استكمالا للعمل الذي قامت به الأهرام عندما ذهبت مع انتهاء جولة الإعادة في انتخابات الرئاسة إلي شمال ووسط سيناء للوقوف علي المشاكل التي تواجه الأمن القومي هناك ومنها الإنفلات الأمني وتهريب السلاح وتهريب المهاجرين الأفارقة غير الشرعيين إلي إسرائيل. وقامت بوضع الملفات الثلاث تحت نظر الرئيس الجديد الدكتور محمد مرسي فإنها تتوجه اليوم ناحية الحدود المصرية مع كل من ليبيا والسودان لمتابعة ظاهرة الانفلات الأمني في المناطق الحدودية وما يصاحبها من نشاط ملحوظ في عمليات تهريب السلاح إلي داخل الأراضي المصرية خاصة السلاح الثقيل واقتحمت مسارات التهريب وأماكن تخزينه وهناك اكتشفت مصيبة أكبر تتمثل في ظاهرة تهريب بضائع الترانزيت مما يتسبب في تخريب الاقتصاد المصري وإغلاق عشرات الآلاف من المصانع والورش وإضافة مئات الملايين من العمال المصريين إلي قوائم البطالة وكذلك رصدت ظاهرة الاتجار بالعمالة المصرية في ليبيا. ولأننا كنا قد وصلنا بالفعل إلي بحر الرمال العظيم وأقتربنا من مناطق التقاء حدود مصر مع ليبيا والسودان في الجنوب الغربي وعرفنا الكثير من اسرارها فقد أتخذنا القرار الصعب وهو قطع الطريق من أقصي الشمال الغربي للبلاد إلي أقصي الجنوب الشرقي أي بالعودة من بحر الرمال إلي سيوة ومنها إلي مرسي مطروح وبعدها الأسكندرية والقاهرة ثم العين السخنة والغردقة ومرسي علم وصولا إلي مثلث حلايب وشلاتين علي الطرف الأقصي للحدود المصرية مع السودان في رحلة تمتد لما يزيد عن الفي كيلو متر وسط درجة حرارة لاتقل عن الأربعين وقد تصل للخمسين أحيانا رغم نفي خبراء الأرصاد الجوية. من الصحراء الشرقية إلي الغربية ورغم أن هذه الرحلة الشاقة كانت بمثابة فرصة لنا للأنتقال من الصحراء الغربية إلي الصحراء الشرقية عبر وادي النيل الذي يفصل بينهما وتصل مساحتاهما مجتمعتين إلي90% من مساحة مصر منها68% للصحراء الغربية والباقي للشرقية(22%) إلا أن اسوأ ماقابلنا في الطريق- عدا الحرارة الخانقة طبعا- كان نقص السولار في جميع المناطق التي مررنا بها وبلا استثناء واضطررنا للوقوف أحيانا بالساعات لتموين السيارة حتي لانستخدم كمية محدودة من الوقود كانت معنا لاستخدامها عند الضرورة القصوي كما توقفنا اضطراريا بالقاهرة لصيانة السيارة كل ذلك من أجل الوصول إلي كل منابع التهريب لمصر وخاصة تهريب السلاح حتي نضع هذه السطور المنبهة للخطر بين أيادي قراء الأهرام الأفاضل. وبعد التوقف الأجباري في القاهرة اتجهنا إلي العين السخنة في طريقنا إلي مثلث حلايب وشلاتين عبر الطريق الساحلي الموازي لخليج السويس والبحر الأحمر وهو الطريق الذي تحده من الجانب الأخر سلسلة جبال البحر الأحمر بلا انقطاع وتمثل المعلم الرئيسي للصحراء الشرقية وأيضا المخزن الرئيسي لكل انواع السلاح حيث ينطلق منها إلي المشترين سواء في صعيد مصر أو قطاع غزة حسبما اكد لنا كل الخبراء في شئون التهريب ومنهم الشيخ شنيب الذي تخلي عن حرفة تهريب السلاح بعد أن فقد أثنين من أبنائه وخمسة من أقاربه منذ عدة سنوات عندما أستخدموا ترسانته من الأسلحة المخزنة في أحد جبال البحر الأحمر في تصفية خلاف بسيط بينهم فلعن الرجل هذا العمل والذي