ترددت فى رأسنا كلمات رئيس التحرير وهو يكلفنا بالسفر إلى منطقة مثلث حلايب وشلاتين الحدودى مع السودان لعمل ملف متكامل عن هذه المنطقة اثناء استقلال الاتوبيس الذى يقلنا الى تلك المدينة التى تقع فى اقصى جنوب شرق الجمهورية .. يومها اثار الاختيار استغرابى فلماذا هذه المنطقة بالذات وما علاقتها بالحوادث فهناك مدن اخرى كثيرة مليئة بالاحداث افضل من حلايب وشلاتين التى لم اسمع عنها إلا عندما اشاهد نشرة الاخبار الخاصة بالطقس بالتليفزيون المصرى والمرة الاخرى عندما اثيرت تصريحات لاحد المسئولين السودانيين تفيد بقيام الرئيس السابق محمد مرسى بمنح وعد للحكومة السودانية باعطائهم منطقة المثلث وعلى الرغم من نفى المتحدث باسم رئاسة الجمهورية فى ذلك الوقت للتصريحات ..والتصريحات شديدة اللهجة من الخارجية المصرية بأن منطقة حلايب وشلاتين مصرية غير ذلك لم اعرف شيئا عن المنطقة او اهلها ولا كيف يعيشون. كانت وجهة النظر اننا ذاهبين الى منطقة صحراوية لازرع فيها ولا ماء يسكنها مجموعة من الاعراب الذين يرتحلون من وقت لآخر لذلك حصلنا على كافة متطلباتنا الغذائية وكميات كبيرة من المياه . انطلق الاتوبيس فى طريقه الى منطقة المثلث والتى يصل اليها بعد حوالى 16 ساعة متواصلة .. اول ما اثار انتباهى هو الكمائن المنتشرة على طول الطريق حيث مررنا على حوالى اكثر من 13 لجنة امنية .. فى البداية كانت لجان من الشرطة المدنية ليتغير الوضع بعد مدينة الغردقة وتكون كافة الكمائن عسكرية .. شعرت بالامن والطمأنينة لوجود هذه الكمائن على الطريق فمن يتعرض لنا فى وجود هذه التأمينات حتى وصلنا الى منطقة عرب صالح على بعد حوالى اقل من 150 كيلو على مدينة الشلاتين .. هناك كانت البداية لاول مشكلة لنا فخلال توقف الاتوبيس فى هذه القرية لبعض الوقت حاولنا بدء عملنا بالتجول داخل القرية ومعرفة مشاكل اهلها والتى تمثلت فى بعد اماكن المدارس الثانوى عن القرية التى يسكنها حوالى 1500 نسمة بأكثر من 200 كيلو يجبر التلميذ الذى يريد أن يتعلم ان يقطع هذه المسافة الشاسعة يوميا وكانت شكواهم الاخرى هى ضعف المياه وعدم توافر شبكة للهاتف داخل القرية بأكملها دون سبب يذكر ... استمعنا للشكاوى وبدأنا فى التقاط بعض الصور للقرية والمبانى الخاصة بها ثم صعدنا إلى الاتوبيس لبدء التحرك لكن احد جنود القوات المسلحة شاهدنا ونحن نصور القرية فتصور اننا نلتقط صور للمنشآت العسكرية فطلب من زميلى بطاقة الرقم القومى الخاصة به ثم اخبره أن ينزل معه الى الضابط المسئول .. امتثل زميلى للامر ونزلت معه لنذهب إلى الضابط الذى عاملنا باحترام وانا اخبره اننا صحفيين متجهين الى منطقة المثلث فأخبرنى أن اقصى مانستطيع ان نذهب اليه هو منطقة الشلاتين اما حلايب فلا نستطيع ان نذهب اليها إلا بوجود تصريح خاص من المخابرات الحربية واعطانا بعض النصائح بسبب طبيعة المنطقة الحدودية منها عدم تصوير أى منشآت عسكرية .. امتثلنا للامر فلم يكن فى ذهننا على الاطلاق ان نصور أى منشأة عسكرية فالحفاظ على اسرار جيشنا واجب وطنى .. فى النهاية وصلنا الى مدينة الشلاتين ..نزلنا من الاتوبيس واتجهنا إلى المجهول فنحن حتى الآن لانعرف اين سنقيم خلال مكوثنا فى المدينة وخاصة أن اليوم الجمعة والشوارع كانت خالية فى ذلك الوقت اتجهنا الى مجلس المدينة وهناك قابلنا رجلا وقور اسمر البشرة ضئيل الحجم باسم الثغر عرفنا بنفسه .. محمد على سكرتير مجلس المدينة اخذنا الى استراحة المدينة على البحر وهناك اقمنا .. هذا الرجل كان الجندى المجهول فى الرحلة ..