نسبة كبيرة من الأطفال الذين يتعرضون للفضائح التي قد يكونوا سببها أو ضحايا ومجنيًا عليهم، وهم في جميع الحالات يواجهون عارها ونارها طوال حياتهم في مجتمع لا يرحمهم، فالكثير من هؤلاء الأطفال تجبرهم الظروف على مواصلة طريق الانحراف والفضائح، ومنهم يتحولون إلى مجرمين، والبعض منهم لا يستطيعون تحمل قسوة الفضيحة، ويهربون من أسرهم مفضلين طريق الضياع للأبد، بينما البعض الآخر إذا استطاع بطريقة أو بأخرى احتمال ضغوط الفضيحة، يصبحون أشخاصًا غير أسوياء من الناحية الاجتماعية، مهما كانت محاولات تأهيلهم النفسي والاجتماعي، والقليل منهم يختارون نهايتهم بالانتحار. من نماذج هذه الفضائح والتي ضحيتها طفل بريء يحكيها سمير هلال، بقوله: قد يكون من سوء حظ أي طفل أن يكون والداه أو أحدهما بطلًا لفضيحة تلتصق بطفله، بلا أي ذنب منه فيظل يدفع ثمنها طوال عمره، فمنذ حوالي عامين كان أحد جيران أخي الأكبر مدمنًا للمواد المخدرة؛ لدرجة أنه كان يجازف بطفله الذي لم يتجاوز العاشرة، ويأمره أن يذهب لأحد أصدقائه المشبوهين بالشارع المجاور ليجلب له بعضًا من المخدرات، وبينما الطفل ذات مرة عند هذا الصديق داهمت الشرطة منزله، وألقت القبض على كل الموجودين، بمن فيهم هذا الطفل المسكين الذي ظل منبوذًا بين الجيران وأبنائهم، بسبب جريمة أبيه وتورطه بلا أي ذنب في جلب المخدرات له، دون أن يدري بما يفعل، ورغم براءته لكنه ظل طريد هذه الفضيحة التي أجبرته أن يترك تعليمه ويعيش شريدًا، واضطر وأمه لترك الحي بأكمله ولم يعرف عنهما أحد بعد ذلك أي شيء! وفي أحد أقسام الشرطة، بدأ طارق يحكي قصته قائلًا: كنت مثل أي طفل، ألعب وأستمتع بحياتي بين دفء أحضان أمي، وأبي الذي امتدت إليه يد الموت، فتحولت حياتي إلى جحيم، خاصة عندما قررت أمي الزواج من صديق أبي الذي لم يعرف شيئًا عن الوفاء لهذه الصداقة، وكان مبررها في الزواج بهذا الشخص أن تحميني وإخوتي الثلاثة من الضياع، فلم يكن لنا بعد وفاة والدي سوى الله، ومنذ أول يوم دخل فيه هذا الرجل منزلنا، وبدأ يضربني ويسبني أنا وأشقائي، وطلب مني ضرورة أن أبحث عن عمل، حتى أوفر مالًا ليصرف به على أشقائي، ففعلت رغم أن عمري لم يتجاوز ثماني سنوات، ولم أستطع تحمل كل هذا الجحيم، فقررت الهرب إلى حيث لا أدري، فوجدت ضالتي في الشارع، لكن الشرطة ألقت القبض عليَّ وزملائي المشردين بتهمة التسول، وتقرر إعادتي لأسرتي التي لم يرحمني أفرادها، وحتى أمي وإخوتي، ظلت لعناتهم وكلماتهم تطاردني بعدما تسببت لهم في الفضيحة بهروبي ثم عودتي عن طريق الشرطة والنيابة، ولم يمض على عودتي أسبوعان، حتى هربت مرة أخرى، وحتى الآن لم يسألني أحد عن سبب هروبي الذي كانت نهايته قسم الشرطة من جديد، وقررت أن لا أعود إلى أسرتي مهما حدث. وحكى لنا خالد صادق - موظف - مأساة ابنة أحد جيرانه قائلا : إن هؤلاء الأطفال ضحايا ومجني عليهم ، مؤكدًا أنها نموذجًا صارخًا لإهمال الأب والأم، اللذان انهمكا في العمل وتركاها وعمرها لا يتجاوز سبع سنوات، فريسة لأحد أبناء الشوارع المراهقين، الذي اعتدى على براءتها عندما اغتصبها، ولم يرحم طفولتها، ولم يفق والداها إلا على زلزال الفضيحة، فتفرغت أمها لرعايتها وأشفقنا جميعًا على هذه الطفلة وأسرتها، بعدما وصل الأمر للشرطة والنيابة والطب الشرعي، لكننا اعتقدنا أنه مجرد اختبار من السماء وكبوة، سرعان ما سيتم تجاوزها بمرور الزمن، الذي رفض أن يكون طبيبًا لجراح وآلام هذه المسكينة، فكانت كلمات أقرانها تطاردها كطلقات رصاص، فلا تجد سوى البكاء صديقًا لها، خاصة عندما يسألوها عن اللص الذي هاجمها، وبعدما أصبحت في مرحلة المراهقة، وأبواب الأنوثة جذب جمالها الحزين أحد المراهقين الذي ظل يطاردها بطمعه فيها، بعد