أنا امرأة عائدة من أسوأ رحلات النساء مع الأيام! سنوات طويلة وأنا أحمل لقب راقصة.. وسنوات أطول أعاني من هذا اللقب.. لكن ما حدث وما قد يحدث يستحق وقفة تأمل في أخطر محطة يتوقف فيها قطار الزمن في رحلة سفري مع الأيام! نشأتي كانت مع الفقر كحال بعض النساء اللاتي خرجن عن النص واخترعن منهجاً خاصاً بهن.. بعضهن نجحن بامتياز في هذا المنهج.. وبعضهن لم تكتف بالرسوب وإنما فرمهن قطار الزمن! المهم أنني وبسبب فقر أهلي حيث كنا نعيش في إحدي قري محافظة الغربية ألحقوني بالعمل خادمة في منزل سيدة تشغل وظيفة مدير عام بإحدي المؤسسات الحكومية.. اسمها مدام نادية.. أرملة علي خلق رفيع وكرم بلا حدود.. طيبة القلب.. حسنة النوايا.. تربي طفلين يتيمين.. أحمد ونسمة.. أما المفاجأة التي لم تخطر لي ببال فكانت موقف هذه السيدة مني، فقد اعتبرتني منذ اليوم الأول ابنتها وتعاملت مع الحياة علي أنها أم لثلاثة أبناء! تطعمني إذا طعموا.. وتكسوني إذا اكتسوا.. ويصطحبونني في النزهات.. ومرتبي الشهري ترسل السيدة نادية نصفه إلي أهلي في الريف وتدخر لي النصف الثاني لمستقبلي! مضت سنوات.. كأن القدر أهداني الجنة فوق الأرض.. كانت هذه السيدة تطمئنني إلي أن جهازي موجود ولن تكون هناك أدني مشكلة في زواجي! وكنت أرد علي مواقف هذه السيدة بالبكاء.. فلا كلام يكفي للتعبير! يوم عيد ميلادي التاسع عشر.. تغيرت حياتي مائة وثمانين درجة.. ماتت السيدة نادية.. وطمأنتني نسمة إلي أن أمها أوصتها بي خيراً، ومنحتها دفتر التوفير الخاص بي، ومع ذلك ظل قلبي منقبضاً، وأصابني قلقا وتوترا كنت أعرف مصدرهما جيداً، كان أحمد قد التحق بالجامعة وكانت نظراته تلتهمني كلما تصادف وجودنا في مكان واحد.. كانت هذه الصدفة قليلة، لكنها كانت تحدث!! سمعت أمه يوماً تحذره وتنهره ولو كانت أمي مكانها ما فعلت بابنها أكثر مما فعلت السيدة نادية قبل رحيلها! عشت عاماً علي أعصابي.. ورغم أنني أخفيت جسدي وشعري صيفاً وشتاء، ورغم احتمائي بالنوم علي باب حجرة نسمة، إلا أن الذئب الشاب ظل يتربص بي ويتحين فرصة الانقضاض! .. وذات ليلة وقع المحظور.. صحوت علي يده العابثة وأنفاسه المتلاحقة فصرخت.. وعلا صراخي.. واستيقظت نسمة والجيران.. وادعي الذئب أنني كنت أبادله الغرام وأنني تسببت في رسوبه بالجامعة العام الماضي ثم منعت نفسي عنه لأنني أحببت شاباً آخر!! كانت أول تهمة ظالمة وأول موقف لا أجد فيه دفاعاً عن نفسي سوي الدموع!! وبعد أن هدأت نسمة من الصدمة قررت انهاء خدمتي بهذا البيت بكل أدب.. منحتني المبلغ الموجود بدفتر التوفير.. وطلبت مني أن أحمل أشيائي وأرحل لأنها رغم تعاطفها معي لن يمكنها أن تخسر شقيقها! لم أصدق نفسي وأنا أغادر هذا البيت وفيه كل ذكرياتي.. أقسم لكم أنني شاهدت طيف السيدة نادية يقف علي باب الشقة وتسد