الشيخ محمود عاشور، وكيل شيخ الأزهر الأسبق، عضو مجمع البحوث الإسلامية، أن الله سبحانه وتعالي لم ينس عباده ممن لم يستطيعوا الحج وترك لهم فضل العبادة والصوم في العشر الأوائل من ذي الحجة، بما في ذلك صوم يوم عرفة، مؤكداً أن الاحتفال بعيد الأضحي يزرع مفهوم الطاعة وإخلاص العبادة لله سبحانه وتعالي، وأشار في حواره ل "دين ودنيا" إلي أن اللحية من العادات وليس العبادات، مشددا علي أن استخدام الدراما التي تبني ولا تهدم يفيد أكثر من خطب المساجد في بناء مجتمع وسطي، وفيما يلي نص الحوار: البعض لا يستطيع أن يشارك في موسم الحج.. كيف يقضي هذه الأيام المباركة؟ - الذي لم يحج لم يتركه المولي عز وجل، بل فتح له بابا للمغفرة وبابا للرحمة، فرسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: "صيام يوم عرفة أحتسب علي الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده"، ففضل هذا اليوم غير مجهول، وعلي المسلم الذي لم يحج أن يخلص في العبادة في العشر الأوائل من ذي الحجة، ويسارع في عمل الخيرات، لأن هذه الليالي مذكورة في القرآن في قوله تعالي:}والفجر وليال عشر{، وقد أجمع المفسرون علي أن الليالي المذكورة هي العشر الأوائل من شهر ذي الحجة، فالإخلاص في العبادة يجعلنا ننال ثوابا يقارب ثواب الحج، أما من يحج فيكفيه ما قاله رسول الله بأن "الله يباهي بأهل عرفات يقول للملائكة: انظروا إلي عبادي أتوني شعثا غبرا من كل فج عميق يرجون رحمتي ويخافون عذابي أشهدكم أني قد غفرت لهم". ما الهدف من الاحتفال بعيد الأضحي؟ - يأتي الأضحي احتفالا بيوم أخلص فيه مجموعة من العباد للخالق سبحانه، فإبراهيم عليه السلام ترك زوجته هاجر وابنه إسماعيل في صحراء بوادي غير ذي زرع، وعندما جاء الأمر الإلهي بذبح إسماعيل، عاد إبراهيم وبدأ في تنفيذ الأمر الإلهي، وهنا ظهرت الطاعة في أسمي معانيها في موقف إسماعيل الذي أطاع والده دون نقاش، وكذلك هاجر التي لا تملك في الدنيا إلا ابنها، وعندما اقترب السكين من رقبة إسماعيل جاء الفداء بالكبش العظيم علامة علي رضا الرحمن عن إبراهيم وإسماعيل وهاجر، فعيد الأضحي يوقظ في النفس معاني الطاعة لله والثقة به والتضحية في سبيل الحق، فإبراهيم عندما ترك هاجر وإسماعيل وهو رضيع كان يثق في ربه وأنه لن يضيعهما، وعندما سعت هاجر بين الصفا والمروة بحثا عن المياه كانت تثق في الله، الذي فجّر بئر زمزم من تحت قدمي إسماعيل، فعيد الأضحي يعلِّمنا أن كل من يطيع الله ستكون مكافأته عظيمة، سواء كان من الحجيج أو غيرهم، وبالنسبة للحجاج تكون فرحتهم مضاعفة لأن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: "من حج ولم يفسق ولم يرفث عاد كيوم ولدته أمه". كيف نحتفل بالعيد بطريقة تضاعف من حصيلة الحسنات؟ - أفضل ما نفعله في هذا اليوم هو أن نمضي علي خطي رسول الله صلي الله عليه وسلم الذي كان يبدأ هذا اليوم بالاغتسال والخروج لصلاة العيد، بعد ارتداء الملابس الجديدة والنظيفة، ثم يتبادل التهاني مع صحابته بحلول العيد، فعلينا أن نصلي صلاة العيد في الساحات أو المساجد الكبيرة، ونستمع لخطبتها لكي يتضاعف أجرنا، ولا بأس من خروج النساء للصلاة لأن صلاة العيدين للنساء سنة مؤكدة، وعلي المستطيع أن يذبح الأضحية ويقدم ثلثها للفقراء والمساكين، وثلث لبيته، وثلث لأقاربه في أحد مظاهر التكافل بين أبناء المجتمع الواحد، كما يجب علينا أن نستغل هذه المناسبة الكريمة في تقوية الروابط الأسرية بزيارة الأهل والأقارب وصلة الأرحام، واستغلال العيد في الإصلاح بين المتخاصمين تحقيقا للهدف الأسمي، وهو تدعيم الروابط بين أبناء الأمة الإسلامية، لذلك لا بأس بالعيدية فهي من الأمور الحسنة التي تشعر الأطفال ببهجة العيد وتربطهم بهذه المناسبات الدينية. ما رأيك في الجدل المتجدد حول النقاب حتي الآن؟ - النقاب ليس مفروضا وليس مرفوضا، قد يكون شيئا من التزيُّد في الشكل عند النساء، لكن المرأة المنتقبة إذا ذهبت إلي مكان ينبغي أن تعرف شخصيتها فيه ترفع النقاب، وهذا دليل علي أنه ليس فرضا، وإنما الفريضة هو الحجاب، لقوله تعالي:}وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها{، وقد أجمع جمهور المفسرين علي تفسير "ما ظهر منها" بالوجه والكفين، كذلك أجمع علماء الفقه الأربعة علي أن جسد المرأة كله عورة باستثناء الوجه والكفين، وعليه فإن الفريضة هي الحجاب وليس النقاب. ماذا عن اللحية؟ - قال رسول الله صلي الله عليه وسلم "إن الله لا ينظر إلي أجسامكم، ولا إلي صوركم، ولكن ينظر إلي قلوبكم"، فليس الإيمان في اللحية أو زبيبة الصلاة أو الثوب القصير، إنما الإيمان في القلب، فالذين يقصرون الإسلام علي اللحية أو السبحة أو غيرهما من الأمور الشكلية فهؤلاء أخطأوا الطريق ولم يفهموا الدين كما ينبغي، فديننا ليس بالشكل، فقال رسول الله ردا عن مَن سأله عن الإيمان:"ما وقر في القلب وصدّقه العمل"، وقال الشيخ محمود شلتوت إن اللحية سنة عادة وليست سنة عبادة، فكم من ملتحين ارتكبوا من الجرائم ما ارتكبوا وفعلوا ما فعلوا تحت ستار اللحية، وقد جربنا أناسا كانوا أكثر الناس بعدا عن الدين وهم من الملتحين. فالمجتمع الذي جاء الإسلام إليه كان كل من فيه من الملتحين لا فرق بين مسلم وكافر، فكانت اللحية ظاهرة من الظواهر الموجودة في المجتمع الذي ظهر فيه الإسلام. لماذا نري التشدُّد يسود بين بعض من يتحدثون باسم الإسلام الآن؟ - التشدُّد بدأ منذ أيام رسول الله صلي الله عليه وسلم، فهناك ثلاثة ذهبوا إلي بيت رسول الله صلي الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلي الله عليه وسلم، فلما قيل لهم إنه يصوم ويفطر ويتزوج النساء، قالوا وأين نحن من رسول الله قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فقال أحدهم أما أنا فإني أصلي الليل أبدًا، وقال آخر أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال ثالث أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا، فجاء رسول الله صلي الله عليه وسلم إليهم فقال لهم: أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني،وفي رواية فقد رغب عني، هذا ما حدث في عصر رسول الله صلي الله عليه وسلم ، فما بالنا وقد ابتعدنا عن عهد رسول الله بأربعة عشر قرنا، فلا شك أن هناك تشدُّدا نشأ وغلوا سيقوم وتطرفا سيظهر.. كل هذا راجع إلي عدم فهم الناس للدين. فعلينا جميعا أن نعي أن التطرف انتشر بمساعدة الاستعمار، فداعش الموجود في العالم الآن هو صناعة الاستعمار لكي يفتت المنطقة العربية جميعا، فالعراق وسوريا وليبيا واليمن تم تدميرها، علي يد أمثال هذا التنظيم، فضلا عن تقديم صورة مغلوطة عن الإسلام أمام العالم كله، وهم ليسوا من الإسلام في شيء. وللأسف التيارات المتشددة كانت تمتلك قنوات فضائية دخلت كل بيت ونشرت التطرف والعنف والغلو، وبالتالي ظهرت ثقافة التشدُّد والتطرف التي ولدت من رحم هذه القنوات، فقد انتشر دين موازٍ في العقول، الآن نسعي في الأزهر لكي نعيد الفكر السليم رويدا رويدا لمواجهة هذا الفكر المتطرف، ونحتاج إلي مزيد من الوقت لأن هذه الأفكار تحتاج إلي النقاش وعرض البديل لإقناعهم بالفكر المعتدل، ويرتبط بالتشدد فوضي الفتاوي، ولابد من مواجهتها بإصدار قانون يجرِّم من يفتي بغير علم، لأن الفتوي بغير علم جريمة تهدد المجتمع كله، فالبعض عن جهل يحلُّ حراما ويحرِّم حلالا، والحمد لله الأزهر موجود في كل محافظة وقرية وهناك لجنة الفتوي التابعة له ودار الإفتاء، فعلينا أن نعود إليها لأخذ الفتوي، ويمكن الاستعانة بالدراما التي تبني ولا تهدم، تعلِّم المُثل والأخلاق، علينا الاعتماد عليها أكثر من خطب الوعاظ وندوات العلماء، لأنها تدخل كل بيت وتصل لكل الأعمار.