أن عرف أبعاد فضيحتها، لكنها ردته بقسوة، فأطلق عليها كلماته القاتلة ليذكرها بهذه الفضيحة، وأن الأمر أصبح بالنسبة لها سهلًا، فقررت أن تقاطع مدرستها الثانوية دون أن تحكي عما يحدث معها، حتى تتجنب الفضيحة من جديد، وبمرور الأيام استأنفت حياتها مع المدرسة من جديد، لكنها كانت على موعد مع القدر عندما فوجئت بهذا الشيطان يحاول الانفراد بها واغتصابها، وتكررت الفضيحة بعدما عرف الناس أيضًا بهذه المحاولة، وبدأ الهمس والقيل والقال عليها، وحاولت أسرتها التصدي لهذه الفضائح دون جدوى، حتى تقدم للزواج من هذه الفتاة رجل كهل وافقوا عليه، وقبل ذلك حرموها من الخروج أو مواصلة تعليمها الذي كان حلم حياتها، فلم تجد أمامها سوى الهروب والضياع في زخم الحياة القاسية، وهذا ما يؤكد أن هذه الفتاة ضحية حقيقية. وتقول شيماء حسن: إن الطفل دائمًا مجني عليه، حتى لو كان هو نفسه بطل الفضيحة أو سببها؛ لأنه ببساطة لم ينضج بعد، ولا يستطيع التفرقة بين سلوكه وماهو مقبول أو مرفوض، ويجب على أبويه أن يقوما برعايته دائمًا، ويزرعا بداخله الوعي الكامل، وبالطبع الناس وكلامهم له دور أساسي في تعرض أي طفل لأية فضيحة، كما أن مجتمعاتنا العربية لا تغفر مطلقًا أو تنسى الفضيحة، حتى لو كانت لطفل الذي ربما يتخيل أنها قد ماتت وينساها، حتى إذا تعرض لموقف مشابه أو مرتبط بأحداثها يشعر بها، كأنها الماضي الشبح الذي يبعث من رحم الموت دون أية مقدمات، كما أنني أوجه دعوة للجميع أن يرحموا أطفال الفضائح لأنها فوق طاقاتهم. صراع ظالم د.أنور العدل أستاذ علم الاجتماع، قال إنه يشفق على هؤلاء الأطفال الذين تعني الفضيحة بالنسبة لهم قدرًا اجتماعيًا مريرًا، يفتك بعضويتهم الاجتماعية السوية الحالية والوليدة بالمجتمع، ويقضي على علاقاتهم الاجتماعية المستقبلية؛ لأنهم يصبحون أعضاء منبوذين، والتعامل معهم يتم بقدر من القسوة، وإذا تتبعنا الفضيحة بالنسبة لهم، فهي في أحيان كثيرة تكون ثمرة تفكك أسري وإحباط اجتماعي ونفسي، أما إذا كان التفكك لاحقًا للفضيحة؛ فالأمر يكون أكثر خطورة؛ لأنه ببساطة يعني أن مستقبل هؤلاء الأطفال لن يتم ترجمته من الناحية الاجتماعية في صورة أسرية سوية. ويوضح د.العدل، خطورة مشكلات أطفال الفضائح، مؤكدًا أن علاقاتهم الاجتماعية تصبح أكثر تعقيدًا وتحجيمًا، سواء بينهم وبين أسرهم، خاصة إذا حدثت احتكاكات مع إخوتهم وأخواتهم، وربما يذكرونهم بهذه الأحداث الاجتماعية السلبية، أو بينهم وبين أقرانهم، سواء في محيط الجيران أو الحي أو بينهم وبين أقاربهم ومعارفهم، أو مع أقرانهم في المؤسسات التعليمية، وكلها مع مرور الزمن يتم التعامل فيها على أساس الموت الاجتماعي على البطيء. وتفسر د.فاتن شرف أستاذ علم النفس، أن الفضيحة لأي إنسان تعني هزة نفسية، وربما دمار وبالنسبة لأي طفل هي صراع غير متكافئ، وتمزق نفسي شديد بين طفولته البريئة وبين تداعيات ونتائج هذه الفضيحة التي تطارده لفترة طويلة، ومجتمعاتنا بطبيعتها تعاني تناقضًا في سيكولوجيتها الجماعية، فهي تميل للنسيان في أحداث معينة، أما الفضائح فهي غير قابلة للنسيان، وفيها تميل لتبني آراء متطرفة؛ لأنه يحدث نوع من الارتباط النفسي بين الفضيحة، كحدث نفسي سيئ، وبين كل ما هو سيئ، حتى لو ثبت براءة الطفل منها، وهي نوع من جلد الذات والآخرين، وكل ما نطلبه ألا نتسرع في إصدار أحكام نفسية نهائية على هؤلاء الأطفال، خاصة إذا كان مجنيًا عليهم، وأن نمنحهم فرصة أخرى حتى يصبحوا مواطنين أسوياء في المستقبل، القضية هامة وتحتاج إلى المزيد من المناقشة، ولابد أن تضعها مراكز البحوث على قوائم اهتماماتها، من أجل إنقاذ عدد كبير جدا من الأطفال، والذين لا ذنب لهم سوى أن القدر امتحنهم بمثل هذه المشكلات.