هذا الحوار عمره 12 عاما، ولم ينشر ورقيا من قبل، أجريته مع المخرج الراحل محمد خان في الزمن الذي صعدت فيه ما تم تسميته وقتها ب »سينما الشباب » لتجبره علي عزلة دامت سنوات قبل أن يتمكن من العودة مرة أخري من خلال «بنات وسط البلد» وفي» شقة مصر الجديدة» ليعيد التأكيد علي مدرسته التي تركت بصمة واضحة في مشوار السينما المصرية. في الوقت الذي أجريت فيه الحوار كان خان قد أنجز فيلمه «كلفتي» من خلال كاميرا ديجتال، عمل للتجريب والمقاومة أيضا، مثل أبطال أفلامه الذين لا يستسلمون لحصار الواقع القبيح. درس خان السينما في لندن وعاد إلي مصر ليعمل في كتابة السيناريو مع الشركة المصرية العامة للإنتاج السينمائي التي رأسها صلاح أبو سيف، براتب قدره 20 جنيها وكان أول أعماله «الفراغ» والذي لم يتم تنفيذه، وبعد فترة شعر أنه تحول إلي موظف فاستقال ليتفرغ للفن، سافر إلي بيروت ومكث بها لمدة عام عمل خلاله في أفلام «تافهة جدا» علي حد وصفه خلال الحوار. بعدها عاد إلي لندن مقتنعا بأنه فاشل في مجال السينما فانتقل للعمل بالتجارة، لكنه لم ينس شغفه: «انتحلت صفة صحفي لأتمكن من حضور الحفلات السينمائية مجانا، وكنت أراسل مجلة سينمائية في مصر اسمها ألوان..نشرت لي عدة مقالات». التقي خان في لندن بالمونتيرة نادية شكري وكان ذلك نقطة تحول أساسية في حياته المهنية، فقد أقنعته بالعودة لمصر (نهاية السبعينيات) خاصة أن ظروف الإنتاج ميسرة، وصادف أنه كان يفكر في فيلم «ضربة شمس» وفي مصر التقي بنور الشريف الذي أنتج الفيلم إضافة لقيامه بدور البطولة، وحقق العمل نجاحا كبيرا.. ما ضمن لخان الذي قال فيما بعد أنه «يحلم بشخصيات أفلامه» باستمرار. - بعض النقاد يقولون انك انحزت في أفلامك للغة سينمائية علي حساب الموضوع وأنك لم تهتم بالجمهور إلا بقدر ضئيل.. أنت قلت سابقا انك لا تهتم بالجمهور بدرجة كبيرة.. كيف ذلك والسينما فن جماهيري في الأساس؟ لا أحد يستطيع القول إنه لا يهتم بالجمهور، لكن هناك فرقا بين القول أنك لا تهتم بالجمهور والقول بأنك لست «ترزيا» يصنع ما يريده هذا الجمهور فقط، أنا أصنع فيلما أصدقه وأشعر به علي أمل أن يكون بين الجمهور من يبادلني نفس الشعور، من المستحيل إرضاء الجميع. وعندما أتأمل هذا النقد الموجه لأفلامي الآن أري أنه غير صحيح لأن أعمالي، سواء بقصد أو من غير قصد، رصدت الواقع بدقة بمعني أنه عندما نري فيلما مثل «أحلام هند وكاميليا» أو «زوجه رجل مهم» أو» خرج ولم يعد» أو حتي فيلم مثل «مشوار عمر» سنري أنها رصدت ما يحدث في المجتمع وقدمت نماذج منه. يشعر من يشاهد أفلامك أنها تنقسم لمرحلتين مختلفتين، الأولي كنت مولعا فيها بأفلام الحركة ونري مثالا عليها في: ضربة شمس، الرغبة، الثأر، والثانية تحولت فيها إلي أفلام تعالج الواقع الاجتماعي، مثل: خرج ولم يعد، أحلام هند وكاميليا، سوبر ماركت.. هل تري هذا التحليل صحيحا؟ هذا ليس تحولا. دعني أقول لك أني لا أحب «ضربة شمس» كثيرا رغم أن هناك كثيرين يحبونه، لكني أري الآن أنه فيلم ساذج، أو انه كان بالإمكان أن يكون أعمق، لكني وقتها كنت استعرض عضلاتي. كنت أقول » شوفوا أنا ممكن أعمل إيه » إنما أيضا أكون كاذبا لو قلت لك أني دخلت السينما وفي ذهني رؤية لما سأقدمه، لم تكن عندي أيديولوجيات ما، ونجاحي إن كان موجودا يعود في تقديري لأني أدخلت التجربة الحياتية في عملي، كنت أريد أن اعمل أفلاما عن بني آدمين أكثر ما كنت أريد تقديم حواديت، ومعظم أفلامي تبدأ هكذا بفكرة عن شخصية. الفترة الأولي وبعد » ضربة شمس » و» الرغبة » كانت تأتيني سيناريوهات لأفلام اكشن كنت أرفضها، تدريجيا وبعد «طائر علي الطريق » بدأت أعرف ما الذي أحب عمله، الشخصيات هي أكثر ما يستهويني، ومازلت للآن أشعر أن هناك شيئا ما ناقصاً في عملي، شخصية ما مثل تلك التي قدمها جاك نيكلسون في فيلم أروع اللحظات ». بما أنك ذكرت نيكلسون، دائما ما يراودني الشعور بأن النجم المصري مختلف تماما عن النجم الأمريكي أو الغربي عموما، فذلك يمكنه تطويع نفسه لصالح العمل، هذا ما لا يستطيعه النجم المصري مثلا.. كيف تتعامل مع الممثلين؟ كان هناك اتهام وجه لي بأني لا أهتم بالممثل لكن هذا غير صحيح، أحاول دائما أن أجعل الممثل يعيش الحالة التي أريدها منه، الفكرة هي كيف تضحك علي الممثل، أحيانا يحب النجم الشعور بأن ما قام به كان فكرته هو، وهذا لا يضايقني، لا توجد مشكلة، المهم أنه وفي النهاية لابد أن تظهر علي الشاشة الحالة التي أتمناها، غير هذا لم يكن عندي مشاكل إطلاقا في التعامل مع النجوم. فارس المدينة يقدم مرثية لأم كلثوم وزوجة رجل مهم يقدم مرثية لعبد الحليم، وعادة تعارفنا علي أن من يقع في هوي أم كلثوم لا يحب عبد الحليم، والعكس، ما الذي يجمع بينهما بالنسبة لك؟ عبد الحليم موجود في كل أفلامي، وهو في زوجة رجل مهم كان إشارة لنهاية فترة الرومانسية، انتهت بسيطرة تلك الشخصية الفاشية، وفي فارس المدينة كان وجود أم كلثوم رمزا للأصالة، وفي فيلمي الجديد » كلفتي » استخدمت شرائط الميكروباصات، مطربين قد لا تسمع عنهم، استخدمتهم للتعبير عن مناخ هذه الأيام. «يوسف وزينب» عمل غريب وسط الأعمال التي قدمتها، تم تصويره في جزر المالاديف.. ماهي القصة وراءه؟ لم يأخذ هذا الفيلم حقه أبدا، تم عرضه في أسبوع واحد، هو فيلم يتكلم عن الانتماء، وهو إنتاج مالاديفي. البعض قال إنك أخرجته مجاملة لصديقك مأمون عبد القيوم رئيس هذه الجزر.. وقيل كلام أسخف من هذا كذلك، أولا هو مؤمن عبد القيوم رئيس جمهورية المالاديف، وقد كنا ولا نزال أصدقاء منذ فترة الشباب، وكان يعرف أبي وأمي، هم كانوا خمس أو ست أفراد جاءوا للتعليم في مصر، والدي كان باكستاني الأصل، وكانت الجالية الباكستانية تحتضن هذه المجموعة، ومن هنا عرفنا بعضنا ثم افترقنا هو أصبح رئيس جمهورية وأنا مخرج. ذات مرة كان في زيارة رسمية للبلد فاتصل بي، مازحني قائلا أنه رئيس جمهورية ومع ذلك فأنا أكثر شهرة منه، وعرض علي أن إخراج فيلم في بلده، بدأت