الباب بذراعيها لتمنع نزولي! بكيت بحرقة وأنا أتخيل نفسي طريدة بلا مأوي.. فكرت في أن أذهب إلي قريتي، ولكن مفاجأة جديدة كانت في انتظاري أسفل المنزل! فوجئت بشاب يناديني من أمام محل عم خميس المكوجي.. ذهبت إليه وأنا خفيضة الرأس.. لم أكن أعرف شيئاً عن هذا الشاب سوي أنه ابن عم خميس.. ينام النهار ويختفي طوال الليل.. شاب أنيق رياضي الجسد! فوجئت به يخبرني أنه سمع بكل ما جري لي من والده وأن عم خميس فور خروجه من صلاة المغرب بالمسجد سوف يمنحني الحجرة الخالية فوق سطوح بيته حتي يوفر لي عملاً، فالحي كله كان ينظر لي نظرة احترام وشفقة!.. وبينما نتحدث عاد عم خميس من المسجد ودون مناقشة حمل عني حقيبتي وجذبني من يدي إلي داخل بيته وصعد بي إلي حجرتي الجديدة، بينما لحق بنا ابنه الشاب ومعه طعام العشاء وبعض الفاكهة! قلت في نفسي »ياما أنت كريم يارب« وقبل أن ننطق أنا أو عم خميس قال لي ابنه إن عملي سيكون جاهزاً بدءاً من الأحد القادم! كان الرجل وابنه في غاية الكرم معي! صباح اليوم التالي استيقظت علي صوت مشاجرة وصراخ في الشارع.. ومن نافذة حجرتي، شاهدت ابن عم خميس وقد عرفت أن اسمه عمرو، يمسك الذئب كما يمسك القط الفأر ويضربه في كل مكان طالته يداه! دون وعي رحت أزغرد لأول مرة في حياتي وأصفق بحماس.. هرولت إلي الشارع لكي أشاهد عن قرب هذا الذئب الذي أراد أن يدمرني وقد تحول إلي فأر بين يدي عمرو الذي لقنه درساً كان المقصود منه أن يرد به اعتباري أمام كل الناس! لا أنكر أن هذه اللحظات كانت مولد حبي الكبير لعمرو! سمحت له أن يجلس معي مساء هذا اليوم ليصارحني هو الآخر بأنه كان يتمني منذ التحق بالفرقة التي يعمل بها أن أكون نجمة هذه الفرقة.. تعجبت وسألته: »أي فرقة؟!«.. وراح يشرح لي عمله كعازف بفرقة بإحدي الملاهي الليلية.. أخبرني أن عملي بالفرقة سيكون تحت بصره ورعايته وبالتالي لن أجد أي نوع من المتاعب التي تواجه الراقصات! دارت بي الدنيا.. راقصة!! أنا!! وشجعني عمرو بحرارة فأنا لا ينقصني الجمال ولا الأنوثة.. كما أن الرقص وسيلة عبور سريعة نحو الثراء.. واختتم حديثه بأنه ليس كل الراقصات ساقطات! طال الحديث.. واستمر عدة أيام حتي استطاع عمرو أن يقنعني.. وبعد شهور قليلة من التدريب الشاق صعدت المسرح لأول مرة.. وبسرعة الصاروخ سرقت الأضواء من كل راقصات الملاهي.. وطاردتني العقود المغرية.. خاصة ليالي السهرات الخاصة في فيلات رجال الأعمال التي كنت أنا وزوجي وعازف الأوكورديون الأغراب الثلاثة فقط فيها! عرفت من أين تؤكل الكتف.. وتفننت في نشر الإحساس بالجوع بين الرجال!! نجحت في أن أجعل من نفسي المرأة التي يحلم بها كل رجل ولا يجد شبيهة لها في بيته.. لكن ليس كل رجل وإنما كبار الأثرياء فقط! هضمت المهنة وأجدت المهمة وحصدت من المال أكثر مما تتمني أي امرأة!
