■ كتب: محمد ياسين لم يكن الانتصار في حرب السادس من أكتوبر عام 1973 مجرد نجاح عسكري تقليدي، بل كان معجزة استراتيجية أذهلت العالم، وقضت على نظرية الأمن الإسرائيلية التي كانت ترى جيشها لا يُقهر، هذا النصر، الذي تحقق في ست ساعات فقط، كان ثمرة خطة خداع محكمة، تم تنفيذها على مراحل، ما منح القوات المصرية عنصر المفاجأة الذي حسم المعركة، شهادات الخبراء العسكريين الذين يكشفون كيف ابهرت مصر العالم بخطة الخداع الاستيراتيجي التي استطاعت فيها تعمية القوات الإسرائيلية والموساد بخطة خداع تدرس الآن في أكبر المعاهد العسكرية في العالم. ◄ الغباشي: السرية السلاح الأقوى يؤكد اللواء محمد الغباشى المحلل العسكري أن خطة الخداع الاستراتيجي التي نفذتها القوات المسلحة المصرية في حرب أكتوبر، كانت حاسمة فى تحقيق النصر. هذه الخطة المحكمة لم تكن وليدة الصدفة، بل تم تنفيذها على مرحلتين أساسيتين، شملتا التحضير قبل الحرب، ثم إجراءات اللحظات الأخيرة.. كانت مرحلة الإعداد والتجهيز السرى هما جوهر الخطة، حيث تم استخدام الشفرة النوبية للتغلب على التهديد الإسرائيلى باختراق الاتصالات اللاسلكية المصرية، اتخذت القيادة قرارًا عبقريًا باستخدام لغة أهل النوبة للتخاطب. هذه اللغة التى لا يعرفها إلا أبناؤها، شكلت شفرة لا يمكن فكها، فكانت الأوامر مسموعة لكن غير مفهومة لأجهزة المخابرات المعادية، مما أمّن التواصل بين قادة الجيش. ◄ تحطيم خط بارليف وأضاف: خط بارليف يعتبر خط الدفاع الأقوى فى العالم. لكن جاء الحل المبتكر من المقدم مهندس باقى زكي يوسف وفريق من المهندسين، الذين توصلوا إلى فكرة استخدام مضخات المياه لفتح ثغرات فى الساتر الترابى الضخم. ولإخفاء هذه الخطة، تم استيراد المضخات تحت ستار شركة مقاولات تعمل فى منطقة السد العالي، ثم نُقلت سرًا إلى مواقعها. وكان لتدريب القوات على عبور القناة واقتحام النقاط الحصينة، تم اختيار مناطق نائية بعيدة عن أعين الاستطلاع الإسرائيلي. استخدمت وحدات الجيش أجزاء من الترع وأفرع وادى النيل للتدريب، مما مكن القوات من إتقان المهام المطلوبة بعيدًا عن أى شبهات. ويقول الغباشي إنه مع اقتراب ساعة الصفر، تضاعفت إجراءات الخداع لتشتيت انتباه العدو، حيث اختارت القيادة توقيت الهجوم فى يوم 6 أكتوبر، الذى تزامن مع يوم الغفران (كيبور)، وهو أقدس الأعياد لدى اليهود، حيث تتوقف الحياة فى إسرائيل. إضافة إلى ذلك، كان الهجوم فى شهر رمضان، ما جعل العدو يعتقد أن الجنود المصريين الصائمين لن يكونوا قادرين على القيام بعمل عسكرى عنيف. كما قامت القوات المصرية بتنفيذ عمليات تعبئة متكررة، ثم فضها دون تنفيذ أى هجوم حقيقي. ومع تكرار هذه المناورات، أصبحت إسرائيل تشعر باليأس من هجوم حقيقي، مما أدى إلى عدم استدعاء الاحتياط فى اللحظات الأخيرة قبل الحرب. وكانت هناك إجراءات علنية مضللة، مثل تسريح دفعة من المجندين، والإعلان عن رحلات عمرة فى رمضان للضباط وأفراد القوات المسلحة. هذه الإجراءات أوحت بأن الجيش المصرى لا يفكر فى أى عمل عسكري. ◄ الشهاوي: تعبئات متكررة للقوات دون تنفيذ عمليات ◄ عقيدة النصر أو الشهادة ويقول اللواء أركان حرب دكتور محمد الشهاوي رئيس أركان الحرب الكيميائية الأسبق، إن حرب أكتوبر تعد وسامًا على صدر كل مصرى وعربي، وأن صانع هذه