كان قد امتهنه أساسا مدفوعا برغبته في مساعدة أحدي الفصائل الفلسطينية في غزة ولم يكن يعلم أن جانبا من السلاح الذي يتاجر فيه يتسرب إلي المدن والقري في صعيد مصر للاستخدام في الثأر وغالبا البلطجة والحرابة علي حد قوله. التهريب متوقف ومع استمرار السيارة في المسير كنا نحاول أستنطاق عناصر الجيش والشرطة الموجودة في الأكمنة الأمنية علي طول طريق البحر الأحمر الذي يمتد حوالي الف كيلو من السخنة إلي مثلث حلايب وشلاتين لعل أحدهم يروي لنا تفاصيل إحدي عمليات ضبط الأسلحة المهربة ولكن الجميع اكدوا أن التهريب توقف منذ فترة وان هناك انواعا اخري من التهريب تتم ويتم ضبطها ومنها السمك والشعاب المرجانية وأحيانا المخدرات. ذكاء المهربين ولأنني كنت علي يقين ومن خلال متابعتي عن كثب لعمليات تهريب السلاح إلي مصر أن مايقوله رجال الجيش والشرطة عن توقف عمليات تهريب السلاح من السودان غير صحيح وأن عمليات التهريب مازالت مستمرة فأن الشيخ شنيب حل هذا اللغز لي عندما أكد أن مااقوله صحيح ومايقوله رجال الأمن صحيح فمهربو السلاح أذكي من ان يمروا بشحناتهم علي نقاط التفتيش الأمنية رغم ضيق المسافة بين البحر وسلسلة جبال البحر الأحمر فهم اما ان يحملوا شحناتهم في مراكب صيد وفواليك صغيرة تسير بمحاذاة الشاطئ وصولا لأقرب نقطة لمكان التخزين وأما ان يرسلوها مباشرة للمشترين في الشاطئ المواجه أي السواحل الجنوبية لشبه جزيرة سيناء وأما يتم أرسالها للصعيد عبر الطرق والمدقات الجبلية. جبال البحر الأحمر وقال الشيخ شنيب إن معظم الأسلحة القادمة حاليا للمخازن الجبلية في سلسلة جبال البحر الأحمر والتي يصل أرتفاع بعضها لأكثر من الف متر إما ان تكون قادمة من منطقة الجلف الكبير بالصحراء الغربية وهي منطقة وعرة تتكون من الصخور الرملية ومناطق جبلية ووديان عميقة ضيقة وتتصل بسلاسل بحر الرمال الأعظم الممتدة طوليا من الشمال إلي الجنوب وهي موقع معزول وجاف واما أن تكون بعض سفن تهريب السلاح قد دفعت بها للمهربين في مناطقهم مباشرة عبر إسقاط الحمولة مغلفة في براميل في اتجاه الساحل بعيدا عن أعين خفر السواحل ليتم تخزينها قبل إعادة توزيعها, وبالعودة إلي أطالس مصر الموجودة علي شبكة الأنترنت وجد ان هضبة الجلف الكبير تقع علي بعد1600 كيلو مترا من القاهرة, وتمتد بطول571 كيلومتر وعرض521 كيلومترا, وبارتفاع003 متر عن سطح الصحراء حوله, وهي علي حدود مصر مع ليبيا والسودان. وتضم سهولا شاسعة للكثبان الرملية والكهوف تعود لعصور ما قبل التاريخ, وتقع هذه السهول بين هضبة الجلف الكبير وجبل العوينات, وتصل مساحتها إلي48 ألفا و523 كيلو مترا. وفي مرسي علم التي تبعد قرابة900 كيلومتر عن القاهرة توقفنا بعد أن حل الظلام علينا ونفد وقود السيارة وتراجعت قدرتها عن السير بسبب حرارة الجو القائظة والتي جعلتنا نشفق علي سكان المنطقة واضطررنا للمبيت بها علي امل استئناف الرحلة صباحا لنصل إلي مثلث حلايب وشلاتين قبل انتصاف نهار اليوم التالي وفي الصباح اكتشفنا وجود ثقب في احد أطارات السيارات لنستهلك قرابة الأربع ساعات بحثا عن محطة وقود بها إصلاح أطارات سيارات وهو مالم يحدث حيث أبلغنا العامل في إحداها