كلما تذكرت الواقعة التي حدثت مع الكاتب الذي كان شابا في يوم من الأيام ،أقصد الأديب ضياء الشرقاوي ،لا عرف بماذا أعلّق ، أهي تثير الضحك أم أنها تثير الغضب؟، والحكاية رواها الصديق والكاتب الروائي يوسف القعيد، وأكّد عليها آخرون ، لأنها كانت متداولة في زمن الستينات، وهي حكاية تبدو أنها عبثية لدرجة قصوي، ورغم أنها عبثية بشكل كبير، إلا أنها منطقية وطبيعية في السياق التاريخي الذي وقعت فيه، ولكن تبقي لها ظلال ودلالات كثيفة. في عقد الستينيات، كانت وزارة الثقافة تصدر عددا لا بأس به من المجلات والسلاسل الثقافية والفكرية والأدبية والفنية، مثل مجلات الشعر والقصة والمسرح والفكر المعاصر والكاتب، وسلاسل كانت تصدر عن مؤسسات ثقافية متنوعة، وكانت دار الكاتب العربي للطباعة والنشر، والتابعة لوزارة الثقافة، تصدر سلسلة أدبية عنوانها "الكتاب الماسي"، تلك السلسلة التي قدّمت محمد البساطي لأول مرة في مجموعته "الكبار والصغار"، ومحمد أبوالمعاطي أبو النجا ومحمود دياب وغيرهم، وفي إحدي مراحل تطور السلسلة، راح المسئولون يضعون بعض السمات الجادة والصارمة، لكي يثبتوا دقتهم والتزامهم الحديدي بدور الدولة في الجديّة، لذلك التزم المسئولون عن سلسلة "الكتاب الماسي" بتحديد تاريخ دقيق لصدور الكتاب، وذلك باليوم وبالشهر، والمتداول لتلك الكتب، سيلاحظ أنها تحمل تلك التواريخ بتلك الصرامة، التي لم ينقصها إلا أن يكتب المسئولون ساعة الصدور التي تخرج فيها الكتب إلي الشارع، عموما كان ذلك تصرفا محمودا. ولكن غير المحمود هو ماحدث مع الأديب الشاب ضياء الشرقاوي، وكان الزمن في سبتمبر 1967، وكانت مصر الشعب والنظام والمسئولون والأجهزة والنخبة والكتّاب والمثقفين خارجين من كارثة يونيو، وكانت ظلالها البشعة تلف الجميع بكآبتها وتوابعها الوخيمة، ولم يكن ضياء قد أصدر سوي مجموعة قصصية وحيدة عام 1966 وهي "رحلة في قطار كل يوم"، وفي سبتمبر 1967 كان ينتظر مجموعته القصصية الثانية، والتي كان عنوانها "سقوط رجل جاد"عن سلسلة الكتاب الماسي"، وتحدد يوم خروج المجموعة بتاريخ 14 سبتمبر، وفي ذلك اليوم المحدد، كان انتحار المشير عبد الحكيم عامر، هنا انتبهت الأجهزة لعنوان الكتاب، وعلي الفور صدر قرار بعدم خروج الكتاب إلي الناس وعدم تداوله علي الإطلاق، حتي لا تنشأ صلة بين العنوان والحدث، ورغم أن الكاتب والأديب ضياء الشرقاوي لم تكن له أي نشاطات سياسية، ولم تكن له علاقة قوية بجماعات اليسار التي كانت نشطة بشكل ما في تلك الفترة ،إلا أن اللبس الذي حدث بين عنوان الكتاب، وواقعة انتحار المشير، جعلته هدفا للتحقيقات والتساؤلات المثيرة حوله، وبالطبع فالقصة التي تحمل العنوان المثير كانت مكتوبة قبل ذلك التاريخ، ولكن الأجهزة الاستخباراتية منعت الكتاب من التداول حتي أن خرج إلي النور عام 1969، والمدهش أن الكتاب خرج للناس وهو يحمل تاريخ 1967 دون تحديد اليوم. والذي يقرأ القصة المنشورة، والتي تزيد عن أربعين صفحة من المجموعة القصصية لن يكتشف أي ظلال سياسية علي الإطلاق، والقصة تحكي حكاية شخص جاد، بمعني أنه لا يبتسم ،ولا يجلس بين الناس إلا وهو يمارس طقوس