المسألة هكذا، وافقت وأخذت الأمر بجدية، في أول رحلة إلي هناك اصطحبت معي السيناريست بشير الديك، درست الموضوع وقلت لهم بصراحة أنهم لن يربحوا من وراء الفيلم، فلم تكن هناك خدعة إذن. المالاديف عبارة عن 1200 جزيرة كلهما في البحر، يعيش السكان علي 200 جزيرة، عندهم تلفزيون محلي، وهذا الفيلم يعد أول فيلم في تاريخهم، تنفيذه كان صعبا، العثور علي ممثلين مالاديفيين كان عسيرا، لم تكن لديهم معدات كافيه، فأتيت بفريق من مصر وآخر من سريلانكا واخترنا أن تكون المعامل في الهند، وفي النهاية خرج الفيلم، ولا أقول أنه فيلم عظيم إنما تجربه لا أخجل منها. فلماذا لم تفكر أن تكون هناك أعمال أخري تخرج فيها عن الإطار المحلي وخاصة أنك قضيت فترة في الخارج ولديك معرفه باتجاهات السينما العالمية الحديثة؟ بعض الناس يسألونني للآن ما الذي أتي بك من لندن؟! عندما عدت كان عمري 21 سنة، كان بامكاني بعد تخرجي من مدرسة لندن العمل في أي معمل هناك والحصول علي عضوية النقابة، كان السفر لأمريكا متاحا أيضا.. إنما تفكيري دوما أنه لابد أن اصنع سينما في مصر. اعتقد أن أفلام جيلي كله لم تأخذ حقها لأسباب غاية في السذاجة، منها سوء المعامل، سوء الصوت. أفلامنا لها قيمتها، واشتركت في مهرجانات عديدة إنما كان ينقصها التسويق، كنا مظلومين، غير أني أؤمن أن هذه الأفلام ستعيش أطول من غيرها. أعود إلي سؤالك: رغم أني فضلت العودة إلا أنني كنت آمل أن أصنع فيلما في لندن، أعرف هذه المدينة جيدا، كنت أرغب في تقديم فيلما عن مصري في لندن. كان هناك كذلك مشروع لعمل فيلم في باريس، كان مشروعي أنا وعلي الشوباشي رحمه الله، عنوانه «ووكمان» عن مصري يعيش في فرنسا، غير أننا لم نتمكن من الحصول علي تمويل له. وهذه الأيام أرسل لي أحد الأصدقاء فكرة أعجبتني، سائق تاكسي جزائري وإرهابي أمريكي، ينسي الاهاربي قنبلة في التاكسي فيدان الجزائري ثم تتطور الأمور. أنا في الحقيقة مستاء جدا لأن الفن دائما ما كان له عبر التاريخ حظ التمويل والرعاية، إلا السينما العربية، في الخارج توجد مؤسسات وظيفتها منحك النقود لتصنع فيلمك. يعني أفتكر أن المرة الأولي في حياتي التي يطرق فيها بابي شخص عارضا تمويل عمل لي كانت سيدة مصرية تتبع مؤسسة «فورد فاوينديشن» قالت نريد أن نضع مالا في نشاطك، لم يحدث هذا قبلا، لا توجد عندنا مثل هذه المؤسسات التي تساعدنا، لهذا نلجأ للخارج طوال الوقت، البلاد العربية فيها أموال لا تحصي ويتم صرفها في أشياء عديدة إلا الفن، وأنا لا أطلب فلوسا بلا مقابل. المرة الوحيدة التي اقترضت فيها من البنك وبدون ضمان كان لأن البنك يرأسه د. حازم الببلاوي وهو اقتصادي عظيم، منحني البنك 200 ألف جنيه ولما تعثرت في السداد طلبني الببلاوي في مكتبه وقال لي انه يعرف الظروف ولهذا يمنحني سنة مهلة كانت ديوني للبنك قد وصلت إلي 128 ألف جنيه، لهذا عملت زيوم حار جداس وأعدت 100 ألف للبنك فحذفوا لي الباقي وقال لي الببلاوي يومها جملة لا أنساها زمن يريد إعادة الفلوس أهم عندي من القادر علي الإعادة،كانت تلك المرة الوحيدة لأنهم توقفوا عن ذلك لأنهم "أتأذوا" في تجارب أخري. تجربتك مع الإنتاج لم تكن جيدة علي الإطلاق..