أن جهاز نفخ الإطارات معطل ولم نجد خدمة في محطة الوقود الأخري وبعد مجهود شاق عثرنا علي محل ميكانيكي في المنطقة الصناعية بمدينة مرسي علم نفسها يصلح الإطارات فتحركنا عند الساعة الثالثة عصرا تقريبا لنصل إلي شلاتين أكبر مدن المثلث مع حلول السادسة مساء وهناك كان من الضروري أن نمضي الليل لأن الجيش يمنع مرور السيارات بين حلايب وشلاتين بعد السادسة مساء لأسباب أمنية اهمها محاصرة عمليات تهريب الأسلحة ورصدها لسهولة التعامل معها. وكان المبيت في الشلاتين بمثابة فرصة لنا للتأكد بانفسنا من اهل المدينة والذين ينتمون لعدة قبائل أشهرها العبابدة والبشارية من حقيقة مايتردد عن أن المدينة تعد من أهم نقاط تهريب السلاح من السودان إلي مصر رغم احساسنا بعكس ذلك نظرا لطيبة سكان الشلاتين وسماحتهم واعتزازهم بمصريتهم كانت أكبر دليل نفي فعلي عكس كافة المناطق الحدودية فأن سكان مثلث حلايب وشلاتين لايمتلكون حتي أسلحة شخصية. في الليل خرجنا للشارع والتقينا ببعض أهل المدينة ومنهم الشيخ محمد جمعة أحد أكبر واشهر التجار بالمدينة وصاحب المطعم السياحي الوحيد بها والمعروف بأسم بسمة الجنوب وعندما سألناه عن نشاط تهريب السلاح بالمنطقة ضحك وقال إن أشهر سلاح لدينا هو العصي فالناس لاعلاقة لهم باي شكل من اشكال التهريب فهم مسالمون لأقصي درجة. بيوت مستورة ويؤكد الشيخ محمد جمعة أنه رغم أن نسبة البطالة عالية في شلاتين نظرا لعدم وجود أنشطة اقتصادية بمعني الكلمة فإن فكرة لجوء أهل المدينة للتهريب كما يحدث في اماكن أخري بمصر مستحيلة حيث توجد تجربة فريدة في شلاتين تتمثل في قيام القوات المسلحة بأمداد السكان المحتاجين بحصص تموينية مجانية كل شهر علاوة علي تزويدهم بالماء والكهرباء بدون مقابل وإعطاء كل تلميذ3 وجبات مجانية ومكافأة يومية قدرها ثلاثة جنيهات وهو مايجعل بيوت الفقراء مستورة بشكل كبير. مشروعات لاستيعاب الشباب ويقول الشيخ محمد جمعة إن الشباب رغم ذلك يحتاجون إلي إقامة مشروعات إستيعابهم حيث أن النشاط الزراعي في المدينة وضواحيها محدود لقلة المياة الصالحة للزراعة ولايجد هؤلاء الشباب عملا سوي في تحميل الجمال علي السيارات عند نقلها من سوق شلاتين إلي المناطق الأخري بالجمهورية وهو نشاط محدود للغاية وتعمل فيه في كل يوم قبيلة مختلفة فإذا مااخذنا في الاعتبار وجود22 قبيلة متفرعة من القبيلتين الكبيرتين وهما العبابدة والبشارية سنجد أن فرصة عمل الشاب تكاد تكون معدومة. وأوضح أن الشلاتين ليس بها أيضا أي قري سياحية أو مصانع وانها تحتاج تدخلا عاجلا من الدولة لبناء مصانع فيها وخاصة أنها تعد بمثابة نقطة لنقل الخامات القادمة من السودان لمصر مثل السمسم الذي يستخدم في صناعة الحلاوة الطحينية والكركدية علاوة علي الجمال. وقال إن هناك مشكلة اخري يعاني منها سكان شلاتين وهي قلة الأراضي التي توفرها محافظة البحر الأحمر للتوسع الأسكاني رغم المساحة الشاسعة للمدينة وملحقاتها وأمتداد الصحراء حتي مرسي علم علي بعد قرابة300 كيلو مترا مما يدفع الشباب الراغب في الزواج للبناء بدون تصاريح. ولكن أخطر مايواجه سكان الشلاتين من وجهة نظره هو أن مجلس المدينة بدأ بعد ثورة