كل الأمور تنتهي عند أقدام المواطن المصري البسيط، وكل الاتهامات تشير إلي هذا المواطن ذو التركيبة النفسية الغريبة والمتناقضة.. المحيرة.. والتي يقف أمامها علماء النفس مشدودين.. فمن الصعب والمستحيل تواجد هذه المتناقضات في شخصية إنسان واحد وهو المصري.. فكل الأمور توزن بميزانه عندما ينتقد ويثور علي الآخرين يكون في قمة الالتزام، ولكن عندما يصل الأمر لانتقاده هو تنقلب الآية ويصبح هو المخالف والبلطجي واللص في بعض الأحيان، وإلا ليفسر لي علماء النفس بعض التصرفات التي رصدتها في الشعب المصري ويقولوا لي ما الحل. الكل يشكو من امتلاء شوارع الجيزة بالقمامة، والكل يتذمر من استمرار تحصيل رسوم النظافة علي فاتورة الكهرباء.. والمشهد يحكي أن رجل في الأربعينيات يحمل شنطة كبيرة ويتجه إلي الجزيرة الوسطي في شارع فيصل حيث تتجمع أكياس الزبالة.. وبدلاً من أن يضم الكيس لزملائه تطوع وفتح الكيس وأفرغ محتوياته وطبق الكيس وانصرف وكأن شيئاً لم يكن، فلا الزبالة أزيلت ولا نحن التزمنا بنظافة الشارع.. ثم نشكو من جبال الزبالة صنعة ايدينا والله! شاب أزعج الشارع كله بصوت نفير سيارته اعتراضاً علي وقوف سيارة علي جانب الطريق لينزل منها رجل كبير يحتاج المساعدة.. وعندما طلب منه سائقو السيارات الأخري الهدوء هاج وماج.. وبمجرد تحرك السيارات تخطي الشاب باقي البشر وانطلق عكس الاتجاه وكأن شيئاً لم يكن! أزعج الجميع من شكواه لبطء موظف الشباك في البوستة وتعمده تعطيل الناس رغم أنه وصل من دقائق معدودة واتجه للشباك يشكو أنه يقف من أكثر من ساعة، فرد عليه باقي الطابور لكي يلتزم حدود الأدب ويحترم أن الموجود وراء الشباك يخدم الجميع ولا يستحق منه هذا.. عندما وصل دوره أمام الشباك سمع الجميع وصلة من النفاق الاجتماعي منه للموظف ليستثنيه من إجراء ناقص في أوراقه، والجميل أن الموظف رفض فانصرف المواطن وهو يصب اللعنات والسباب علي الموظفين الذين ليس لهم دور إلا تعطيل مصالح الناس. عل مطلع الطريق الدائري وقفت سيارة صغيرة أمام سيارة نقل تصر علي استخدام المطلع كمنزل ضاربة بكل القواعد عرض الحائط ومعرضة حياة كل السائقين للخطر، والغريب أن أحد من باقي السيارات لم يقف ليدعم موقف صاحب السيارة الصغيرة الذي خشي أن يناله ضربة شومة أو حجر في زجاج سيارته.. فقائد النقل يصر علي المرور ويقول إنه دائماً ما يستخدم هذا الطريق وليس من حق أحد معارضته.. انسحبت السيارة الصغيرة بعد سيل من التهديد والشتائم وكأنها هي الغلطانة. مشكلة المواطن المصري أنه يعرف الخطأ من الصواب ويطبقه علي الآخرين ولكن عندما يطبقه أحد عليه يتذمر ويعلن العصيان والثورة.. فللناس حق النقد حتي تصل إليه فيصبح النقد تجريح واصطياد للأخطاء وتشفي. هذه الازدواجية في الفكر المصري لابد من حلها أولاً إذا أردنا أن نكون شعب متحضر، فالفارق كبير جداً بين الأقوال والأفعال والفارق مخيف بين كشف أخطاء الآخرين ومحاسبة النفس.. وفي العادة النفس أمّارة بالسوء! كل عام وأنتم بخير وعيد سعيد علي كل المصريين