قبل صعوده سلم الطائرة المتجهة من مطار أتاتورك بأسطنبول، إلي العاصمة الروسية »موسكو»، حث الرئيس التركي طيب أردوغان، أنصاره علي البقاء متظاهرين في الميادين، حتي موعد عودته من لقاء صديقه اللدود بوتين، وهي الزيارة التي وصفها مراقبون أتراك وروس وغربيون، بأنها بداية جديدة لتحالفات تركيا أردوغان مع العالم، بعد الانقلاب الفاشل في بلاده، والذي قلب الطاولة في وجهه داخليا وخارجيا، وجعله يفتش في أوراقه القديمة، ومنها عودة الدفء للعلاقات التركية- الروسية لسابق عهدها. والخيط المفقود حول عودة أردوغان لأحضان الدب الروسي، التقطته افتتاحية للصحيفة البريطانية فايننشيال تايمز، التي قالت إن هذه الزيارة قد تمثل شرخاً لا يمكن إصلاحه، في علاقات تركيا مع الغرب، ولو حتي في المستقبل القريب المنظور، فالعلاقات التركية- الأوروبية كانت قد مرت دائماً بتقلبات، ولكنها ليست بحجم هذه المرة، خاصة أن حليفه اللدود بوتين سعيد هو الآخر، من توجه تركيا أردوغان له، وأنه سينتهز تلك الفرصة للوقيعة بين تركيا وحلفائها الأوروبيين، وفي داخل حلف شمال الأطلنطي »الناتو» وأن ذلك قد يشكل تهديداً بشكل غير مباشر علي السياسات الأوروبية تجاه المشاكل والصراعات وبخاصة في منطقة الشرق الأوسط، وبالذات الحروب الدائرة في ليبيا وسوريا والعراق، والتي تتباين فيها المواقف الأوروبية مع الموقف الروسي. ومن جهة ثانية- رأت صحيفة مثل »الجارديان البريطانية»، أن توجه تركيا نحو روسيا، في صالح الغرب، فقد يكون بداية لتقارب روسي- أوربي تجاه الحرب في سوريا، وأن تركيا يمكن أن تلعب دور الوسيط، في منع تدفق اللاجئين السوريين عبر أراضيها لأوروبا، عن طريق تنسيق ما مع روسيا، يضمن هدوء الأوضاع في داخل سوريا، وتخفيف الحصار عن المدن مثل حلب، وبالتالي هدوء موجة التدفق منها لمدن الحدود السورية- التركية، كما أن ذلك التقارب يمكن أن يسهم في التوصل لحل سياسي بعيد عن الحل العسكري في سوريا، والحليف الرئيسي لها وهو روسيا، يمكن أن يكون الضامن لهذا الحل لدي نظام بشار الأسد، الذي مازال في جعبته الكثير من الأوراق التي يمكن أن يساوم عليها، علي أي مائدة تفاوض محتملة. أما صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية. فرأت أن التقارب الروسي- التركي، له مبرراته وأبرزها: تضييق الخناق علي أردوغان بعد الانقلاب الفاشل ضده، وشكوكه التي أعلنها من تورط جهات أوروبية لم يسمها، وإن كان ألمح لدول مثل »فرنسا وألمانيا في ذلك ولو بشكل غير مباشر، وهنا هو يتوجه لروسيا كرسالة رد علي الموقف الأوروبي والانتقادات التي وجهها الغرب له لإجراءاته التعسفية ضد معارضيه، وفي كل المؤسسات التي شملت التعليم والصحة والشرطة والجيش وأجهزة المخابرات والدولة، وتسريح مئات الآلاف من كل هؤلاء، بالإضافة لتوقيف عشرات الآلاف منهم، بتهمة غير واضحة ولا ثابتة، وهي الانضمام أو التعاطف مع حركة ألد معارضيه كولن، والذي اتهم بأنه كان العقل المدبر للانقلاب الفاشل ضده. وأردوغان- كما تقول الصحيفة- أراد أيضاً، أن يقول للغرب إنه شخص براجماتي- أي عملي- في تعاملاته في السياسة الدولية الخارجية وأنه يمكن أن يذهب لها بعد رحيله من موسكو، لتحقيق مصالح بلده، أما لماذا بدأ بموسكو فذلك لعدة أهداف أبرزها »عودة العلاقات خاصة الاقتصادية والسياحية والتي انقطعت بصورة ملحوظة، بعد إسقاط تركيا لطائرة روسية، وبعد انتقادات قاسية لبوتين من جانب أردوغان والعكس، ثم رسالة الاعتذار الشهيرة من أردوغان لنظيره بوتين، والتي أعطت الضوء الأخضر لعودة تلك العلاقات. وأردوغان البراجماتي- كما تقول الفايننشيال تايمز البريطانية- يدرك ذلك كله، ويمسك في يده بكل الخيوط، لإعادة العلاقات مع روسيا، التي ستفيده داخلياً، وإقليميا، ودوليا.