواس وفرقته لنمثل مصر في مدينة تلمسان بالجزائر كنت قلقا من عدم نجاحنا وسط عدد من فرق العالم المبهرة ، لكنه حين بدأ تحلق الجمهور أمامه بعد أن بدأ سيرته بالإنشاد مستهلا نصه "بالصلاة علي النبي" عبر لغة متفاصحة تتشبه باللغة الفصحي لتقترب من لغة النص الديني لتحيل إلي قداسة أبطالها أو لتؤصل لهم من خلال نسج مجموعة من القصائد التي تمثل عتبة للدخول للسيرة، فينوع في الأداء بين صيغ تؤكد ثراء نصه ، فنراه وهو يراوح بين القصيد والمواويل بأنواعها : رباعي خماسي أعرج- سباعي ، إضافة للحكي بين الأبنية الشعرية، معتمدا علي فرقة تتشكل من مجموعة عازفين علي عدد من الآلات منها : الكولة وآلات الإيقاع والعود والكمنجة "الفيولا"، وهي تشبه الربابة في إمكانات العزف، ولا ينشغل حواس بالإتيان بالقوافي المشفرة، لأن بناءه يتوجه في الأساس للحكمة لا للزخرفة، حيث يبني من عتبة ثلاثية الشطرات تسلم لبدن قصير يصعد بتوتر الموال إلي النهاية ليصفو حكيما، كما لا يخل النص الهلالي من إضافات اجتماعية معاصرة تناسب مقام الليالي ومكانها، فقد تجتمع سلسلة المواويل مؤكدة موضوعا ما أو معلقة علي حدث من أحداث الجماعة دون انحياز لشكل موالي علي آخر، فالحكمة هي التي تجتذب الموال ليجسد موقفا في حياة الجماعة، وقد يدخل الموال في نص حكاية من الحكايات الشعبية، كما قد يستدعيه الإطار المرن لنص الهلالية كما في المواويل السابقة وهو ها يحتل مكانه كجزء من النسيج السيري، فيوجه السامع في مقام توجيه البطل حين يواجه المخاطر، وقد يعترك مع مثل أو يشتبك مع نص شعبي آخر ليقيم حوارا مع أقرانه من النصوص الشعبية، وهو ما نلحظه في رباط الموال الذي يستدعي مثلا شعبيا هو "إيه يعمل الحاسد في الرازق " لكن الملاحظ في الموال الخماسي أن الأقفال الثلاثة الأول (المتحدة في القافية) تمثل الحركة أو الوحدة الأولي في بناء الموال، أي "عتبة" الموال التي تمهد للصعود إلي الحركة الثانية التي تسمي "بدن" أو ردف الموال، وهي الحركة التي تبدأ بالبيت الرابع غير المقفي والذي يكون بمثابة بداية جملة يكملها الشطر الأخير، أي غطاء الموال، كما أهم ما يميز حواس الكبير وحواس الابن قدرتهما علي الارتجال، حيث لا يمكن أن يمر حدث في أي مكان يذهبان إليه مرور الكرام ، وكذلك إذا تصادف وجود أشخاص مهمين من الضيوف، أو مناسبات فإنهما يلاحقان هذه الأحداث والمواقف والمناسبات بنظم وقتي علي نغم الموسيقي، وظني أن أحمد حواس الابن قد توسع في هذه الميزة من خلال متابعتي الطويلة له، كما أن نص حواس من المرونة بحيث يستطيع ابتلاع نصوص كثيرة وحكايات يدخلها الراوي بيسر، كما سنجد نصوصا تصالح الفصحي علي العامية ببساطة، كما أنها تتمرد علي الانتظام والقياس الذي نراه في نصوص الموال المتواتر بقواعده المعروفة شكلا ووزنا
وعزيزه لبست أفخم اللبس ع الجسد
لبست حرير أطلس وكان لونه هارب
لبست تبلص مغربي علي رأسها
كراريته مذهبة لغاية الحواجب
لبست يلك من ع الفلك شغله كالشبك
لما انحبك خلاها عجبُ عجايب
ولما نزلت ع السلالم والدرج
وصلت إلي يونس أعز الحبايب
لقت الأمير زعلان واشتد به الغضب
زعلان لقفل الباب وكان زعله غالب
وقفت أمامه أحلي من البدر منظرا
وتكلمت والشهد م الفم ساكب
قالت الجميلة آه تقبل سلامي
إن تجربة آل حواس واحدة من العلامات الكبري في تاريخ الفن الشعبي المصري ، حيث ساهمت في الحفاظ علي جزء مهم من كتاب الجماعة الشعبية خاصة في تجليها البحراوي (نسبة إلي الوجه البحري)، ونشر القيم الجمالية والأدائية، فضلا عما طرحته وما زالت تطرحه من قيم الحق والخير والجمال ممثلة في أحمد السيد سيد حواس آخر الرواة المهمين في الوجه البحري، وهو من الرواة القراء، أي أنه يحاول أن يستزيد بالمعرفة ويضيف لنصه، كما أنه علي عكس عدد كبير من الرواة لا يسعي إلي الارتزاق من فنه فحسب، لكنه يقدر كل من يقدمون علي توثيقه ودراسته قبل أن يذوي ويرحل من حفظوه ووعوه في صدورهم وأرواحهم ، فالتحية لواحد من الرواة المقدرين الذي لولاه لضاع جزء مهم من تراث مصري عميق لازال يجري بيننا علي ألسنة وفي قلوب المحبين والعشاق


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.