كما بدأ، اختتم رحلته في عالم الصحافة. كاتب بدرجة مقاتل. فى حرب الاستنزاف- عقب نكسة 67- قاتل بالقلم العدو الصهيوني، وبذات القلم خاض حرب استنزاف أخري، أكثر ضراوة لأنها ضد عدو يعيش على أرض مصر، لكنه لا يثمنها وطنا! يرفع راية تدين زائف تخفى تحتها طبقات من تخلف متكلس، ويقينا فان الحرب الثانية كانت أكثر قسوة وشراسة، لكن جمال الغيطانى اتخذ قراره وتقدم لخوضها دون أن يهاب العواقب، ولعله ارتأى أن القتال هنا فرض عين على من نذروا حياتهم لتحرير الوطن، بالمعنى الأشمل لمفهوم التحرير، إنها حرب تحرير فى مواجهة كل من سولت لهم أوهامهم أو خيالاتهم المريضة، أو غرورهم أنهم قادرون على احتلال جزء من أرض مصر أو تكبيل إرادتها، سواء أكان ذلك الخطر من وراء الحدود، أو من جانب من اعتبروا مصر مجرد سكن لا وطن. فى أدب الغيطانى كان الخيال دائما إلى جانب الواقع، ومرات عديدة ألقى التاريخ بظلال كثيفة على إبداعاته، لكن فى الكتابة السياسية كان مباشرا، ناقدا، محذرا، كاشفا إلى حد الفضح والصدام. هكذا كان عموده »عبور« إبان العام الذى حاول فيه «الخوان المتأسلمون» اختطاف الدولة بعد اختطاف الثورة، من هنا جاء مخاض هذا الكتاب، وتبلورت فكرته. كل عمود كان أقرب إلى طلقة بندقية. ثمة أعمدة كانت بمثابة دانات مدفع من عيار ثقيل. أعمدة أخرى صارت أشبه بصواريخ متعددة الرءوس. إجمالا، فإن الغيطانى شحذ كل قدراته فى الرمى و،الضرب والتصويب، عبر الأعمدة التى صاغها كمقاتل، وربما استعاد طاقة الشاب العشرينى الذى زامل المقاتلين أثناء حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر المجيدة. ولأن المبدع والمقاتل فى النهاية إنسان، فإن الغيطانى لم يخجل أثناء مهمته التى نذر لها قلمه، وقطع على نفسه عهدا بألا يتراجع عن إنجازها، لم يخجله أن يعترف عقب انتخابات مرسى مندوبا للمرشد فى الرئاسة بأنه «يمر بحالة اكتئاب حادة، وحسرة موجعة على ما صارت إليه أوضاع البلاد»، لكن لم يدفعه ذلك للتخاذل أو المهادنة، بل إن ما حدث كان العكس تماما، إذ استمر ماضيا بإصرار شديد وعزم لايلين فى مهمته حتى النهاية. ولأن «الجواب يبان من عنوانه»، فان الكثير من أعمدة الغيطانى خلال ذاك العام الأسود، كانت كاشفة عن جوهر رسائله اليومية، وتلك مجرد نماذج: تبديل الدولة .. عبث .. إنه الهول .. أخونة الصحافة .. تشويه .. يوم مشين.. الدولة البديلة .. إرهاب .. اليوم أسود .. أعلام سوداء .. نذر.. عنف. أهى عناوين أم طلقات ودانات وصواريخ؟ عند الغيطانى لا فرق، فالكلمة رصاصة أحيانًا، والرصاصة كلمة محملة برسائل أحيانا أخري، والأمر يتوقف على الجبهة المستهدفة، والضمير، ودرجة الوعي، وحدهما الفيصل فى أن تنوب إحداهما عن الأخري. ........................ لم نحاول إعادة تبويب ماكتبه الغيطاني، والتزمنا بالترتيب الزمنى لنشر المقالات التى يتمحور حولها عنوان الكتاب «أنا.. والإخوان»، لنقدم بعضا من ملامح آخر معارك الغيطانى ضد التخلف ومدعى التدين وكل الذين حاولوا اختطاف الوطن، وتفكيك أوصاله، والاطاحة بثوابته، لكن فترة حكمهم القصيرة كانت أشبه بما يُكتب بين قوسين، أو ربما كانت أقرب الى جملة اعتراضية، لا يؤثر حذفها على جوهر النص، وما لبثت مصر أن تجاوزتها، وكان لابد من معارك تُخاض، وأثمان تُدفع وهذا ما حدث، وكلمات الغيطانى خير شاهد. اقتصر الكتاب على قسمين الأول تضمن أهم ماكتبه الغيطانى بعد أن بدأ محمد مرسى تنفيذها ما كُلف به فى قصر الاتحادية من يوليو 2012 وحتى نهاية العام، أما القسم الثاني فتضمن ما يمكن اعتباره كتابات الحسم منذ مطلع 2013 وحتي ثورة 30 يونيو عندما قالت مصر كلمتها المدوية رافضة لدولة الإخوان، وللأبد.