بنات فى عمر الزهور يحملن لقب"أم صغيره" هربن من قسوة أسرهن بسبب التفكك الأسرى الذى هو بمثابة سرطان منتشر فى المجتمع، والفقر والجهل الى جحيم اكثر قسوة وهو الشارع الذى توهمن انه حصن الامان بالنسبة اليهن..إلا انهن وقعن فريسة فى يد من لايرحم وتم استغلال اغلبهن فى الاعمال المنافية للآداب العامة..داخل قرية الامل، اقتحمنا عالمهن لنتعرف على القصص المؤلمة والحكايات والأسرار التى تحاول ان تخفيها كلا منهن. هدير "14عاما" تروي قصتها ومعاناتها بمنتهى المرارة والحزن والأسى تقول .. الفقر والضرب والاهانة كانت عنوان بيتنا الذى لم تدخله الفرحة يومًا حتى بالخطأ او بالصدفة.. دائما أبى يتشاجر مع امى بسبب وبدون سبب ويضربها ويسبها وذات مرة اثناء مشاجرته معها حاول ان يقتلها بتهديدها باستخدام سكين..وكان هذا المشهد بالنسبة لنا واخوتى بمثابة الكارثة وقعت أمى مغشيًا عليها واستنجدنا بالجيران ... قام والدى بتمزيق ملابسى وحرقي بالنار باستخدام سيخ دون ان تشفع له توسلاتى ودموعى وكنت اعيش فى هذا الجحيم يوميًا لايمر علينا يوم دون مشاجرات تنتهى بالضرب والسب والإهانة وفى اغلب الاحيان تنتهى بالكى بالنار والتعذيب الجسدى والنفسى والمعنوى. الهروب! وتمضي هدير تقول بأسى: بدأت افكر فى الهروب من البيت بأى شكل، حاولت اخبار امى بما انوى ان افعله ولكنها كانت قليلة الحيلة وسلبية إلى أبعد الحدود أمام جبروت وقسوة وشدة ابى التى لا ارى لها مثيلا فى حياتي .. لذا قررت الهروب من هذا المنزل الذى لم اشعر فيه للحظة واحدة انى انسانة مثل باقى الخلق ولم اتعامل فيه ابدا معاملة آدمية فكنت دائما كالحيوان المربوط فى ساقية.. لهذا فكرت فى كسر قيودى والهروب بلا رجعة .. وقلت لنفسى اى شىء سوف اواجهه بعد قسوة وشدة وجحيم ابى سيكون هينًا بالنسبة لى.. وبالفعل هربت من المنزل فى ليلة شديدة البرودة والامطار غزيرة تسقط على جسدى دون ان اعي لها لان دموعى كانت اكثر منها غزارة واشد قسوة .. ذهبت للبحر وجلست ابكي امامه لايام طويلة دون ان يدري بى احد ومرت علي شهور وليالي طويلة وانا اعيش بل اقيم على البحر دون حتى غطاء يحمينى من برد الشتاء القارص.. وذات ليلة سوداء فوجئت بمجموعة من الشباب فى حالة سكر يقتربون منى..شعرت بالخوف والفزع، حاولوا الاقتراب منى لاغتصابى..حاولت مقاومتهم بكل ما فى من قوة وفى لحظة يأس وجدت نفسى ضعيفة غير قادرة على حماية نفسى منهم، وفجأة ظهر شاب لا اعلم من أين أتى، يحمل عصا في يده وفروا هاربين، ظننت أنه طيب القلب وطوق النجاة الذى سوف يحمينى ويخلصنى من الجحيم، حكيت له قصتى ووعدنى بأن يكون بجانبى ويحميني وكنا نلتقي على شاطئ البحر، نشأت بيننا علاقة محرمة على أحد شواطئ الاسكندرية فكان دائم التردد علي يوميا ..ويعاشرنى معاشرة الازواج.. وفى احدى المرات طلبت منه ان يبحث لى عن مأوى احتمى فيه بدلا من حياتى المشردة على الشواطئ، وبالفعل وفر لى حجرة صغيرة اسكن فيها وكل يوم يأتي لي بالطعام ويقضى طوال الليل معى..مرت شهور على هذا الوضع..فى الصباح اعمل بائعة مناديل فى اشارات المرور وفى المساء عشيقة لهذا الشاب..وفى احدى الليالى شعرت بألم في أحشائى..وبعد ان تأكدت بأننى حامل فى الشهور الاولى شعرت بالفرح والخوف ايضا من ردة فعل الشاب الذى احببته وسلمته نفسى دون ادنى تفكير فى العواقب الوخيمة التى سوف تلحق بنا، وبعد ان هيأت الوقت المناسب للتحدث معه فى هذا الامر كانت المفاجأة التى حولت حياتى الى جحيم مرة اخرى،بمجرد أن علم أننى حامل تغيرت ملامح وجهه وكشف عن وجهه القبيح..وهددنى بأنه سوف يفضح أمرى اذ لم اوافق على اجهاض الجنين..وبعد مشاجرة عنيفة دارت بيننا..اصريت على الاحتفاظ بالجنين ولو كلفنى ذلك عمرى، ودفعت ثمن قراري غاليا طردنب من الحجرة التى كانت تأوينى وعدت للشارع مرة اخرى لحياة التشرد واختفى تماما، بحثت عنه فى كل مكان دون جدوى، تعرفت على مجموعة بنات من الشارع حالتهن لاتختلف كثيرا عن حالتى..كنا نأكل من فضلات المطاعم والتسول امام المساجد، حتى قابلت مجموعة من الاخصائيين من قرية الامل..فأخذونا للجمعية التي وفرت لنا الرعاية الكاملة من الناحية الصحية والنفسية والعلاج والنظافة.. وبعد تفكير لم يدم طويلا ذهبت لأقرب فرع تابع لقرية الامل فى محافظة القاهرة..وبعد دراسة حالتى والاستماع الى قصتى..تم الموافقة على اقامتى بالجمعية ومنذ ان جئت الى هنا وحياتى تغيرت شكلا ومضمونًا، حيث اننى شعرت لاول مرة بالامان الحقيقي والحب والرعاية الكاملة وبعد تسعة أشهر وضعت ابنتى داخل الجمعية..واصبح هدفى الان الذى احارب من اجله ان اثبت بنوة ابنتى لهذا الشاب الذى سلبني عذريتي وسلب حياتي ودمر احلامي..وبالفعل اعضاء الجمعية يساندوننى ويبحثون عن هذا الشاب فى كل مكان..وها انا الآن وجدت الاسرة والعائلة داخل قرية الامل وساعدنى الاخصائيون بالمركز على التأهيل النفسي والصحي وتعلمت الكثير من الحرف داخل الورش الفنية المتنوعة بالقرية..واصبحت الآن اجيد الخياطة.