ساعدنا كثيرا وعاوننا اكثر على اتمام مهمتنا وزودنا بمعلومات مهمة عن المثلث خاصة أنه يعمل حاليا على كتابة مجلد عن مدينتى حلايب وشلاتين سيكون موسوعة عن المنطقة بدأنا فى مهمتنا بالاختلاط بأهالى المدينة ومعرفة مشاكلهم ومعاناتهم وعاداتهم وتقاليدهم وهو ما سنتابعه من خلال الملف . منذ ظهر الجمعة وحتى مساء الاثنين تحركنا فى المدينة بكل حرية وتكلمنا مع الجميع من يرى أن الدولة مقصرة ولاتهتم بهم ومن يرى أن الاوضاع تحسنت كثيرا ومن يشتكى من الصحة والتعليم والمياه والكهرباء ومن يحمد ربه بان الدنيا اصبحت افضل لكن اهم شىء هو نظرتنا لمنطقة المثلث اختلفت كثيرا فتلك المنطقة هى قطعة من الجنة على ارض مصر فمن ساحل البحر المنبسط لاكثر من 60 كيلو والهواء النقى الى الطبيعة الساحرة للمنطقة والكنوز التى تخفيها سلاسل الجبال المليئة بالذهب والمعادن الثمينة الى اهل المنطقة اطيب البشر الذين يخرجون منذ الفجر لاعمالهم سواء لتحميل الجمال على السيارات الى منطقة امبابة الجيزة حيث يتم ذبحها اوعملهم فى تفريغ وتحميل سيارات البضائع التى تتنقل بين مصر والسودان او غيرها من الاعمال التى تنتهى عند غروب الشمس ليعود الى بيته هانئا حامدا ربه شاكرا على نعمته .. قبل مغادرتنا يوم الاثنين كنت اتجول فى احد الشوارع الرئيسية فى المدينة شاهدت ميكانيكيا يصلح السيارات ذهبت اليه وتحدثت معه اثناء حديثى قاطعنى احد الاشخاص والذى كان يجلس بالقرب منه وهو يسألنى عمن اكون فسألته بالمثل فأخبرنى أنه رجل مخابرات فقلت له انى صحفى واعمل موضوع صحفى عن المنطقة فسألنى عن التصريح الذى احمله فأخبرته اننى لااحمل تصريحا ولم اعرف انى لابد أن احصل على تصريح .. فى النهاية تركنى ارحل وهو يسألنى عن المدة التى قضيتها فى المدينة فأخبرته اننى موجود منذ 4 ايام .. انتهت رحلتنا وحملنا امتعتنا وانتظرنا الاتوبيس الذى حضر لكن قابلتنا مشكلة كبيرة فهذا هو آخر اتوبيس سيخرج من المنطقة فى طريقه للقاهرة وكان ممتلئا عن آخره فأخبرنا السائق اننا إن اردنا الذهاب فسنقف حتى ينزل احد الركاب ولاننا نريد الرحيل حتى نلحق طباعة الجريدة فوافقنا وصعدنا الى الاتوبيس ليرحل بنا ونحن واقفون فى انتظار الفرج .. لم يمر سوى عدة دقائق حتى توقف الاتوبيس عند احدى لجان حرس الحدود. سألنى الضابط الموجود عند النقطة وكان بشوش الوجه باسم الثغر عمن اكون ولماذا كنت فى المنطقة فأخبرته اننى وزميلى صحفيين وكنا فى المثلث من اجل عمل موضوع صحفى فسألنى عن اثبات الشخصية وطلب منى الذهاب معه لبعض الوقت فذهبت لكنى طالبته بعدم السماح للاتوبيس بالمرور حتى اعود وهو ماحدث بالفعل مرت عشر دقائق كان الضابط يجرى اتصالات ثم خرج لنا واعطانى اثباتات الشخصية وهو يبتسم واخبرنا اننا نستطيع المرور .. صعدنا الى الاتوبيس وكانت عيون كل الركاب تتساءل لماذا تم توقيفكم ومن انتم لنكون نحن طوال الطريق المشتبه به الاول فى ابراز البطاقات والحديث عن مهمتنا فى مثلث حلايب وشلاتين حتى تمكنا بعد 5 ساعات من الوقوف المتواصل داخل الاتوبيس من الحصول على مقعدين فى مدينة القصير...لتنتهى رحلتنا ونقدم لقارئنا هذا الملف عن مثلث حلايب وشلاتين نتمنى ان ينال اعجابكم ...