كل التطورات الاخيرة في تركيا تؤكد أن العلاقات التركية الغربية علي الاخص بين أنقرةوواشنطن لن تبقي علي ما كانت عليه قبل محاولة الانقالاب الفاشل في تركيا .. ردود فعل انقرة بعد الانقلاب كشفت عن هوة واسعة بين تركيا وحلفائها الغربيين واوجدت قناعة بين الاتراك ان امريكا وراء محاولة الانقلاب.. كما ان اماطة اللثام عن احداث الانقلاب غذت نظريات المؤامرة حتي وان كانت غير حقيقية، الا انها تبدو مقنعة للاتراك وتشجع العداء لامريكا وهو عداء كان كامنا نتيجة احداث كثيرة في تاريخ علاقات بين البلدين ولكن قفز بشكل متزايد علي السطح مؤخرا. بالنسبة للكثيرين في تركيا فإن رد فعل الحكومات الغربية علي الانقلاب كان فاترا وتمثل في قيام عدد قليل من الحلفاء الغربيين بزيارات تضامن في أعقاب المحاولة.. علي الرغم من حقيقة أنه في ليلة الانقلاب لقي 250 شخصا مصرعهم وتم تفجير البرلمان من الجو في نفس الوقت الذي وجه فيه وزراء خارجية الاتحاد الاوروبي كثيرا من التحذيرات المنتقدة لانتهاكات حقوق الإنسان، حثوا فيها أنقرة علي الالتزام بالديمقراطية وسيادة القانون.. ومضمون هذه الرسائل قد يكون حقيقيا ولكن توقيتها بعد ساعات من الانقلاب ظهر متنافرا مع المزاج الداخلي. فبعد سنوات من قيام اردوغان باجراءات مناهضة للديمقراطية فإن عدم تعاطف بعض الاوروبيين والامريكيين يبدو مفهوما الا انه يفتقد أيضا نقطة وهي ان الكثير من الأتراك يشعرون بفشل الغرب في ادراك كيف يمكن ان تسير الامور إلي الاسوأ إذا نجح الانقلاب. ورغم إلاجماع في تركيا علي دور أتباع فتح الله جولن المقيم بامريكا في الانقلاب.. الا ان كثيرا من المراقبين الغربيين يشككون في ذلك رغم الأدلة التي ظهرت وتشير إلي وجود دور ما، ولذلك فهناك احباط في تركيا بسبب إصرار واشنطن علي ايواء رجل تعتبره أنقرة إرهابيا. وهناك احباط امريكي متبادل لعدم وجود دليل مباشر لدي تركيا يربط جولن بمحاولة الانقلاب.. الخلافات حول القضية احدثت صدعا بين البلدين. وفي الوقت الذي يري فيه العديد من الأتراك، اتباع جولن كجبهة للمخططات الأجنبية سيئة النية. يري جراهام فولر ضابط عمليات وكالة المخابرات المركزية السابق في تركيا العكس تماما حيث كتب تقريرا لصحيفة هافنيجتون بوست بعد أسبوع من الانقلاب يبرئ جولن. وكان فولر بين المسئولين الذين ساهموا في حصول جولن علي الاقامة الدائمة في امريكا عام 1999 وهي تفاصيل التي لم تفت علي العديد من الأتراك. وبعد ان كانت وسائل الاعلام التركية الموالية لاردوغان تلمح عن دعم امريكا لمحاولة الانقلاب - فعلي سبيل المثال ظلت صحيفة يني شفق الاسلامية الموالية للحكومة لأيام تزعم أن الجنرال الامريكي المتقاعد جون كامبل هو العقل المدبر للانقلاب وذكرت صحف أخري أن شرطة مكافحة الارهاب في اسطنبول تلاحق هنري باركي مدير برنامج الشرق الأوسط في مركز وودرو ويلسون- فان تصريحات المسؤولين الحكوميين اصبحت أكثر جرأة يوما بعد يوم. فقد المح وزير العدل بكير بوذداج أن الاستخبارات الأمريكية تعرف ان محاولة الانقلاب قام بها جولن ، وقال بينالي يلدرم رئيس الوزراء التركي في مقابلة مع صحيفة الجارديان » علامات استفهام عن مدي إمكانية دعم امريكا لمحاولة الانقلاب. وركب الرئيس أردوغان نفس الموجة وهاجم الجنرال جوزيف فوتيل قائد القيادة المركزية الأمريكية في الشرق الأوسط، واتهمه بأنه ينحاز لمدبري الانقلاب. وكان الجنرال فوتيل قد انتقد احتجاز السلطة التركية لعدد من العسكريين الأتراك الذين تعاونت معهم امريكا في حربها ضد الإرهاب. كما انتقد العديد من الأتراك أيضا التغطية الإعلامية لمحاولة الانقلاب في الغرب.. ففي الوقت الذي كانت لا تزال فيه المحاولة جارية انصب اهتمامهم علي تحليل ما ستفعله حملة القبضة الحديدية المتوقعة لأردوغان وهي اجراءات كانت قاسية بالفعل : تم احتجاز عشرات الآلاف بواسطة الشرطة واعلنت الدولة حالة الطوارئ وسمحت بمزيد من الاجراءات العقابية بما في ذلك تعليق تركيا لالتزاماتها بموجب الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان واعتقلت صحفيين واكاديميين. وذكرت منظمة العفو الدولية مزاعم تعذيب واعتداء جنسي علي المعتقلين. ويري الكاتب ويليام ارمسترونج ان عدم تركيز وسائل الإعلام الغربية علي تلك الاحداث والتركيز علي تزايد قبضة أردوغان علي السلطة، ترك طعما مرا حتي بين أشد المنتقدين لاردوغان داخل تركيا. ولذلك فان الاثار الاكثر خطورة من محاولة الانقلاب هي النتائج المترتبة علي علاقات أنقرة مع حلفائها الغربيين والتي تشهد توترا واضحا. يعكسه التلاسن المتبادل بين مسؤولي الطرفين. ففي حين يندد الأوروبيون والأمريكيون بالحملة الأمنية التي تشنها أنقرة علي داعمي الانقلاب، يري المسؤولون الأتراك أن الأوروبيين والأمريكيين لم يظهروا التعاطف الكافي ويولون اهتماما بمصير الانقلابيين أكثر من اهتمامهم بالديمقراطية التركية.كماان المزاج الحالي في تركيا يشير إلي أنها قد تسير إلي نقطة تحول حرجة بعد ان اصبح موقف امريكا بشأن تسليم جولن لتركيا لمحاكمته هو ما قد يحدد شكل العلاقات المستقبلية بين الحليفين الرئيسيين..رغم ان تركيا عضو في حلف الناتو وتعد شريكا هاما لامريكا في حربها ضد التنظيمات المتطرفة. وتستضيف قاعدة »إنجرليك» الجوية التركية عددا من الجنود والمقاتلات الأمريكية تستخدمها واشنطن في استهداف تنظيم داعش في العراق وسوريا.