ذات ليلة لم أستطع الخروج للعمل!! ظللت أتلوي وأصرخ من آلام نقلوني علي أثرها للمستشفي.. عرفت هناك أنني تعرضت لتسمم بالغ الخطورة.. ساءت حالتي بشدة، وبينما أنا في حجرتي بالمستشفي.. سمعت صوتاً من مكان قريب لا أدري مكانه علي وجه التحديد.. صاحب الصوت كان يتلو سورة مريم بنبرات عذبة كأنها تهبط بالآيات من السماء!! أصابتني رعشة هزت جسدي.. نذرت لله إن شفاني أن أعتزل هذه المهنة وأتفرغ للعبادة وأي عمل آخر لا يرضي عنه الشيطان!! ثلاثة أسابيع عشتها في هذا الجو الروحاني الرائع.. خاصة وقد أحضروا لي كما طلبت جهاز كاسيت إلي جوار سريري وشريط مسجل عليه سورة مريم بصوت الشيخ محمد رفعت.. وكم سعدت بالشفاء الذي أهداني إياه رب العباد.. غادرت المستشفي وبدأت أنفذ »النذر« فاعترض زوجي بشدة! أرسل لي عمرو كل الذين كنت أحترمهم ليقنعوني بالاستمرار في عملي كإحدي نجمات الليل.. وتوافد علي شقتي القريبة من النيل سفراء إبليس.. وراح زوجي يذكرني بالحجرة التي عشت فيها فوق السطوح.. وبالميكروباص.. وسندوتشات الفول والطعمية ، وفساتين وبلوزات الوكالة.. وأحذيتي التي كانت تزحف فوق الأرض.. ويقارن بينها وبين شقتي التمليك التي تزيد مساحتها علي مائتي متر.. وسيارتي الفارهة.. ومطاعم الخمس نجوم وأرقي دور الأزياء والتجميل.. ومع هذا فشلت كل جهوده حتي وصلنا إلي طريق مسدود وتم الطلاق.. وحينما أراد أن يغيظني بالزواج من الراقصة التي حلت مكاني.. أرسلت له علي الموبايل ليلة زفافه رسالة من كلمتين فقط: »ربنا يهديك«!
بدأت حياتي الجديدة من المبلغ الذي احتفظت به كما هو في دفتر التوفير!.. مال حلال مائة بالمائة.. كل جنيه كأنه كنز من كنوز الدنيا.. تذكرت رجلاً حرص علي مقابلتي بعد انتهاء وصلتي في أحد الأفراح بفندق خمس نجوم.. تذكرت حواره معي كأنه مسجلا في أذني وهو يخبرني أن دواعي المجاملة هي التي جعلته يحضر حفل زفاف ابنة صديق له، وأنه علي أتم الاستعداد ليساندني إذا هداني الله! ثم منحني كارت باسمه ورقم تليفونه.. اتصلت به.. ذكرته بنفسي.. رحب بي ودعاني لمقابلته في مكتبه.. ذهبت إليه.. بالغ في كرمه معي، وبعد أن سمع حكايتي قرر تعييني فوراً مديرة لدار الحضانة التي يمتلكها! يا له من كرم السماء.. لكن بقي السؤال العريض الذي يؤرق حياتي الآن.. ماذا أفعل بالمال الوفير الذي كسبته من مهنة تعتمد علي جسد يثير الشهوات وأنوثة تتكسب بقدر ما تتعري.. وكم من ليالٍ كان فيها الناس يصلون الفجر وأنا بين الكئوس والسهاري! ليالي حمراء.. لكنها سوداء! قال لي فريق إن التبرع بهذا المال في أوجه الخير أفضل السبل.. ورفض الفريق الآخر أن يكون المال الحرام وسيلة يتطهر بها صاحبه.. أنا حائرة.. كيف أتصرف في هذا المال الحرام بعد أن اقتربت من الله وذقت طعم وحلاوة الهداية.. ولولا اهتمامي بالبحث عن إجابة شافية ما قدمت لكم هذه الاعترافات التي ربما تتحاشي أي امرأة أن تشوه بها ماضيها! ن.ل.ش العجوزة- الجيزة
وإليك أقول: سيدتي.. هذه مسألة شرعية، لا يفيد فيها رأي أو اجتهاد طالما أن كبار الأئمة تناولوها، فقد ذهب عدد كبير من الأئمة والفقهاء في باب المال الحرام إلي أنه لا يجوز التبرع به لوجه الله لأن الله طيب لا يقبل إلا الطيب.. بينما ذهب العلامة الكبير ابن تيمية في كتابه »الفتاوي« إلي أن الكافرالذي يدخل الإسلام يحق له أن يستمتع بماله ولو تكسبه من حرام، وبالتالي إذا حرمنا المسلم التائب من هذا الحق نكون قد جعلنا المسلم التائب في مرتبة أقل من الكافر الذي يدخل الإسلام، وبالتالي يحق للمسلم التائب أن يستمتع بماله الذي تكسبه قبل التوبة طالما أنه ليس به حقوق للعباد، فإن كانت به حقوق للعباد يجب ردها أولاً في كل الحالات. سيدتي: هذا اجتهاد واحد من أكبر علماء الإسلام.. والله أعلم.. واستفتي قلبك.. وقلب المؤمن دليله..! خاصة بعد أن انقلبت لياليك الحمراء.. إلي ليالٍ بيضاء في رحاب الله.