يناير2011 في مطالبة سكان شلاتين بدفع ثمن للبيوت التي سبق تمليكها لهم منذ فترة طويلة وكان تسعير تلك البيوت مبالغا فيه ولا يتناسب مع تكلفتها وقت إنشائها. وطالب بضرورة توفير أطباء في المستشفي الموجود بالمدينة بدلا من إرسال المرضي للغردقة لعدم وجود اطباء بمستشفي شلاتين. وقال انه رغم ذلك فأن سكان الشلاتين يشعرون بالأمتنان للوطن الأم مصر لما توفره لهم, ويرفضون الأنخراط في أي نشاط غير قانوني خاصة التهريب بأنواعه بل إنهم خلال ثورة يناير حافظوا علي كافة المنشآت بدون خدش. وأكد لنا كل من التقينا بهم أن عملية تهريب السلاح القادم من السودان عبر الطريق المؤدي إلي مثلث حلايب وشلاتين شبه مستحيلة أن لم تكن مستحيلة لأن القوات المسلحة المصرية تسيطر علي المنطقة سيطرة كاملة وتعتبرها منطقة عسكرية مغلقة بسبب الخلاف مع السودان حول ملكيتها رغم انها مصرية مائة بالمائة. وأشار الجميع إلي أن وحدات الجيش وحرس الحدود تفتش كافة السيارات المارة وتمنع التحرك بين المدن الثلاث في المثلث وهي حلايب وشلاتين وحدربا بعد الساعة السادسة مساء كما أن طائرات الاستطلاع العسكرية لاتكاد تغادر سماء المثلث علاوة علي وجود دوريات دائمة من قوات خفر السواحل تراقب الحركة في هذا الجزء من مياه البحر الأحمر. سوق الجمال ولأننا كنا نسمع دائما عن ان المهربين ينقلون السلاح من السودان لمصر عبر الجمال في منطقة حلايب وشلاتين فقد ذهبنا إلي سوق الجمال بمدينة الشلاتين والتقينا بعدد من الأشخاص الذين يعملون في السوق والذي يضم أيضا مايعرف بأسم تبة الجمال وهي منطقة مرتفعة عن الأرض بها تبة تشبه الرصيف تقف السيارات علي حافتها لتحميل الجمال المشتراة من السوق والقادمة لتوها من السودان. الجمال بريئة من التهريب وأكد لنا كل من قابلناهم أن مسالة قيام المهربين بإدخال الأسلحة علي ظهور الجمال غير صحيحة لأن أي جمل لابد من تسجيله والكشف عليه في وحدة الحجر الصحي بمنفذ حدربا بين مصر والسودان في مثلث حلايب وشلاتين وبالتالي لايعقل دخوله المنفذ وهو محمل بالسلاح كما ان الجمال الطليقة التي ترعي علي الحدود بين البلدين غالبا ماتكون في مناطق خاضعة لرصد القوات المسلحة وبالتالي يصعب القيام بذلك تحت اي ظرف من الظروف لأن المنطقة أيضا تعاني من ندرة المياة الصالحة للشرب وبالتالي فرعي الجمال علي الحدود قليل جدا. وقبل أن نعود أدراجنا إلي القاهرة التقينا بأحد رجال القوات المسلحة الخبراء بالمنطقة والذي يعمل بها منذ سنوات عديدة حيث أكد لنا تراجع عملية التهريب بشكل عام وتهريب السلاح بشكل خاص من السودان إلي حلايب وشلاتين بسبب الأجراءات الأمنية المشددة من الجانب المصري والعمل علي توفير كل احتياجات سكان المنطقة لقطع الطريق علي المهربين لتجنيد ابنائها في التهريب كما حدث في أماكن اخري علي الحدود مع ليبيا وإسرائيل وقطاع غزة. واوضح المصدر ان السلاح مازال يتدفق بالفعل من السودان ولكن من منطقة التقاء الحدود المصرية الليبية السودانية عند هضبة الجلف الكبير وبحر الرمال مستغلا صعوبة التضاريس وسوء الأحوال الجوية حيث تعد المنطقة الأكثر جفافا في العالم وبالتالي يصعب الأحتفاظ بقوات كبيرة لتأمينها.