لم يكن فوز الكاتب ايهاب عبد الحميد بجائزة يوسف ادريس عن مجموعته القصصية الاخيرة قميص هاواي الصادرة عن دار ميريت للنشر, مفاجأة لمن قرأ العمل أو المتابعين لمشروعه المتنوع الذي بدأ بمجموعته القصصية بائعة الحزن الصادرة عن دار شرقيات1998, وروايته عشاق خائبون2005 الحائزة علي جائزة ساويرس, وترجمته لكتاب قصة الجنس عبر التاريخ2008 بجزأيه وعبر ايهاب عبد الحميد للاهرام المسائي عن سعادته بالفوز بالجائزة وقال سعدت بنيل الجائزة التي تحمل اسم يوسف ادريس وهو أهم كاتب للقصة في عالمنا العربي وأحد أبرز من أرسوا دعائمها وبالاضافة الي قيمتها المادية للجائزة قيمة معنوية جاءت من لجنة التحكيم المحترمة التي تمنحها من بين اعضاء لجنة القصة بالمجلس الأعلي للثقافة والتي تضم ممثلين عن مختلف أجيال الكتابة الابداعية والنقدية ومن بين اعضائها يوسف القعيد وهالة البدري وابراهيم عبد المجيد والناقدان حسين حمودة ويسري عبدالله وأشار عبد الحميد الي ان المجموعة الفائزة كتبت خلال فترة زمنية تقارب الخمس سنوات بداية من عام2005 وحتي تاريخ نشرها أوائل هذا العام. وتعكس كتابات عبد الحميد صورة مبدع لايشغله النوع الأدبي بقدر انشغاله بأن يكون راضيا عن عمله, فهو لايبحث عن المدهش والجذاب ولاتركن كتاباته إلي مايسمي بالمقولات الكبري, لكنه يقدم لنا نصوصه القصصية في سلاسة ويخطف القاريء إلي عالمه السحري, كما لايكف عن اللعب بفنيات الكتابة دون النظر لقوانينها, فيتجاوزها ليكتب بقوانينه هو كما فعل في القصص التسع التي تتضمنها مجموعته قميص هاواي. في المجموعة يتنقل الكاتب مابين الفانتازيا واستخدام المفارقة إلي الكتابة بمنتهي الواقعية, كأنه يكسر كل توقعات القاريء ليظل تحت سطوة كتابته, هذا الخداع واللعب الفني يظهر في قصة مع كنجارو يبدأها ب عندما فتحت الباب, كان الكانجارو ممددا علي الأرض, يطرق الباب بذيله, وفي قصة العطش حين انقطعت المياه في كل أنحاء البلاد من المقاهي التي رفعت شعار لاتوجد مشروبات الجلوس بنصف جنيه والألعاب بربع جنيه والمحال والثلاجات واكتشافه أن مجري النيل خال.. طين جاف متشقق عطشان, أعشاب بنية وخضراء, قواقع تعفنت, مراكب راسية كحيوانات نافقة, وكان الناس سعداء. وتلفت قصة العطش انتباهنا إلي نقطة أهم هي انشغاله ككاتب بسؤال الاختيار عندما وضعنا السارد أمام سؤال في منتهي الصعوبة والحيرة أخرج وأعيش وأموت, أم أبقي وأموت وأعيش؟ ويري إيهاب في حديثه أن سؤال الاختيار سؤال أصيل في النفس الإنسانية منذ ظهور الانسان علي الأرض. كل اختيار هو معضلة, أو لغز كل اختيار يفتح بابا ويغلق بابا آخر في متاهة الحياة. الاختيار يواجهنا في كل يوم عشرات المرات, في أتفه التفاصيل وفي أكثرها أهمية. ولأننا لانعرف المستقبل, وليست لدينا فكرة عما تخبئه الأقدار, فنحن في أغلب الأحوال غير مؤهلين للاختيار. أقصد أننا مجبرون علي اتخاذ قرارات دون أن نعرف إن كانت ستجعلنا أكثر سعادة أم شقاء. ويركز ايهاب هنا علي صعوبة اتخاذ القرار نظرا للجهل بكيفية الاختيار ويضرب مثالا ب العطش قائلا الاختيار أمام الراوي في قصة العطش كان بين أن يدخل فيما يشبه البيات الشتوي ليحافظ علي مخزون المياه بجسده, فيعيش ميتا, أو أن يخرج إلي الشارع, إلي الحياة, فيفقد مخزون المياه ويموت. ويشير أيضا إلي مشكلة الاختيار في باقي قصص المجموعة ففي قصة مؤتمر الكمة الأفريكية اختيارات تافهة, لكنها تشغل العقل بالقدر نفسه, ولو للحظات أن يتجه الراوي يمينا أم يسارا. وفي قصة قميص هاواي