الاحترام التقليدية، والتي يصعب علي أي أحد ممارستها، لذلك كانت تحتاج تلك الشخصية إلي قصة وتحليل وقراءة إبداعية، ويبدو أن معظم عوالم ضياء الشرقاوي تدور في تلك الأجواء الإنسانية المربكة والمثيرة للتساؤل. تبدأ القصة بالأم التي تقطن في الريف، وهي تحاول إيقاظ ابنتها الفتاة من النوم، لأن خطيبها علي وشك الوصول من القاهرة، ولكن البنت الصغيرة لا تأبه كثيرا بذلك الأمر، وتبدو عليها علامات التمرد، خاصة أن ابن خالتها الذي تلعب معه دوما يغذّي فيها عامل السخرية من ذلك العريس الذي لا يضحك، ولا يقبل الدعابة، ويقول بأنه دمه ثقيل، ولا يستطيع الفرح أو البهجة، ولذلك سيكون مصدرا للتعاسة والكآبة في حياتها ، ويحدث بأن العريس يأتي، وتستيقظ الابنة من النوم، وتظل الحوارات تدور بين الابنة المستهترة أو المتمردة بمعني أصح، وبين أمها التي تخشي أن يفرّ العريس بعد أن يكتشف عبثية خطيبته وطفولتها، ويلعب ابن خالة الفتاة دور الشيطان في القصة، فهو يحاول تأليب ابنة خالته علي ذلك الشخص الجهم ، ثم يأتي الخال، وهو الشخص المسئول في العائلة ،والذي يضبط كافة أشكال الحوار بينهم جميعا، فيصطحبهم إلي مكان ما في القرية، حتي يلتقط العريس لهم صورا تذكارية في الفضاء الريفي، علي أن يكون حصان الخال قاسما مشتركا في الصور. وبالطبع تدور حوارات كثيرة، لتكشف عن صرامة العريس، وعدم فهمه للمداعبة، أو المجازات اللغوية الكثيرة، فعندما يقول ابن خالة الفتاة للعريس :" نريد أن نتمشّي علي ترعتنا "، يردّ عليه الرجل الجاد بسؤال عجيب قائلا له "أهي ترعتكم أم ترعة الحكومة؟"، ورويدا رويدا تتكشف شخصية العريس الجافة، والتي تختفي معها كل علامات البهجة، حتي تصطحبه الفتاة إلي مكان ما، وتوهمه بأنها جنيّة، وتظل تلعب ذلك الدور بطفولة حيّة، وهو يرتبك بين الجدّ والهزل، ولكنها تظلّ تضحك وتضحك، حتي تنتقل إليه عدوي الضحك بقوة للدرجة التي راح ينافس فتاته في الضحك، حتي يصلا إلي المنزل، ويندهش الجميع من انزلاق الرجل الجاد جدا والصارم في دائرة الضحك الهستيرية، ومن ثم جاء عنوان القصة "سقوط رجل جاد"، ليكون العنوان الأمثل لتلك الحالة القصصية المدهشة. ومحاولة تلخيص القصة من ناحيتي، لا تبغي تحليل وتأمل القصة التي انطوت علي ثقافة عميقة وواعية وإيجابية، ولا يريد الكاتب أن يخلص إلي نوع من التسلية أو دغدغة عواطف القارئ، بقدر ماكان يحلل أعماق الانسان عموما، وعلاقة تلك الأعماق الدفينة بالحياة الاجتماعية وتطوراتها، بالإضافة إلي المتعة الفنية التي تتبدي من خلال الحوار، والقفشات اللافتة، والإشارات الذكية إلي طبيعة التناقضات بين الناس، تلك التناقضات التي تحتمل كل أنواع العلاقات، والتي نخلص منها إلي أبعاد التسامح التي كانت تنتشر في كل كتابات ضياء الشرقاوي، ومن هنا جاءت قصته "الحديقة"، والتي كانت ملهمة له لتكون رواية، أو بمعني أدق رواية في ثلاثة وجوه، أو رواية تحكي مسارات ثلاثة أجيال، وفيها تؤكد الرواية الجيلية علي شغف الإنسان لاكتشاف ذاته من خلال استدعاء ماضيه وذكرياته بشكل شبه شامل . في الجزء الأول من رواية "الحديقة"، ذلك الجزء الذي يحمل العنوان