في غابة بعيدة، كان أسد قوي الجسم ، طيب القلب، يعيش وسط مملكته سعيداً هانئاً، ويحبه جميع الحيوانات ويحترمونه. ومن بين هذه الرعية، ذئب وثعلب وغراب. كانوا مقربين لملكهم الأسد، بفضل دهائهم وتملقهم له؛ فكلما غنم الأسد بصيد وفير، انتظروا حتي ينتهي من طعامه ويشبع، ثم يأكلوا ما تبقي منه. وإذا جلس في عرينه، التفوا حوله يقصون عليه حكايات مسلية وفكاهات وطرائف، فيدخلون السرور إلي نفسه ويضحك من كل قلبه. وأصبح الأسد لا يقدر علي فراق أصحابه الثلاثة، فهم مصدر تسليته الوحيدة ومتعته الفريدة. وفي يوم من الأيام، مرت قافلة تجار بالقرب من الغابة، وتخلف جمل من جمال القافلة عن اللحاق بها، وضل الطريق، وأخذ يسير دون هدف إلي أن وصل إلي حيث يجلس الأسد في عرينه . أحس الجمل برعب وفزع شديدين. قال الأسد: لا تخف أيها الجمل، كيف جئت إلي هنا؟ وماذا تريد؟ شعر الجمل بالاطمئنان قليلاً وحكي قصته. ثم قال: إن كل ما أريده يا سيدي هو حمايتك. قال الأسد: أعدك بحمايتك ورعايتك، فأنت اليوم من رعيتيي، بل من أصدقائي المقربين. شكره الجمل لكرمه ونبله. وانضم الضيف إلي مجلس الأسد . مرت الأيام وازدادت صداقة الجمل والأسد وتوطدت. وفي يوم ذهب الأسد للصيد، وكانت الفريسة هذه المرة فيلاً فتقاتل معه. وأصيب الأسد إصابة بالغة وجرح جرحاً كبيراً، وعاد ودماؤه تسيل، رقد في فراشه، والتفّ حوله أصدقاؤه يداوون جراحه ويخففون آلامه . ظل الأسد مريضاً، لا يغادر مكانه أياماً بدون طعام، فساءت حالته وأصبح ضعيفاً هزيلاً. أما الذئب والثعلب والغراب، فكان كل اعتمادهم علي طعام الأسد. ولم يفكر هؤلاء الأشرار في البحث عن الطعام، والسعي في الغابة وراء صيد يشبعهم ويشبع الأسد معهم؛ لقد اعتادوا الكسل ولا يريدوا أن يتعبوا. كان قلب الجمل يتمزق لحال الأسد، ولكنه لا يملك أن يفعل شيئاً، فذهب إلي أصدقاء الأسد وقال: إن حالة مليكنا تسوء يوماً بعد يوم، لابد أن نجد حلاً سريعاً، والحل في أيديكم؛ فأنتم تملكون القدرة علي الصيد والقنص، فلماذا لا تذهبون إلي الصيد، ويأتي كل منكم بفريسة ما تقدمونها للأسد، وتأكلوا منها، ويشبع الجميع، وتستردون قواكم وعافيتكم، وتردون بذلك بعضاً من جميل مليكنا عليكم؟ قال الثعلب: معك كل الحق أيها الجمل الطيب، ولكننا كما تري ضعفنا ولم نعد نقوي علي السير لخطوة واحدة، ولكننا نعدك أن نتدبر الأمر ونحل هذه المشكلة. اجتمع الذئب والثعلب والغراب واتفقوا سوياً علي أمر، وذهبوا إلي الأسد في غياب الجمل. قال الذئب: مولاي الملك، إن حالتك أصبحت سيئة، ولا نستطيع أن نراك هكذا تتعذب وتتألم. قال الغراب: إني أري يامولاي، إن أفضل حل هو إن تأكل الجمل، فهو صيد ثمين، وفير اللحم ، يشبعك ويعافيك. قال الأسد غاضباً: كيف تجرأون علي هذا القول؟ آكل الجمل؟! كيف؟ ليس هذا من صفاتي وطباعي! أخون من استأمنني؟ لا! هذا محال! قال الثعلب: ولكن يا مولاي إن الظروف هي التي اضطرتنا إلي ذلك، فلولا مرضك ما لجأنا لأكل صديقنا. قال الأسد: مهما كانت الأسباب، لا انقض العهد. ولا أخون من استأمنني علي حياته وروحه. إني أفضل الموت جوعاً. ولا أخون صديقي. انصرف الثلاثة، وأخذوا يتشاورون ويتناقشون. ووصلوا إلي فكرة شريرة خبيثة؛ استدعوا الجمل.. وقال له الثعلب: إن كلامك أثر فينا تأثيراً كبيراً، فنحن جميعاً فداء لمولانا الملك فهيا يعرض كل منا عليه ليأكله، وله أن يختار من يأكله، وبذلك نكون قد وفينا بديننا، وقدمنا من جميله علينا. وافقهم الجمل علي هذا الرأي ورحب به. وذهبوا جميعاً إلي حيث يرقد الأسد. قال الغراب: إني فداك يامولاي، وأكون سعيداً مسروراً إذا وافقت أن تأكلني. قال الذئب: إن لحمك سيء وجسمك نحيل، لا يشبع ولا يفيد. أما أنا يامولاي حجمي كبير وأصلح طعاماً شهياً لك. قال الثعلب: إن من أراد قتل نفسه فليأكل لحم الذئب، أما أنا يا مولاي أصلح لأن أكون طعاماً جيداً لك. قال الذئب والغراب والجمل : إن لحمك خبيث مثلك، لا يصلح لطعام مولانا الملك. قال الجمل : أما أنا يامولاي فلحمي شهي وفير، إذا اكلتني تشبع وتشفي. فانقض عليه الجميع واكلوه. وبذلك وقع الجمل الطيب الساذج، فريسة للخطة الشريرة التي رسمها الأشرار الثلاثة الذئب والثعلب والغراب.