كتفني عدم فهم ما يقوله عم هلال عن متابعة غضبي وحشد شري ، أية زجاجات بيرة هذه التي لم يعد قادرا على شربها عم هلال ، وهو الحوت الذي يشرب المحيط ، كما يقول ؟ وما حكاية هذه الزجاجات الخمسة التي شربها ؟ وما علاقتها بعدم بيعه لي زجاجاته ؟ ولماذا كل هذه التوسلات والتطيبات التي يمارسها معي حتى لا أشتري زجاجاتي ؟ وما علاقة كل ذلك بمسألة الاتزان وعدمه ؟ فتر غضبي وتداعى ، وهبطني إلحاحه على أرض التساؤل ، وبدوت أمامه مستفهما ، لا غاضبا شريرا ، فعاجلني لحظة اطمئن لحسن فهمي وتقديره بالإجابة المذهلة ، التي علقتني مرة أخرى في أرجوحة أخرى ، بين صحراء الدهشة والعجب . أحقا فعلا ما تقوله يا عم هلال ؟ يا ألله ، هأ هأ ، هأ هأ ، يا ألله ، أأنت فعلا تتعمد ألا تكسب مالا من بيع زجاجات البيرة ، وأن ما تكسبه من مال في بيع الزجاجات ، تشرب بما يعادل قيمته زجاجات من البيرة ذاتها ، في اليوم نفسه ، أولا بأول ، دون أن تبقي منه شيئا ليوم تال ، حتى لا يتبقى في حر مالك مال حرام تدخل به على عيالك ، بحجة أن التكسب بمال من بيع البيرة حرام ، وأنك اليوم شربت ما يكفي تخوم رغبتك واتزانك ومكسبك ، وليس في نيتك كسب وشرب المزيد . برافو ، ياعم هلال ، برافو ، أسطورة جديدة طاهرة نقية ستضاف إلى أساطيرك الشريرة ، تتفق مع تحولات مواقع النجوم ، التي أقسم الله تعالى بها ، وستستمر بها إذن يا عم هلال بإذن الله في ممارسة عادات إدمانك في بيئتك الجديدة ، دون ضياع قرش واحد من معاشك وجريك على مزاجك ، وسيبقى محلك طاهرا نقيا كأسطورتك ، لا يوجد به زجاجات بيرة فعلية إلا من حر مالك ، أما زجاجات المكسب فهي تدخل جوفك دواليك يوميا . اهنأ يا عم هلال ، فلقد ضمنت شرابا أبديا مجانيا ، زجاجة أو زجاجتين على الأقل يوميا ، فمقابل كل خمس زجاجات تبيعها ، ستضمن زجاجة تشربها مكسبا ؟ وما أضمن الشريبة وما أكثرهم في قريتنا يا عم هلال !!! أه ، يا عم هلال ، إن الليلة مولد ، وصاحبه لا شك غائب كعادته ، شي الله يا سيدنا يا غائب ، ولقد بعت الكثير ياعم هلال ، وحتما شربت الكثير ، شربت خمس زجاجات كما تدعي ، معنى ذلك أنك بعت خمسا وثلاثين زجاجة ، فلا شك أن أمامك زجاجتين على الأقل لم تفرغ منهما ، لا شك أنك ستصل بزجاجاتك إلى السبع حتى تحقق أسطورتك الطاهرة النقية ، خمس وثلاثين زجاجة فقط يا قريتنا !! خمس وثلاثين زجاجة فقط يا سيدنا الغائب !! بركاتك يا عم هلال ، بركاتك يا سيدنا الغائب ، أمعقول هذا الرقم في ليلة مولد ؟ من يزيد ؟ ألا أونا ألا دوي ألا تري . معذور يا عم هلال حقا في رفضك أن تبيع لي الليلة زجاجات أخرى ، فأنت لا تستطيع شرب المزيد ، لا سيما وقد طلبت منك عشر زجاجات وليس واحدة ، معنى ذلك أنك مطالب بشرب اثنتين أخريين الليلة ، غير الاثنتين اللتين مفروض أنهما موجودتان أمامك علي الرف المختبئ تحت الفاترينة ، معنى ذلك أنك مطالب بأن تكمل شربك إلى تسع زجاجات ، تشرب المحيط ولا تشرب تسع زجاجات يا عم هلال ؟ انكشفت يا عم هلال ، وبدا وضعك الجديد في أسطورتك الجديدة عاجزا ، أين فتوحاتك وصولاتك وجولاتك في أساطيرك القديمة ؟ اشرب يا عم هلال اشرب ، فما زال بيننا وبين المحيط الكثير . مشكور دوما يا عم هلال على بثي هذا السر الظريف ، الذي أفشته الزجاجات عن الزجاجات ، فلولا الزجاجات الخمس المفتوحة ما عرفت سر بقية الزجاجات المغلقة ، مغلق سرك يا عم هلال إلى الأبد ، وشي الله يا زجاجات ، لقد أبنت السر في يوم كم زخمك ، سمة أخرى تضاف لكيف سيماتك ، ومقدر حرصك على كتمان سرك يا عم هلال طيلة كل هذه الأيام ؛ ربما دفعا منك لتفكه قد يصدر مني حينما تعرض أسطورتك علي عقلاني مثلي ؛ أو ربما صونا لك ولأسرتك من بعدك من لذع حس المفارقة القاتل على هزء حجتك في قريتنا ، مصون سرك يا عم هلال إلى أبد الأبد ، وشي الله يا سيدنا الغائب ، لقد كشفت السر في يوم مولدك ، كرامة أخرى تضاف إلى كراماتك . مسكين حقا يا عم هلال ، سامحني ، واغفر لي سوء فهمي وغضبي ، فأنت تستأهل عطفي ومساعدتي على إنفاذ هذا الحل العبقري لمشكلتك ، بيرة ببيرة ، ومال المعاش والبقالة للعيال ، وسر عظيم لا يذاع ، وشرب حتى بداية تخوم الهذيان ، أو قبل نهاية حدود الاتزان ، مرتاح ضميرك إذن يا عم هلال ، وتدور في قناعات فلكك ، ولا مكان لفلك آخر يدورك بمزاجه ، اكتشاف بيئي نهائي عظيم ، نفسك هي فلكك ، وفلكك هو نفسك ، وتجاهد بي وتشتد علي لتضبط فلكك بضبط مقاسي : لا زجاجات بيرة يا أستاذ ، حتى لا تفسد فلكك . لا يا عم هلال ، فهل يمكن لك أن توقف فلكك بعض الوقت ، وتدخر الزجاجتين المكسب ليوم غد أو بعد غد ، حتى أتسق أنا الآخر مع فلكي ؟ وإذا رفضت يا عم هلال وحتما سترفض ، حسب فلكك ، فهل لديك مانع يا عم هلال من أن آخذ الزجاجتين المكسب معي وآتي لك بهما غدا أو بعد غد ؟ يبدو أن منطقية فروض تساؤلي لحل مشكلتك يا عم هلال ومشكلتي ، جعلتك لا تبدو في عيني واعيا منتبها لمقصد كلامي وعرض عهد اتفاقي ، لا سيما بعد تشكيكي لك فيما زعمته لي من شربك لخمس زجاجات بيرة مكسب فقط الليلة ؛ لكنني أحسست بك فاهما يقظا تعاهدني وتنتظر عهدي ، وأنا أراك تسحب تسع زجاجات مكسب من خلف مخبأ آخر أمامك في أعلى الرفوف ، تشكله بعض الكتب الصفراء ، متينة الغلاف المذهب الأخضر ، التي كنت جلبتها في إحدى زياراتك للجزيرة ، وتدسها في كيسي ، هي وزجاجاتي العشر ، وأنا أهم بالإسراع عدوا صوب غرفتني البعيدة التي تشبه معبدا فرعونيا ، وورائي يصغر ثم يختفي بيت عم هلال ، المرسوم على جدرانة بيت الله الحرام ، وباخرة ، وكثير من أغصان الزيتون ، وعبارة : حج مبرور وذنب مغفور .