الرئيسي للرواية، نجد شخصا ما، يحكي لآخر، ذلك الآخر عمله دكتور، يقول له :"ربما ماتت يادكتور، بل من المؤكد أنها ماتت، فكل من يصبح ذا صلة بهذا العجوز المجنون يصير محكوما عليه بالموت ،سوف تراه، وسوف يحدثك عن حديقته وكأنها حديقة حقيقية مليئة بالأشجار والأزهار...". ويظل ذلك الشخص يتحدث بتلك الصيغة التهكمية والعدائية للعجوز، حتي نكتشف حكايته من خلال التداعي متعدد الوجوه الذي ينزلق إليه السرد المحكم، وأنا أعني تماما علاقة الانزلاق بالسرد المحكم، حيث أن الراوي يوهمنا بأن الحكايات مرسلة، رغم أنه يريد أن يصل بنا إلي حقيقة ما، تلك الحقيقة القصصية، أي التي تكمن في القصة، تنتهي بنا إلي أن العجوز ليس مجنونا، وليس مخرفا، وكذلك ليس كل مايقترن به يموت، رغم أن تلك الأمور قد حدثت بالفعل، والحكاية ومافيها، أن ذلك العجوز يحاول إحياء حديقة كانت في ذلك المكان منذ أزمنة بعيدة، تلك الحديقة التي كان جده يرعاها ويزرعها دائما، ويحافظ علي إنمائها عاما بعد عام ،ولكن الأعوام والعقود وربما القرون تعاقبت عليها، وفتر حماس الأسلاف، وعانت الأجيال من أشكال عدوانية أقعدتها عن رعاية الحديقة، فصارت خربة، بل خرابة ولا توحي بأنها كانت حديقة علي وجه الإطلاق، ولكن العجوز يظل يشرح لأي مريد بشيئين، الشئ الأول : أن كانت هنا حديقة عظيمة جدا، وتنطوي علي كل أنواع الفاكهة، وللتدليل علي ذلك، يروح العجوز لكي يحفر الأرض ليصل إلي تلك الجذور التي تثبت بحقيقة الحديقة، أما الشئ الآخر: هو إمكانية عودة تلك الحديقة مرة أخري للحياة، وبالفعل يذهب العجوز للتبشير بإعادة الحديقة مرة أخري إلي سابق عهدها البعيد، ويقنع ولديه بذلك الأمر، ولكن يموت الولدان تباعا، ولكن العجوز لا ييأس، ويظل قابضا علي جمرة الأمل يوما بعد يوم، وعاما بعد عام، ويجذب بعض المغامرين إلي مشروعه الذي اعتبره البعض نوعا من الجنون. وأنا لا أريد _هنا_ أن ألخّص القصة، لأنها تنطوي علي جماليات تفوق كثيرا من كتابات أخري، تم الترويج لها آنذاك، وأعتقد أن تلك الرواية، مع فصليها الآخرين "عيون الغابة، والصورة"، تحتاج إلي تحليل فني عميق، ربما فعل ذلك بعض النقاد، ولا أريد هنا أن أقول بأن الكاتب يرمز بالحديقة التي ذهبت، إلي بلادنا التي أصبحت جرداء، وعلينا أن نعيد مجدها الغابر، وربما يكون ذلك الهاجس بعدا قائما بالفعل، ولكن الأعمق من ذلك، والذي يتبدي في العمل كله، هو أن لا مستحيل أبدا علي الإنسان، طالما أنه قادر علي الامتلاء بالأمل، حتي لو كانت الحياة كلها مشحونة بالخراب واللا أمل، ومن هنا جاء رأيه في كافكا، ذلك الرأي المدهش، والذي يقول فيه بأن كافكا لم يكن يكتب عن خراب العالم وسوداويته، بقدر ماكان الفرد الكافكاوي يبحث عن أشكال خلاصه في العالم، هذا البحث لا يمثل سوي الأمل الذي كانت شخصيات كافكا تتذرع به طوال حالات السرد الروائية والقصصية عنده. وفي رسائله التي كان يرسلها الشرقاوي إلي صديقه محمد الراوي، كان يثير كثيرا من تلك الإشكاليات الفكرية والأدبية والفنية، ويبدو من تلك الرسائل تركيزه علي الحديث عن كافكا، ومحاولة عقد مقارنات خفيفة بين كتابته، وبين كتابات