يجد الراوي نفسه أمام خيار أن يحرق القميص السحري فيظل في عالمه إلي الأبد, أو أن يبقي علي ذلك الأمل المراوغ الذي ينقله إلي عوالم أخري, عادة ماتكون مماثلة في شقائها أما في مع كانجارو فالراوي يختار الاختيار السلبي, يختار التكيف مع ما أجبر عليه: أن يتنازل عن حياته المخططة وأن يحيا مع كانجارو. وعلي خلفية عدم تمسك إيهاب بشكل معين للكتابة رأي البعض ان المجموعة بها مساحة من الثرثرة لا تناسب كتابة القصة القصيرة وهذا ما رد عليه قائلا موضوع الثرثرة يتعلق بتطور إدراكي الخاص لفن القص. عندما بدأت كتابة القصة تعلمت أن التكثيف هو السلاح الأمضي في القصة القصيرة. وتلك قاعدة تلقي اتفاقا واسعا, لكن الفن أصلا شذوذ عن القواعد, ناجم عن صراع حقيقي مع تلك القواعد وليس عن مجرد المفاخرة بكسرها. الآن أنظر للقصة باعتبارها فضفاضة أكثر. لست مضطرا للتكثيف دائما, وأحيانا كثيرة أجد الراوي يريد أن يتحدث في أموره الشخصية. انها مساحة حرية جديدة اكتشفتها بعد جهد. وأظن أنني أتقنتها, بمعني أنني لم أستعرها جاهزة من كاتب ما, ولكني ابتدعتها بما يتناسب مع أسلوبي السردي. هكذا أعترف بالثرثرة, وأحب الثرثرة, وأظنها ممتعة, بل وأحيانا ما تكون مفجرة لأبعاد مهمة, قد تبدو للوهلة الأولي خارجة عن الحكاية الأساسية, لكنها تدور وتلف وتعود لتصب في المجري الرئيسي. وانتقالا من الثرثرة إلي الاعتناء بالتفاصيل والتي قال عنها إيهاب انه من أقل الكتاب الحاليين اسهابا أو اهتماما بالتفاصيل لكن كان للجنة تحكيم جائزة يوسف ادريس رأي آخر إذ ذكرت أن تميزت المجموعة باعتماد القصص فيها علي تراكم التفاصيل المرتبطة بحالة, أو بموقف أو بشخصية يسعي القاص إلي تصويرها, ويجعل من ذلك التراكم وسيلة لإثارة مشاعر القاريء أو الكشف عن وجه غير مرئي من الوجوه الشخصية المحكي عنها, ويحرص القاص علي تنويع التفاصيل دون أن يفقد الخيط الأساسي, قابضا علي لحظته القصصية ببراعة شديدة, بوصفها تقنية أساسية, واستخدام التنويعات السردية المختلفة, القادرة علي خلق مشهدية بصرية صافية. وعن الغرابة التي تظهر في أكثر من موضوع بالمجموعة نجد منها غرابة العلاقات الواقعية مثل قصة الكاتبة فجاء بها قال لي عوض إن أمه الرسمية في واقع الأمر وحقيقته وأمام الله هي خالته, وعليه فإن والده أمام الناس ليس إلا زوج خالته, وبالتالي فإن خالته هي أمه, وطبعا خاله هو والده, واستكمالا لشجرة العائلة قال لي عوض إن أخته هي ابنة خالته. وفي قصة البنت الفقيرة والشامبانزي الأمير العاشق يصنفها الكاتب كحكايات أطفال لكن بمجرد الانتهاء من قراءتها تكتشف ان بالعنوان خدعة فهي لاتنتمي لعالم الاطفال, لكنها أقرب إلي سخرية من حاله. وكان ايهاب عبد الحميد قد تسلم جائزته في حفل أقيم الاثنين الماضي بالمجلس الأعلي للثقافة حضره الدكتور عماد أبو غازي أمين عام المجلس الأعلي للثقافة ومجموعة من المبدعين وأعضاء لجنة القصة بالمجلس اضافة الي مقررها الكاتب خيري شلبي. تكونت لجنة التحكيم من تسعة أعضاءهم خيري شلبي, وإبراهيم عبد المجيد, وأبو المعاطي أبو النجا, ود سامي سليمان, ويوسف الشاروني, ويوسف القعيد, وسعيد الكفراوي, وهالة البدري, ويسري عبدالله, وأماني فؤاد. ونافست المجموعة الفائزة خمس مجموعات قصصية أخري صعدت للقائمة القصيرة من بين36 عملا قصصيا وهذه المجموعات هي: المنطقة العمياء لأسماء شهاب الدين, وشرفة بعيدة تنتظر للقاصة اللبنانية بسمة الخطيب, وقبل أن يعرف البحر اسمه لمحمد الفخراني وعفاريت الراديو لمحمد خير