بعد شهر من اختفائه عن الأنظار، وأيام من التقارير المتداولة عن وفاته، أعلنت السلطات الحكومية في أوزبكستان وفاة رئيس البلاد إسلام كريموف( 78 عاما) .رحل رئيس أوزباكستان بعد 25 عامًا من الحكم تاركا وراءه فراغا رئاسيا، ودولة خالية من كافة أشكال المعارضة، حيث كان هو الرئيس الوحيد للبلاد منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، وبوفاته يبقي المستقبل السياسي لأوزبكستان في حالة غموض. ويري ستيف سويردلو المحلل بمنظمة هيومان رايتس واتش، أن »الدولة بكاملها كانت إسلام كريموف، طوال أكثر من ربع قرن، وقد حكمها بيد من حديد.» ويتهم عدد كبير من المنظمات غير الحكومية إسلام كريموف بأنه دائما ما عمد إلي تزوير الانتخابات، واعتقال مئات المعارضين وتعذيبهم. وشهدت البلاد أكبر مجزرة في تاريخها في مدينة أنديجان عام 2005، بعد عدة احتجاجات، وهو ما تنفيه السلطات، فيما قالت منظمة هيومان رايتس ووتش، إن»تقارير حقوق الإنسان في أوزباكستان شنيعة، الآلاف مسجونون بتهم سياسية، التعذيب أداة رئيسية في النظام الجنائي للدولة، فيما تواصل السلطات حملاتها علي نشطاء المجتمع المدني ومعارضيها، فضلا عن قمع الصحفيين.»وانتقدت منظمات دولية عديدة النظام الأوزبكي بسبب انتهاكاته المستمرة لحقوق الإنسان وحظر التعددية في البلاد وملاحقة المعارضين وإجبار الأطفال علي العمل وقتل المتظاهرين العزل. ومن الشهود علي هذه التصرفات السفير البريطاني السابق في أوزبكستان كريج موراي الذي كتب مذكراته التي صدرت بعنوان »جريمة قتل في سمرقند»عن الفساد المالي المستشري في اوزبكستان وانتهاكات حقوق الإنسان، ووصف نوعا بشعا من التعذيب في معتقلات النظام، وهو غلي الناس حتي الموت. الحديث عن انتقال السلطة في اوزبكستان بدأ، وعلي غرار تركمانستان فإنه من المرجح أن تنتقل السلطة فيها بسهولة. علي الرغم من ان الوضع المتوتر في الدول المجاورة للجمهورية مثل أفغانستان وطاجكستان وقرغيزيا قد يفسح المجال لتعاظم القوي الإسلامية المتطرفة في اوزبكستان، وتفاقم النزاعات العرقية والإقليمية، واحتدام المواجهة بين مختلف الجماعات المسيطرة علي السلطة ومن غير المستبعد نشوب أزمة في البلاد وإن كان بدرجة ضئيلة في ضوء التمسك بالحفاظ علي الاستقرار وعلي مؤسسات الدولة. وفقا للدستور الأوزبكستاني، إذا لم يستطع الرئيس أداء مهام وظيفته، يتولي رئيس مجلس الشيوخ تصريف أعمال الرئيس لمدة 3 أشهر لحين إجراء انتخابات رئاسية. وأوضحت ديردري تينان، مديرة قسم آسيا الوسطي في تحليلها علي موقع مجموعة الأزمات الدولية، أن اللاعبين المقربين من الرئيس يريدون انتقالا سلسا للسلطة، وبالتالي إذا ارادوا تجنب الاقتتال فإنه من المتوقع ان يحاولوا الحفاظ علي مكتسبات أصحاب المصالح الذين يحصدون السلطة والامتيازات، وهي عملية غير ديمقراطية قد تؤدي إلي فترة من عدم الاستقرار الفوري. من جانبه توقع لوك انشيسكي الخبير في شئون أسيا الوسطي بجامعة جلاسكو باسكتلندا لمجلة »فورين بوليسي» الأمريكية، أن يكون هناك تغيير في القيادة لكن ليس تغييرًا في النظام. وتتفق معه إيريكا مارات الاستاذ المساعد بجامعة الدفاع الوطني الأمريكية قائلة: بدون إجراءات معدة مسبقة لاختيار خليفة كريموف ومع نقص كامل للخبرة في إجراء انتخابات حرة، أي شخص سيأتي للسلطة سوف يستمر علي نفس المستوي من القمع السياسي بل الانخراط في أساليب أشد قسوة. ويري مراقبون دوليون منهم الخبيرة الدولية في مجموعة الأزمات تيتان أن جيران أوزبكستان »وخاصة قيرغيزستان وطاجيكستان» لا يرفضون هذا السيناريو، بل علي العكس سيرحبون به لرغبتهم في غلق هذا الملف نتيجة لانشغالهم بقضايا أخري مثل »ظروف التهديدات الامنية التي تواجه المنطقة، بما في ذلك انتشار التهديدات العابرة للحدود مثل تنظيم داعش». وقالت سارة كيندزيور، باحثة مشاركة في جامعة جورج واشنطن إنه »من الصعب معرفة ما سوف يحدث بعد وفاته لأن حكومة أوزبكستان تتألف من النخب السرية». الخلفاء المحتملون يدور الحديث عن 3 خلفاء محتملين هم: رئيس هيئة أمن الدولة إينوياتوف ورئيس الحكومة ميرزيايف ووزير المالية عظيموف الذين يمسكون بأيديهم مجالات الأمن والسياسة الداخلية والخارجية والاقتصاد، وقد يصبح أحد الثلاثة زائدا عن اللزوم ويتحول الثلاثي إلي ثنائي. ومع ذلك يعتبر رئيس المخابرات الحالي رستم إينوياتوف الأقوي والأوفر حظا. ترأس إينوياتوف هيئة الأمن القومي في أوزبكستان منذ أكثر من 20 عاما. وتمكن عام 1995 من تصفية الجهاز الأمني المنافس لمؤسسته وهو إدارة الاستخبارات العامة بالقوات المسلحة. وبعد قمع التمرد في أنديجان، تخلص إينوياتوف من منافسه الرئيسي وزير الداخلية زاكير الماتوف. أهم الأوراق الرابحة المتوفرة في يد قائد المخابرات الحالي هو وجود »جيش خاص» لديه، يضم أفضل الوحدات القتالية في القوات المسلحة ومن بينها لواء التدخل السريع الذي يضم 5000 مقاتل وكذلك قوات حرس الحدود والأسطول الحربي النهري وفرقة القوات الخاصة. كما يسيطر رئيس المخابرات من خلال رجاله الموجودين في قصر الرئاسة علي كل اتصالات رئيس الجمهورية مع رؤساء المناطق والوزارات. المرشح الثاني هو رئيس الوزراء شوكت ميرزيايف( 59 عاما) الذي يملك حظا كبيرا في خلافة كريموف علي الرغم من عدم حب الشعب له. عمل ميرزيايف حاكما لمقاطعة سمرقند. رئيس الوزراء من خريجي معهد الري ( مهندس ميكانيكا) وبقي فترة طويلة يشرف علي حصاد القطن. المرشح الثالث وزير المالية رستم عظيموف. وهو يعتبر من أنصار التيار الليبرالي، ولكن الخبراء يرون أنه لا يختلف عن بقية السياسيين الذين صعدوا إلي هرم السلطة خلال عهد كريموف. والسؤال الآن هل ستسير الحكومة القادمة علي خطي كريموف، ام هل ستكون وفاته طوق نجاة للعديد من السجناء السياسيين؟