أليس كذلك؟ حتي اليوم لم أكسب من ورائها شيئا اشتركت في انتاج فيلم «الصقر»وانضحك عليّ، ثم أنتجت مع أفلام الصحبة فيلم الحريف ولليوم لم نكسب منه مليما فهناك مشاكل عديدة تحاصره، لا يعرض في أي قناة فضائية، نحن ننتظر إلي أن يأتي له سعر جيد من أجل ورثة عاطف الطيب لأنه كان شريكا لنا. أخذت قرضا من البنك لإنتاج فيلم فارس المدينة ولم أكسب من وراؤه 500 جنيه، ثم عملت فيلم «يوم حار جدا» لأسدد ديونه. لكن مع هذا أريد أن أقول لك إننا كنا ننتج أفلاما نريد أن نصنعها. الموزع هو الذي كان يكسب من وراء الأفلام. بمناسبة «الحريف» يبدو هذا الفيلم خارجا عن سياق عملك بشكل ما، الفكرة لم يكن لها أبعاد، رحلة لاعب كرة قدم مغمور.. إضافة لأن بطله عادل إمام النجم الجماهيري الأشهر والذي يبدو عصيا علي التطويع ليصبح أحد مفردات العمل كما تفعل في أفلامك. اختلف معك في هذا، الشخصية الرئيسية في هذا العمل لها أبعاد عديدة ليست مجرد قصة شعبية، وبالمناسبة هي شخصية حقيقية، شخص اسمه سعيد الحافي كان يعمل في شركة النيل للكبريت وكان مشهورا بلعب الكرة الشراب وهو حافي، مقابل فلوس، الفكرة جذبتني جدا وأعتقد أنها كانت مختلفة لدرجة أني عندما قابلت نيازي مصطفي قال لي: اعمل منذ خمسين عاما وفاتتني قصة «الكره الشراب». وكيف تعاملت مع عادل إمام في هذا الفيلم. عادل لا يحب هذا الفيلم، رغم أنه من أحسن أدواره! لماذا لأنه لم يكتف فيه بمجرد إضحاك الجمهور! هذا ما أسألك عنه.. كيف تعاملت مع ممثل أداءه وانفعالاته لا تتغير تقريبا في كل الأفلام؟ عادل إمام ممثل له خبرة وتجارب علي المسرح وفي الحياة، وهو إنسان ذكي جدا، لما تضعه في شوراع وحواري بيبدع الشخصية، يشربها، يعيشها، التصوير في الأماكن الحقيقية يؤثر علي الممثل ونحن اخترنا أن تكون كل الأماكن في الفيلم واقعية فمثلا المشاهد التي رأيتها بالفيلم داخل مصنع أحذية هي بالفعل داخل مصنع أحذية. في قراءة ما فإن ززوجة رجل مهمس فيلم سياسي، يحلل الشخصيات التي عاصرت فترة السبعينيات، ويرصد أحداث 18، 19 يناير ليدين الزمن الذي عاشوه لكن المتفرج لم يفهم بالضبط لأي جانب تنحاز في أحداث 18، 19 يناير؟ أوافق علي أنه فيلم سياسي علي أن يكون ذلك في قراءة ما، هذا الفيلم بدأ بتجربة شخصية: كنت مع زوجتي وأولادي في السيارة حدث احتكاك مع شخص في الطريق، نزل من عربته وسبني بشكل بذيء أمام زوجتي ودون أي داع، ثم ضربني في صدري، من الطريقة التي كان يتصرف بها عرفت أنه من البوليس، تطور الأمر ليصل إلي قسم الشرطة، هناك أجبرته في القسم علي تقديم اعتذار رسمي. هذه التجربة كانت بداية تفكيري في الشخصية الأساسية في»زوجة رجل مهم» مرت الأيام وعرض الفيلم في مهرجان القاهرة السينمائي، كان هناك شخص عرفني بنفسه علي أنه مدير الأمن وكان هو نفس الشخص الذي حكيت لك عنه، قلت له أمام زملاءه أنت سبب تقديم هذا الفيلم. بعد هذا علمت أن الفيلم يتم تدريسه في كلية الشرطة كنموذج لما ينبغي ألا يكونه رجل البوليس. الفيلم لم يخرج بسهولة فبعد كتابته وأخذ موافقة الرقابة طلبت مباحث أمن الدولة مقابلتي أنا ورءوف توفيق الذي كتب السيناريو، سألونا لماذا هذا الفيلم تحديدا؟ حدثت تعقيدات، وبعدها قابلنا رئيس مباحث أمن الدولة، كان رجلا متفتحا جدا، وعلي الرغم من أن التقارير المكتوبة عن السيناريو كانت مخجلة إلا أنه تجاهلها، وأعطانا النور الأخضر لنصنع الفيلم غير أنه طلب رؤيته بعد الانتهاء منه، وحدث بالفعل وكانت ملاحظته الوحيدة أن أحداث 18، 19 يناير بالفيلم لم تتضمن التخريب الذي قام به الجمهور في الشارع، وافقته وقدمت مشهدا لجمهور يحرق عربة، بخلاف هذا لم يكن هناك أي تدخل وبدون معاونة الجهات الأمنية لم يكن له أن يتم، لكني أعتقد أنني لو أردت عمل هذا الفيلم اليوم لن أستطيع! لماذا؟ ليس لقلة حرية التعبير، إنما سيقال: مراعاة الوضع الحالي والاتجاه الحالي وكلام من هذا القبيل. في هذا الفيلم أنت أدنت الجميع: السلطة والجمهور فالكل حسب رأيك مسئول عن أحداث 18، 19 يناير. صحيح، وفيلم «السادات» أيضا لمس نفس النقطة، السادات تراجع عن رأيه بعد ذلك في هذه الأحداث. فيلم السادات عمل تسجيلي ليس به وجهة نظر بخلاف أفلامك الأخري. لا، أنا أخالفك في هذا فما جذبني لتقديم السادات هو شخصيته فهي شخصية درامية من الطراز الأول، وعلاقتي امتدت بها لمدة خمس سنوات قبل تنفيذ المشروع، ثم تركت العمل وعدت إليه مرة أخري بناء علي طلب أحمد زكي، وكان السيناريو قد تم كتابته في الفترة التي تركت فيها العمل به. عندما أنظر للفيلم الآن اشعر أنه منقسم لجزأين الأول هو المثير جدا لأنه يتضمن حياة الشخصية، لهذا كنت أتمني أن يتضمن الجزء الثاني لمحات من حياته أيضا لكن الوقت لم يكن كافيا، لهذا خرج الفيلم جافا قليلا. لم يحدث أن تدخل أحد من خارج طاقم العمل لتغيير أو تعديل شئ بالعمل، عائلة السادات نفسها لم تتدخل بل علي العكس ففي إحدي الجلسات طلب أحد أفراد العائلة أن يتضمن الفيلم وجهة نظري عن السادات وأنا لم أكن أريد أن أصنع فيلما مع أو ضد. الفيلم مبني كسيناريو علي رؤية السادات للأشياء، دفاعه عنها، لحظات اتخاذه لقرارته، كانت الكاميرا تطل عليه من هذه الزاوية، وبالتالي لا يمكن أن يكون تسجيليا، لأنه دراما لهذا الطفل والفلاح وكفاحه حتي أصبح رئيسا. إنما أحمد زكي يقول لي الآن أننا نريد أن نعمل نسخة أقل زمنيا لكي يتم تسويقه في الخارج وهذا أنا طلبته في البداية ولم يستمع أحد لي. كيف تري العلاقة بين العمل الذي تقوم علي تنفيذه والمكان، دائما كل فيلم من أفلامك ينتمي لمكان ما يصبح علامة عليه..ما الذي يحكم اختيارك للمكان؟ دائما تلفت الأماكن نظري، أذكر أني كنت أسير يوما في شارع التوفيقية فقابلت حارة صغيرة جدا، مجرد «زنقة» بين بيتين، ظلت في ذاكرتي حتي جاء تصوير «يوم حار جدا» فصورت مشهد هروب البطل بها. صراعي دائما علي الأماكن التي لم يتم تصويرها قبل ذلك، مديرو الإنتاج عندما تقول لهم أريد شقة يأتون لك بقائمة تضم الأماكن التي يتعاملون معها، أنا لا أعمل بهذه الطريقة، عادة انزل مع مدير الإنتاج، نسير ونبحث وعندما يلفت أحد الأماكن نظري يصعد هو محاولا الاتفاق مع أصحابه. مشاهد أفلامك تبدو وكأنها مرسومة، عبارة عن لوحات.. هل تتخيل المشاهد قبل تصويرها؟ أقوم بالتحضير طويلا قبل أي فيلم، تفاصيل المشاهد دائما معقدة وتفكيري هو كيف سأحلها، موهبتي الحقيقة هي في اختيار المكان الذي أضع به الكاميرا لا توجد عندي مشكلة في ذلك، بعض المخرجين يحتارون في اختيار الأماكن التي ينبغي للكاميرا أن تكون بها. أنا أيضا استخدم خاماً قليلاً، أتعجب عندما أسمع أن البعض يستخدم 300 علبة خام، لا اذكر أني استخدمت في أي من أفلامي أكثر من 110 علب خام، بخلاف السادات استخدمت 170 علبة. اشعر دوما أن استخدام الأفلام الخام بكثرة يعني عدم استعداد المخرج لعمله، نأخذ هذا المشهد وهذا وذاك ثم نري بعد ذلك، أنا لا أفعل هذا إطلاقا. هذا يعني أن دور المونتاج في أفلامك محدود؟ لا المونتاج يمنح الفيلم حسا وإيقاعا، ما أقصده أني أعرف تسلسل الفيلم، أراه قبل التصوير. شخصياتك في أعمالك هي بشكل ما جزء منك، نشعر بذلك من خلال حديثك فما الذي تسعي إليه من خلال هذه الشخصيات؟ ما هو الحلم الأبعد؟ هي لا يمكن أن تكون جزءا خالصا مني لأن الحرية عندنا ليست كاملة، لا تستطيع أن تتناول الشخصية من الناحية الجنسية، الدينية، السياسية، بصدق وبشكل مفتوح، ولأن هذا واقعنا ونعرفه فنتعامل بحذر مع الأشياء، وغياب الحرية الكاملة يمنع أفلامنا من الوصول للعالمية. هناك مشاكل كثيرة تواجهنا، إذا قدمت فيلما عن محام تشتكي نقابة المحامين أو نقابة الأطباء إذا تعلق بطبيب، أو لابد أن تراه وزارة الداخلية لكي توافق علي مضمونه، أمامنا فترة قبل أن نمتلك هذه الحرية. أنت واحد من أشهر المخرجين الذين لم يلجأوا للروايات لتقديمها للسينما هل هناك أسباب لهذا العداء؟ الفكرة أني لست مترجما، قد يكون في الرواية ما يلهم لكني لا أرغب الالتزام بتسلسلها، أحب أكثر الفكرة المكتوبة للسينما، إنما لدي الآن كتابا أتمني تقديمه للتلفزيون لأن تنفيذه في السينما سيكون صعبا. الكتاب عن حياة ريا وسكينة لصلاح عيسي، هو كاتب عظيم وخاصة في توجيهه النقد لهذه الفترة من الناحية الاقتصادية والسياسية لكنه في حاجة لميزانية ضخمة، لن أستطيع تقديمه للسينما سيكون ذلك صعبا جدا فلابد له في تلك الحالة من سيناريو محكم وللأسف ليس لدينا كتاب سيناريو.. تقصد كتابا محترفين؟ كتاب يكون لديهم خبرة كافية، الاختزال صعب، كيف تختزل ولا تكون مخلا، يعني عندما قرأت كتاب ريا وسكينة أحسست أن الفيلم الذي قدمه صلاح أبو سيف كاذب، فيلم يلعب علي الإثارة. كانت المسرحية أصدق. لا، كل هذا لم يكن له صلة بالواقع تلك الشخصيات كانت معقدة، وهم ضحايا أيضا، ليسوا فقط قتلة، هم أصلا لم يفكروا بالقتل، كانوا غلابة.. مومسات جئن من الصعيد فتحنا بيوت دعارة، الدعارة كانت مشروعة وقتها. وجدن أن الساقطات والسيدات اللاتي يستأجرن منهن الأماكن أصبحن أغني منهن فجاءت الجريمة بناء علي ذلك. لا بد أن نفهم دائما لماذا وصلت الشخصيات إلي ما وصلت إليه، للوضع السياسي والآقتصادي ولكل عوامل المرحلة التي عاشوا أثناءها، هذا لا يعني ألا تدينهم لكن الأهم أن تفهمهم. كيف تري إنجاز جيلك في السينما، ما الذي حققه؟ اسمح لي أن أقول لك إن هذا الجيل يبدو وكأنه أعلن هزيمته.. لا أوافق بالمرة علي أنه أعلن هزيمته لأنه ما يزال لدينا الكثير والسينما تفتقدنا وليس نحن فقط وإنما تفتقد كذلك الراحلين أمثال كمال الشيخ، عاطف الطيب، السينما المصرية كانت ستكون ثرية جدا لو ضمت كل الاتجاهات، غير أن هذا للأسف ليس هو الواقع، الواقع الآن أن الاحتكار طغي علي السينما، الآن نحن في معركة صامتة نعرف أن أفلامنا لها جمهورها، إنما وبالنسبة لي ان كنت سأقدم سينما فلا بد أن تكون في إطار أوافق عليه. وماذا عن سينما الشباب؟ سينما الشباب هذه كلمه «عبيطة»! هو مصطلح للتعريف.. بدلا من أن أقول السينما التي ليس لها قيمة.. تعرف، أنا ألوم هؤلاء الشباب علي أنهم لم يدخلوا فيما كان يسمي بأفلام المقاولات، أن يقدموا أفلاما بميزانيات قليلة لكنها مفيدة لأنهم كانوا سيتعاملون مع كل الموجود علي الساحة. لكن هذا لم يحدث لأن كل واحد منهم كان يريد أن يقدم فيلما كبيرا وهذه أكبر غلطة لأنهم الآن يستسلمون لطلبات الموزع. أنجزت مؤخرا فيلم «كلفتي» بكاميرا ديجتال.. ما الذي تعنيه سينما الديجتال، هل يمكن معادلتها بسينما الدوجما مثلا؟ لا، الدوجما لها قواعد مختلفة يعني هناك شروط لما تستخدمه وما لا تستخدمه وهي انتهت الآن، اليوم في أمريكا هناك حركة الأفلام المستقلة. أما الديجتال فهي مجرد كاميرا، فقط حركتها أسهل. وأنا نفذت هذا الفيلم ديجتال وكان بذهني أن أحوله سينما إنما تراجعت عن هذا بسبب ارتفاع سعر الدولار من جهة وأيضا لأن المسيطرين علي الساحة السينمائية الآن لن يمنحوه فرصة العرض، أو لن تكون فرصة كافية، سيقتلونه. الفيلم الآن تنقصه الموسيقي فقط، وقد قررت أن اعرضه علي القنوات الفضائية العربية والفرنسية والألمانية، لدي اقتناع بأن الحل الحقيقي لما نواجهه في الفترة الحالية أن تكون هناك قناة فضائية جريئة، يتم إنتاج الأفلام بميزانيات صغيرة خصيصا لها، وهذا سيؤثر علي السينما لأن الجمهور يريد أن يري المختلف بالتأكيد. كيف تري ما قدمته للسينما؟ أنا قدمت 20 فيلما لست نادما علي واحد منها، ممكن يكون هناك فيلم أقل من الآخر، ممكن يكون هناك فيلم أتمني الآن لو قدمته بطريقة أخري، أضفت له شيئا آخر، إنما في النهاية سجلي نظيف هذا ما أستطيع قوله وهذه ليست نرجسية، فلليوم أقابل شبابا لم يروا أفلامي بالسينما ويناقشونني في محتواها. من البداية كان لدي إصرار أني لن أقدم إلا ما أريد عمله بالفعل.