كافكا، لدرجة أنه ذهب إلي مقارنة حياتيهما بشكل ما، علي الأقل في تشابه قسوة الوالدين، تلك القسوة التي جعلت كافكا يبحث عن أشكال للخلاص دائما لأبطاله، هؤلاء الأبطال الذين وجدوا أنفسهم متورطين بالحياة في عوالم غير مفهومة، وغير عادلة، وهنا راح أبطال الشرقاوي كذلك تبحث عن أشكال العدل الاجتماعي والإنساني والوجودي دائما، وهذا ما يتبدي في الجزء الثاني من رواية الحقيقة، وهو الجزء المعنون ب »عيون الغرباء»"، وهو يشبه نوعا من الأمثولة، تلك الأمثولة التي تتعرض للصراع بين المرأة والرجل، الصراع الخفي والمعلن، والذي ينتصر الراوي فيه للمرأة بكل وضوح، فالرجل في ذلك الجزء يحاول أن يتلصص علي زوجته بكل الطرق، للدرجة التي تجعله يصنع لها فخاخا مخيفة، تلك الفخاخ التي يمكن أن تؤدي إلي هلاك زوجته، وهو لا يتلصص علي حاضرها فقط، ولكنه يتلصص علي ماضيها، ويحاول بكل الطرق أن يستدرجا لكي تحكي له كل ما حدث لها قبل أن يلتقيا، ولكنها كانت تصرّ علي أنه لا يعنيه ذلك الماضي علي وجه الإطلاق، وصارت تواجه زوجها لكي لا يخترق حياتها الماضية، تلك المواجهة التي بدت في القصة، وكأن الزوجة تدافع عن كيانها ككائن اجتماعي كامل، وإنسان حرّ التصرف في كيف عاش وكيف يعيش، وبالتالي الاستقلال في الحياة المستقبلية. ويبدو أن الشرقاوي كان يخوض في قضايا إشكالية ووجودية مركبة تخص الإنسان ووجوده في كافة صوره، ولم ينزلق إلي ذلك المأزق السياسي الذي كان ومازال ينزلق إليه كثير من الكتاب، وبالتالي فلم تغر كتاباته هؤلاء النقاد المفتونين بالأبعاد السياسية المجتمعية المباشرة في الفن، وظلّ ضياء الشرقاوي في حياته وبعد رحيله مستبعدا ومهمشا بدرجات قصوي، ولو راجعنا قائمة النقاد الذين تابعوا أعماله الأدبية، لن نجد فيهم النقاد المؤثرين وجهيري الصوت، وكذلك كان ضياء يتحمل تبعات كتاباته التي تنحو ناحية الفن بكل صوره الحقيقية، ومن هنا كان البيان الذي أصدره مع محمد الراوي عام 1976، وركز فيه علي عدد أفكار حيوية، منها :"أن العمل الفني عمل غير سياسي، فالعمل السياسي عمل مرحلي تكتيكي، متغير في جوهره، وإن اتخذ طابع المنهج في بعض الحالات، ويمكن أن يكون العمل السياسي رافدا من روافد العمل الفني، ولكنه لا يمكن أن يكون هدفه، وإلا سقط العمل الفني في دور التابع ينتهي دوره بانتهاء قضيته أو الحاجة إليه"، كذلك أكّد الشرقاوي في ذلك البيان المهم علي "أن العمل الفني عمل غير اجتماعي، أي أنه غير مستهدف لخدمة فئة اجتماعية معينة، أو ضرب فئة اجتماعية أخري، ولا يكون هدفه الأساسي رصد ومعالجة الظواهر الاجتماعية، فهذا هو دور عالم الاجتماع ..."، ولا يجدي هنا سرد كل الأفكار التي جاء بها ذلك البيان المهم، والذي جاء في مرحلة كانت الوجهة الإبداعية والنقدية متجهة بشكل واسع إلي تلك الأعمال المعنية بالحريات والصراع الاجتماعي في مصر، بينما ذهب البيان ومبدعه وكتاباته عموما نحو تأصيل وتعميق الفكرة الفنية بجدارة. ومن هنا لم يكن ذلك البيان إلا تكثيفا للتوجهات النقدية التي عبّر عنها ضياء في دراسات نقدية عديدة من قبل، تلك الدراسات التي تناولت أعمالا إبداعية مهمة، مثل مجموعة "الزحام" القصصية للأستاذ الكاتب يوسف الشاروني، كذلك دراسته "المعمار الفني في ساعات الكبرياء" للراحل إدوار الخراط، وأيضا دراسته عن رواية السفينة للكاتب الفلسطيني الأصل الراحل جبرا إبراهيم جبرا، وكتاباته الأخري العديدة عن أبو المعاطي أبو النجا ومحمد الراوي ومحمد الشريف وآخرين، وكذلك آراؤه المتناثرة حول كتّاب مثل يوسف إدريس وخيري شلبي ومحمود الورداني وآخرين. وأعتقد أن الشرقاوي قد مرّ في مقتبل حياته بمرحلة الواقعية الأدبية، إذا صح التعبير، وهذا يبدو في المقال الذي كتبه الراحل إبراهيم أصلان، وكان عنوانه "أنت يامن هناك"، وذلك كنوع من المقابلة لرواية الشرقاوي "أنتم يامن هناك"، وفي ذلك المقال يتحدث أصلان عن الصداقة التي كانت تربطه بالشرقاوي _علي عكس علاقته بخيري شلبي التي وصلت إلي حد الخصومة_، وذلك عندما كان يمرّ عليه بشكل شبه يومي في البيت، وكان يسيران بمحاذاة نهر النيل كثيرا، وفي إحدي تلك المرات، قابلهما محمد حافظ رجب السكندري، وفاجأ حافظ رجب صديقه الشرقاوي، ويكتب أصلان قائلا : (صافح ضياء _أي حافظ رجب_ دون أن يلتفت إليّ وقد ارتسمت علي شفتيه ابتسامة لا تخلو من استهجان، تبادلا عبارات قليلة، ثم سمعته يقول لضياء، الذي كان واقعيا اشتراكيا في ذلك الوقت: _أنتم لسه بتكتبوا القصص الواقعية بتاعتكم دي؟! ورأيت ضياء يبتسم ويهز رأسه بما يعني : نعم وقال الآخر: إحنا خلاص، عملنا مدرسة جديدة في القصة " ورفع ذراعه الخالية إلي أعلي وقال: _ ودلوقت قاعدين فوق، وعمالين نطرطر عليكم، وأنتم قاعدين تحت" واستغرق في الضحك وأضاف _ آه والله ..) ويستكمل أصلان في مقاله الذي أعاد نشره في كتاب "خلوة الغلبان" :(ورأيت ضياء يضحك مرتبكا ويحرك وجهه إلي هنا أو هناك، وينقل ثقله من قدم إلي أخري، حتي أسعفه الموقف بعربة يستوقفها، وينصرف). هذه الحكاية تعني بأن ضياء ورفاقه من طراز إبراهيم أصلان كانوا مشغولين بقضايا الفن والتعبير بدرجات كبيرة، وعمل ضياء وأصلان علي تطوير أدواتهما، غير عابئين بالموقف السياسي المباشر أو الرمزي، ذلك الموقف الذي حاول التعبير عنه أدبيا عدد من أبناء الجيل، وحصلوا علي اهتمام النقاد بشكل مبالغ فيه . الشئ الآخر أن ضياء كان يتعرض طوال حياته إلي هجمات شخصية تشبه ذلك الذي حدث له من حافظ رجب، ولكن ضياء لم يكن يثير حول نفسه ولا حول كتاباته ما كان يثيره الآخرون، لذلك عاش ضياء، ورحل دون أن تشمله بركة النقاد المؤثرين، حتي كتاباته الإبداعية الروائية والقصصية التي نشرت في حياته مثل "رحلة في قطار كل يوم، وسقوط رجل جاد، والحديقة "، ثم التي نشرت بعد رحيله مثل " بيت في الريح ومأساة العصر الجميل، والملح، وأنتم يامن هناك"، وكذلك دراساته النقدية اللافتة، ومخطوطاته التي لم تنشر، لم تحظ بأن يهتم بها أحد المسئولين في دور النشر الحكومية أو المستقلة، رغم الأهمية القصوي لإبداع ذلك الأديب الكبير، والذي رحل دون أن يكمل عامه الأربعين، حيث أنه ولد في 20 إبريل 1938، ورحل في 2 نوفمبر عام 1977، تاركا ذلك التراث الإبداعي المهم، والذي بدون قراءته لن نستطيع أن نتعرف علي ذلك العصر الذي عاش فيه بشكل صحيح.