روايات "ميلز & بوون" ، التي تعتبر مع "هارلكين"، الأصل الإنجليزي لروايات عبير وأحلام، وجدت أخيراً من يدافع عنها، بل ويصنفها كأدب احتجاج ، لا مجرد وسيلة للهروب من الواقع بين صفحات أعمال خفيفة تدغدغ حواس القراء وتقنعهم أن النهايات السعيدة لقصص الحب هي السيناريو الوحيد الممكن. فوفقاً للجارديان، تري الباحثة فال دربيشاير، أن قراء وقارئات "ميلز & بوون" يجب أن يفخروا بقراءتهم إياها وألّا يشعروا بالحرج الممزوج بالذنب لأن الآخرين يسخرون من هذه الروايات ويرونها متدنية القيمة الأدبية. دربيشاير تدفع عن روايات "ميلز & بوون" تهمة البطريركية وتبني الأفكار الذكورية وتصل في دفاعها إلي تصنيف إصدارات هذه السلسلة كأعمال نسوية! تقول: "هذه روايات تكتبها نساء بالأساس، وموجهة للنساء، فلماذا تهدف لإهانة الجمهور الذي تستهدفه؟! هذا غير منطقي." تدعم دربيشاير رأيها هذا، بالإشارة لرواية لبيني جوردون تدين فيها لوم المرأة المغتصَبة، مؤكدة أن من يهاجم هذه الروايات ويراها مضادة للمرأة، لم يقرأها! فهي تعري النفاق الاجتماعي والمعايير المزدوجة، كما أن الرجال فيها يدركون في النهاية مدي خطأ تصوراتهم وأفكارهم. والحقيقة أن من قرأوا هذه الروايات يدركون أنها حافلة بكل صور التنميط ليس ضد المرأة فقط وإنما ضد شعوب وأعراق وثقافات كاملة. لا أحد يدقق كثيراً حين يقابل عشرات الصور النمطية عن اليونان مثلًا في رواية بطلها يوناني، أو عن أمريكا اللاتينية أو غيرها من الدول، لأن قارئ "ميلز & بوون" يعرف أنه لا يقرأ تولستوي أو وليم فوكنر، بل يزجي وقته بقراءة خفيفة مسلية عن رجال غيورين وذكوريين ونساء رومانسيات يتسمن، في الغالب، بالرقة والهشاشة. كما أن وصف رواية ما بأنها "نسوية" أو "مضادة للمرأة" أو "أدب احتجاج" لا يعد في النهاية نقداً أدبياً، ولا حكماً علي جدارتها الفنية علي الأقل من وجهة نظري فالأهم هو جمالياتها ومدي فنيتها. لكن الغريب أن تري باحثة أكاديمية أن من لديهم آراء مختلفة بشأن "ميلز & بوون" لم يقرأوها، متغاضية عن حقيقة أنه في مقابل بيني جوردان هناك عشرات الكاتبات اللاتي يكرسن أفكارًا رجعية في رواياتهن، ويكررن الثيمات نفسها من عمل لآخر كأننا أمام صيغة أو معادلة أثبتت جاذبيتها لدي القراء فتم التمسك بها. حتي جوردان نفسها، رغم محاولتها التمرد علي بعض كليشيهات "ميلز & بوون"، فإنها رضخت لبعضها الآخر. أعتقد أن رغبة البعض في قول ما هو خارج عن السائد، يدفع أحيانًا نحو التعميم وعدم التدقيق. أتفهم تماماً دعوة دربيشايرالآخرين إلي قراءة هذه الروايات، وأري أنها رغم التشابهات بينها إلّا أن بعض كاتباتها لديهن ما يقلنه وتتسم كل منهن بسمات تخصها، بيني جوردان مثلاً تختلف عن تشارلوت لامب، ولي ويلكنسون تختلف عن إيما دارسي والأخيرة لا تشبه سارة كريفن أو آن ميثر. كما أتفهم رأي دربيشاير الخاص بأن أعمال "ميلز & بوون" مادة مفيدة للمؤرخين والباحثين في التاريخ الاجتماعي والتغييرات التي حدثت من عقد لآخر، فأنا نفسي بدأت الاهتمام بها قبل سنتين لرغبتي في المقارنة بين الروايات الأصلية وترجماتها، وكانت النتائج التي خرجت بها مثيرة للدهشة وكاشفة عن الاختلافات المجتمعية والثقافية التي قد تدفع المترجم والناشر أحيانا إلي إجراء تعديلات جوهرية في العمل ظناً منه أن جمهوره لن يتقبله كما هو. لكن كل هذا لا يعني أن أتفق مع رغبة فال دربيشاير في أن تضفي علي إصدارات "ميلز &بون" خاصة القديم منها ما ليس فيها. م. ع