إن التعليم حق أصيل من حقوق الإنسان، ودعوة من السماء لأهل الأرض لإعمارها، وهو حق لا يقبل المساومة أو المزايدة، ويجب ألا نقرن بين حق التعليم وبين التزام الدولة بتعيين الخريجين فهذا موضوع آخر يخضع لقانون العرض والطلب في أسواق العمل في الداخل والخارج وفي ظل التنافسية العالمية التي تتطلب التأهيل والتدريب الجيد في التخصصات المطلوبة، حيث لا مكان في هذه الأسواق لجاهل أو مهمل أو متراخ. ومن العيوب الشائعة في مجتمعات العالم الثالث، أعني العالم المتخلف أن البعض عندما يحصل علي ما يريد من متطلبات الحياة ينكر علي الآخرين أن يحصلوا علي نفس فرصته.. فإذا تعلم أو تملك لا يريد لغيره أن يتعلم أو يتملك مثله، وتلك أنانية قاتلة، وهذا هو حال كثير من المثقفين أو مدعي الثقافة في بلادنا. إن تقدم الشعوب وازدهارها يأتي من منطلق اهتمامها بالتعليم لأنه هو الذي يقيم الدولة المتطورة ويقويها، لأنه الذي يحفظ هيبتها وكرامتها.. ولقد أثبتت الدراسات الميدانية، ان انتاجية العامل أو الفني تتضاعف كلما زاد المستوي العلمي والتدريب المستمر علي أحدث تقنيات العصر. إن الذين يرجعون زيادة معدلات البطالة إلي انتشار التعليم أو التوسع فيه جانبهم التوفيق، فلم يكن التعليم في يوم من الأيام هو السبب في البطالة، وعليهم أن يبحثوا عن الأسباب الحقيقية لهذا المرض العضال.. وبالتأكيد لن يكون التعليم أحد هذه الأسباب. لقد أصبح التعليم في بلادنا حقل تجارب تتنازعه الأهواء والأغراض، تارة يجعلون شهادة الثانوية العامة علي سنتين، وتارة علي ثلاث سنوات وتارة سنة واحدة.. وهذا التخبط يؤكد أنه لا توجد سياسة تعليمية مستقرة كما يحدث في بلاد العالم المتقدم، يأتي وزير ويرحل، ولا أحد يعلم كيف جاء، ولماذا رحل، وما هي انجازاته، إيجابياته وسلبياته خلال تواجده بالوزارة. وفي غيبة عدم المحاسبة وتقييم الأداء يفعل الوزير ما يشاء. وهذا هو حال جميع الوزراء في جميع المواقع التي يجلسون علي قمتها. وما حدث في التعليم الابتدائي، حدث في الثانوية العامة فقد تقدم الدكتور حسين كامل بهاء الدين بمشروع قانون لمجلس الشعب سمي بمشروع التحسين لإعطاء الطلاب الفرصة للحصول علي مجموع يؤهلهم للإلتحاق بالجامعات والمعاهد العالية، وقد وافق مجلس الشعب علي المشروع وأصبح قانوناً تم تنفيذه علي الفور، وبعد فترة تقرر الغاء النظام الجديد، ولا أحد يعلم حتي الآن لماذا تم إقرار القانون، ثم إلغاؤه.. والسؤال الذي يطرح نفسه علي الساحة الجماهيرية من المسئول عن هذا التخبط في انتهاج سياسات تعليمية غير معروف هويتها أو أصلها وفصلها. إن عدم استقرار هذه السياسات يجعلنا نطالب وزراء التعليم بالتريث والتدقيق ليس فقط في التعليم، ولكن في كل شئون حياتنا.. فالتعليم هو حاضر الأمة ومستقبلها، ومن ثم فليس التعليم مسئولية فرد أو مجموعة أفراد، مهما كان ذكاؤهم انما هي قضية وطن ومستقبل الأجيال الجديدة. ان نظام الثانوية العامة في الدول الأوروبية وأمريكا ثابت منذ سنوات طويلة مع تطوير مستمر في أساليب التدريس وفق تقنيات العصر مع تغيير مستمر في مناهج الدراسة وإدخال علوم المستقبل، كما أن محاكاة أي نظام تعليمي نستورده من الخارج، قد لا يتواءم مع البيئة المصرية، لأن مصر لها ظروفها الخاصة، قيم وتقاليد وأعراف خاصة بها.. ومن المعروف أن لكل مجتمع ظروفه وامكانياته وثقافته.. لذلك فإن نقل التجارب بلا روية والإسراع في التطبيق من شأنه تعريض المجتمع لهزات عنيفة والخاسر الوحيد الشعب ومستقبل الأجيال الجديدة.. واذكروا تجربة مدارس مبارك - كول بمدينة 6 أكتوبر التي أقامتها ألمانيا، وزودتها بكل حديث في عالم التقنيات الفنية.. كانت البداية مبهجة.. وانظر إلي ما آل إليه حالها الآن.. والحديث موصول.