سألنا مرافقنا من المطار إلي الفندق الذي سنقيم فيه بمدينة أورومشكي الصينية عن الأديان في بلاده ، قال : أنا شخصيا لا أتبع دينا ، لكن أبي وأجدادي كانوا بوذيين. أما الأغلبية في مقاطعة شينج يانج التي عاصمتها هذه المدينة أورومشكي فهم مسلمون. الأديان في الصين موضوع يتكرر الحديث عنه باستمرار خاصة خارج الصين. أمريكا والدول الغربية دائما ما تنتقد الصين بشأن الحريات الدينية كما تنتقدها بشأن حقوق الإنسان. دول عربية مسلمة تنتقد الصين بهذا الشأن أيضا. لذلك جاءت زيارتنا إلي مقاطعة شينج يانج التي تضم أغلبية مسلمة فرصة لكي نعرف خلال جلسات الملتقي الإعلامي الدولي الذي أقيم لمدة عشرة أيام هناك ومن بعض أهلها المسلمين حقيقة ما يدور بشأن الحريات الدينية. داخل جلسات الملتقي كان التأكيد متكررا من جانب المشاركين الصينيين علي حرية الاعتقاد والانتماء إلي أي دين أو عدم الانتماء والتأكيد علي حرص الصينيين علي توفير الحرية الكاملة لجميع أصحاب المعتقدات الدينية علي اختلافها وتنوعها لممارسة عباداتهم دون قيود أو شروط ، هذا الحرص لنفي ما سبق من سمعة سيئة كانت قد ألصقت بالصين من قبل عن الاضطهاد الذي تعرضت له الأقليات الدينية. حرية الأديان في الدستور كل المناقشات التي دارت خلال الملتقي أكدت علي المبادئ التي يتضمنها الدستور الصيني بشأن حرية الأديان ومنها أن يتمتع كل مواطن بحرية الاعتقاد سواء كان يؤمن بدين أو ملة معينة أو لا يؤمن وسواء تحول عن دينه أو توقف عن اعتقاده بدينه. كما أكدت أنه ليس هناك منظمة أو جماعة أو فرد يمكنه أن يكره أو يخضع مواطنين علي الاعتقاد أو عدم الاعتقاد في أي دين أو التمييز بين المواطنين الذين يعتقدون أو لا يعتقدون في أي دين. أيضا لا تداخل بين الدين والسياسة ولا أحد يستخدم الدين لتحقيق مصالح سياسية أو اجتماعية حتي لا تتحطم وحدة البلاد ويضار التضامن بين العرقيات المختلفة ، كما أن الدين في الصين لا يخضع لأي سيطرة أجنبية وهو محمي ومدعوم من الحكومة وله حق الانتشار. وفي شينج يانج 6 أديان هي : الإسلام ، البوذية ، البوذية التبتية ، المسيحية ، الكاثوليكية ، الطاوية والأرثوذكسية. ويدين بالإسلام الغالبية في 10 مجموعات قومية ويعتنقه حوالي 8 ملايين نسمة. ويصل عدد أماكن العبادة في شينج يانج إلي حوالي 25 ألف مسجد وكنيسة ومعبد منها 24.400 مسجد و8 معاهد دينية أحدها لتحفيظ القرآن. وتحرص حكومة شينج يانج علي تسهيل قيام المسلمين بأداء فريضة الحج كل عام وتوفير طائرات شارتر لنقلهم والتكفل بالتأمين الصحي لهم خلال فترة الحج. كما أن للمطاعم أن تقدم الطعام بالطريقة الإسلامية أو ما يسمي " حلال " وعندما كنا نستفسر عن نوعية هذا الطعام أو ذاك كانوا يبتسمون ويؤكدون لنا أنه طعام حلال. شركاء في الدولة وبعد تأسيس جمهورية الصين الشعبية أصبح أبناء الأقليات القومية شركاء أساسيين في إدارة الدولة مثلهم مثل أبناء قومية ( هان ) أصحاب القومية الغالبة في الصين ، الآن أصبح الجميع يتمتع بكافة الحقوق المنصوص عليها في الدستور بصورة متكافئة. كما يتبادل الناس الاحترام للخصوصية في اختيار الدين حيث وضعت الحكومة الصينية ونفذت سياسة حرية الاعتقاد الديني وينص الدستور علي أن مواطني جمهورية الصين الشعبية يتمتعون بحرية الاعتقاد الديني ولا يحق لأي من أجهزة الدولة أو المنظمات الاجتماعية أو الأفراد إرغام أي مواطن علي الاعتقاد بأي دين أو عدم الاعتقاد بأي دين ولا يجوز التعصب ضد أي مواطن يعتقد بأي دين أو لا يعتقد به كما ينص الدستور علي أن الدولة تحمي النشاطات الدينية الطبيعية. ليس هذا فقط بل منحت الصين حق الحكم الذاتي لبعض المناطق التي تتمتع بأغلبية تخالف قومية الهان