داخل مطار القاهرة يقف رجل في السبعين من عمره ملامحه تؤكد أنه غير مصري.. يعطي جواز سفره الي الضابط المختص.. الذي يتفحص جواز السفر ويضع البيانات علي جهاز الكمبيوتر وبعدها يطلب منه الانتظار قليلا لتأتي بعدها قوة من الشرطة تلقي القبض عليه.. الرجل المسن أخذ يتساءل فيه ايه؟!.. أكيد فيه حاجة غلط؟! لكن الضابط أكد له انه ليس هناك خطأ مؤكدا له: ان عليه حكم 7 سنوات سجن في قضية تهريب مساجين من سجن أبوزعبل.. وأمام رد الضابط لم يستطع رجل الأعمال أن يتحدث بكلمة واحدة ليسير معهم في هدوء ليتم التحقيق معه واحالته الي محكمة الجنايات. وداخل محكمة جنايات شبرا الخيمة.. تحديدا القاعة رقم 2.. الدائرة الثانية.. وقف رجل الأعمال الفلسطيني والذي يبلغ من العمر سبعين عاما.. شارد النظرات غير مصدق نفسه.. هل يتم القبض عليه بعد تلك السنين الطويلة؟! الزحام والضوضاء يملآن القاعة عن آخرها.. حتي قطع هذا صوت حاجب معلنا عن بدء الجلسة قائلا: محكمة. لتعتلي هيئة المحكمة المنصة برئاسة المستشار ابراهيم مصطفي كمال.. وبعد عدة دقائق من بدء الجلسة نادي الحاجب علي رقم القضية والمتهم أحمد حسين الشاعر وهو فلسطيني الجنسية ليقترب الرجل العجوز من قضبان القفص.. بعدها سمح له رئيس المحكمة بالجلوس. و قامت النيابة بتلاوة أمر الاحالة والذي يتلخص في أن المتهم سهل هروب اثنين من المساجين عام 2891 وانه صدر عليه حكم عام 3891 بسبع سنوات سجن!
ثم سأله رئيس المحكمة عن الاتهام الموجه له فأجابه: بالنفي؟ لكن بعد عدة دقائق أخري تم رفع الجلسة للمداولة ليصدر الحكم بعد ذلك بسجن الرجل الفلسطيني عاما واحدا وأكدت المحكمة في حكمها انها استعملت الرأفة مع المتهم وخفضت العقوبة لكبر سنه وأنه كان أقل المتهمين في تلك القضية ارتكابا للجريمة حيث قام بمساعدة الايطالي علي الهروب من مصر فقط! لكن ما هي تفاصيل الجريمة التي وقعت من 82 سنة؟!
في عام 2891 وتحديدا في سجن أبوزعبل في أحد العنابر كان يوجد اثنان من المتهمين أحدهما ايطالي الجنسية وكان متهما في قضية اتجار في المخدرات ويدعي انطونيو روتشيلي أما المتهم الثاني فكان فنان تشكيلي مصري وتهمته هي تزوير ويدعي فكري مصطفي لاشين. توطدت بينهما علاقة صداقة قوية ووجد كل منهما في الآخر ما ينقصه.. الايطالي كان معه المال الكثير أما الفنان التشكيلي فكان يمتلك »الدماغ« والفن أيضا.. واتفق الاثنان علي الهرب من السجن.. لكن كيف حدث ذلك والسجن محاط بالأسوار العالية والحراسة المشددة؟ وفي النهاية هداهما تفكيرهما الي فكرة شيطانية وهي أن تقوم زوجة الايطالي بإحضار أقمشة وأدوات خياطة علي مراحل علي أن يقوم الفنان التشكيلي بتفصيل زي عسكري له وللمتهم الايطالي داخل السجن. وبالفعل حدث ما اتفقا عليه.. وبدأت زوجة الايطالي في تنفيذ ما طلب منها وأحضرت الأقمشة والأدوات شيئا فشيئا. أما المهمة الثانية للزوجة فكانت سهلة للغاية حيث قام الفنان التشكيلي برسم مفتاح الزنزانة وأعطاها ما رسمه لتقوم بصنع مفتاح مصطنع وتحضره اليه مرة أخري لكن بعد أن أحضرت اليه المفتاح تبين انه غير صالح فطلب منها أن تحضر له »مبرد« ليقوم بضبطه وبالفعل نجح الفنان التشكيلي في اصلاح المفتاح واتفق الاثنان علي ميعاد الهروب وكان ذلك الميعاد أثناء احدي مباريات الأهلي والزمالك والذي فاز فيها الأهلي بهدف مقابل لا شيء وأحضر الهدف اللاعب زكريا ناصف. وأثناء المباراة خرج المتهمان بعدما ارتديا الملابس العسكرية وأثناء خروجهما قاما بتحية الجنود المتواجدين في السجن وخرجا بكل سهولة ليجدا في الخارج سيارة تنتظرهما أوصلتهما عند مجموعة من الأشخاص تولت تهريبهما الي الخارج لكن تلك المجموعة تنصلت منهما بعد اسبوعين وتركتهما. وفي تلك الأثناء قال الايطالي الصديق انه يعرف مجموعة أخري ستساعدهم علي الهرب مقابل دفع مبلغ 008 جنيه وطلب منه أن يذهب لزوجته بهذا المبلغ.. نفذ المصري ما طلبه منه الايطالي لكنه وهو في طريقه الي زوجة التاجر الايطالي قرر تغيير الخطة وقام بإضافة صفر الي المبلغ ليصبح 0008 جنيه وبالفعل حصل الفنان التشكيلي علي المبلغ وقرر أن يترك صديقه ويعود الي بلده فاقوس ويفتتح ستديو تصوير بذلك المبلغ ويتمكن رجل الأعمال الفلسطيني أحمد الشاعر ومجموعة أشخاص آخرين من تهريب الايطالي الي وطنه بصحبة ابنته تاركا زوجته في مصر!.. لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن.. أثناء وجود الفنان التشكيلي في الاستديو الخاص به دخل عليه عريف شرطة كان يعمل بسجن أبوزعبل وتعرف عليه ليلقي القبض عليه واعادته الي السجن مرة أخري.. وأمام النيابة اعترف المتهم علي كل شركائه في جريمة الهروب ليتم القبض علي زوجة التاجر الايطالي فقط بينما هرب زوجها الي الخارج
لتتوالي المفاجآت بعد ذلك تبين أن هناك لواء شرطة و81 ضابط شرطة سهلوا جريمة الهروب حيث مكنوا زوجة المتهم الايطالي من ادخال الأدوات التي ساعدتهم في الهرب الي السجن.. احيل الضابط الي المحاكمة العسكرية ومثل الفنان التشكيلي وزوجة التاجر الايطالي وابنته ورجل الأعمال الفلسطيني وثلاثة آخرين غيابيا بنفس العقوبة. الغريب في الأمر أن رجل الأعمال الفلسطيني كان يحضر الي مصر ويغادرها بشكل طبيعي حتي تم القبض عليه الشهر الماضي وتمت احالته الي المحكمة والتي أصدرت حكمها المتقدم.