ومنها الإسلام حيث تتمتع منطقة شينج يانج بأغلبية مسلمة منحتها حق الحكم الذاتي وذلك من خلال تشكيل لجان دائمة للمجالس الشعبية بالمناطق التي تطبق نظام الحكم الذاتي ووفقاً للقانون يجب أن يرأس هذه اللجان مواطنون من القوميات التي تطبق نظام الحكم الذاتي وكذلك نوابهم ورؤساء المناطق والولايات والمحافظات كما تفرض القوانين تزويد أعضاء الحكومات الشعبية بأعضاء من القوميات التي تطبق نظام الحكم الذاتي ويحق للمجالس الشعبية أن تضع القوانين واللوائح الخاصة بالإقليم وفي حالة وجود تعارض مع تعليمات أجهزة الدولة يتم إيقاف تنفيذ هذه اللوائح أو تطبيقها بشكل مرن لا يتعارض مع المصالح العليا للبلاد كما تتمتع المناطق التي تطبق نظام الحكم الذاتي الإقليمي باستقلال مالي واقتصادي مع حقوق التنمية المستقلة للتعليم والعلوم والتكنولوجيا والثقافة وحق استخدام وتطوير اللغات المنطوقة والمكتوبة. أديان وقوميات تعداد السكان في منطقة شينج يانج حوالي 23 مليون نسمة منهم 47% إيجور مسلمون و8% هان مسلمون وتتنوع بقية النسبة بين القرقيز ،المونجول ، الطاجيك ، الكازاك ، الهوي ، الأوزبيك ، الروس ، الماشو ، الأتشيبه والتتار وبعض القوميات الأخري. لذا أصبحت المنطقة من أشهر المناطق التي تتميز بالتعايش والانسجام بين الأديان المختلفة منذ القدم وحتي من قبل دخول الإسلام حيث تتعايش البوذية مع الذوروستورنية مع المسيحية مع التاوية والنستوريزم. ويسمح في شينج يانج باستخدام اللغة المحلية للإقليم والتي تكتب بحروف عربية. بعد دخول الإسلام إلي المنطقة مع نهاية القرن التاسع الميلادي، دخلت شينج يانج مرحلة من التعايش السلمي والانسجام بين الإسلام والأديان الأخري. ويعد الإسلام أكبر الديانات من حيث الأتباع في المنطقة، ومعتنقوه من عرقيات قومية مختلفة، التي تعد أوسع أو أكبر الجماعات العرقية في شينج يانج، وهم الإيجور ، الكازاك ، الهوي ، القرقيز ،الطاجيك ، الأوزبك ، التتار ، دونجشيانج ، سالار وبوان ، لذلك فإن الإسلام والمسلمين هم أهم ما يميز ملامح المنطقة، وهو الأساس الصلب أو المتين لأغلب أهالي شينج يانج . وهناك عدة طوائف إسلامية في شينج يانج، فالإيجور والقازاق والهوي والأوزبك والتتار والقوميات العرقية الرئيسية الأخري سنية، في حين أن الطاجيك والكيرجيز هم من الشيعة، وهناك صوفيون من الأوزبك والإيجور، ويمثل عيدا الفطر والأضحي أكبر احتفالات المسلمين في شينج يانج، بالإضافة إلي الاحتفال الكبير بمولد النبي محمد صلي الله عليه وسلم. وصلت المسيحية إلي شينج يانج عبر البعثات التبشيرية الأجنبية، خاصة في عهد جوانج، وبعد أن أصبحت السيطرة الغالبة للإسلام في المنطقة، بدأت المسيحية في التراجع، وحاليا توجد كنيستان للمسيحيين في مدينة أورومتشي عاصمة إقليم شينج يانج ويوجد في أورومتشي 25 ألف مركز للعبادة منها 24 ألف مسجد للمسلمين وهناك حوالي 29 ألف شخص يعملون في دور العبادة علي اختلافها. زيارة للمساجد وقد حرص منظمو الملتقي علي تنظيم زيارة لنا لعدد من المساجد بالمنطقة علي رأسها المسجد الكبير بأورومتشي واسمه مسجد البيت المعمور ويقع في قلب المدينة ويتسع لآلاف المصلين حيث التقينا بإمام المسجد الشيخ " محترم شريف " وبقية مشايخ المسجد حيث أكد لنا الشيخ محترم والذي ورث إمامة المسجد عن والده أن المسلمين في هذه المنطقة يمارسون شعائرهم بكل حرية مؤكدا أن المسجد يشهد بالإضافة للصلوات الخمس العديد من الندوات الدينية وكذلك الاحتفالات في الأعياد الإسلامية كما يشهد تجمع المسلمين طوال شهر رمضان للإفطار سويا في مأدبة كبيرة تسعهم جميعا كما أن صلاة التراويح في شهر رمضان يصل عدد المصلين فيها إلي حوالي ألف مُصل.