المعجزة هو الجندى المصري، الذى آمن بعقيدة «النصر أو الشهادة». وأكد أن القيادة العسكرية اعتمدت خطة الخداع على دراسات عميقة أجرتها هيئة عمليات القوات المسلحة، حيث تم اختيار شهر أكتوبر بعد دراسة دقيقة لحالة المد والجزر وسرعة التيار واتجاهه بالنسبة لقناة السويس، لضمان أفضل الظروف للعبور، كما تم اختيار يوم تكون فيه ليلة طويلة، بحيث يكون نصفها الأول مضاءً بضوء القمر لتسهيل تركيب الكباري، والنصف الثانى مظلمًا لتأمين عبور القوات. أما ساعة الصفر، فكانت اختيارًا عبقريًا فى الثانية ظهرًا، وهو توقيت غير متوقع. ◄ اقرأ أيضًا | كيف غير انتصار أكتوبر مفاهيم الحروب الحديثة؟ ◄ التعبئة المستمرة وأضاف الشهاوي إنه تم إجراء تعبئات متكررة للقوات، ثم فضها دون تنفيذ عمليات حقيقية، ما خلق لدى العدو شعورًا باللامبالاة. وعندما بدأت التعبئة الأخيرة قبل الحرب، اعتقد العدو أنها مجرد تدريب آخر. كما تم الإعلان في الصحف عن عمرة تنظمها القوات المسلحة فى رمضان، والإعلان عن زيارة وزير الدفاع الرومانى لمصر يوم 9 أكتوبر. وفى صباح يوم 6 أكتوبر، كان الجنود على الشاطئ الغربى للقناة في حالة استرخاء ظاهرة، مما أكد للعدو عدم وجود نية لأى عمل عسكري. ◄ حرب الاستنزاف يؤكد الشهاوي أن حرب الاستنزاف التى استمرت 1041 يومًا، لعبت دورًا محوريًا فى كسر حاجز الخوف لدى الجندى المصرى، ورفع الروح المعنوية وزيادة الثقة بالنفس، فكانت تجربة حقيقية لتهيئة الجيش للحرب الكبرى. ويختتم الشهاوى حديثه برسالة طمأنة بأن القوات المسلحة اليوم أقوى بمئة مرة عما كانت عليه فى عام 1973، وأنها مصدر للأمان، فكما قال الملك تحتمس الثالث منذ آلاف السنين: «إذا أردت السلام فتهيأ للحرب". ◄ عنصر المفاجأة ويقول اللواء حلمى زكي أحد أبطال حرب أكتوبر إن الرائد أحمد نبيه يُعد أحد الأبطال المجهولين في حرب أكتوبر 1973، فخطته الاستراتيجية للخداع، والتى لم تحظَ بانتشار واسع، كانت حجر الزاوية فى تحقيق عنصر المفاجأة الذى حسم المعركة لصالح مصر. وأضاف بدأت خطة الخداع الاقتصادى بإطلاق بيانات وهمية تُظهر تدهور الحالة الاقتصادية لمصر، ما جعل المؤسسات العالمية تخفض التصنيف الائتمانى لمصر، وكان الخداع الاجتماعى من أجل تبديد أى شبهات حول الاستعدادات العسكرية، فُتح باب حجز رحلات العمرة للضباط فى شهر رمضان، وتقدم عدد كبير منهم، ما أعطى انطباعًا بأن القوات المسلحة منشغلة بأمور دينية لا عسكرية. وقال زكي أن الخداع الصحي كان عبقريا حيث أُشيع وجود وباء أو فيروس خطير فى المستشفيات المتواجدة فى الإسماعيلية وبورسعيد، وتم إخلاء بعضها وتطهيرها، بهدف إظهار أن المستشفيات تواجه أزمة صحية، وليست فى حالة تأهب عسكري. وتم استخدام الخداع الدبلوماسى لتعزيز فكرة عدم وجود أى نوايا لعمليات عسكرية، حيث تم توجيه دعوات للأميرة مارجريت، ابنة ملكة بريطانيا، ووزير الدفاع الرومانى لزيارة مصر بعد يوم ويومين من الحرب على التوالي. أما الخداع العسكرى فقد تم استدعاء عدد أكبر من الجنود والضباط الاحتياطيين سنويًا لإجراء مناورات، لكن بعد انتهائها، يتم الإعلان عن تسريح المجندين على دفعتين، وتم تسريح الدفعة الأولى قبل الحرب بثلاثة أيام، ما زاد من شعور العدو بالاطمئنان. ويضيف اللواء زكي أن هناك خداعًا على مستوى الوحدات، حيث قامت الكتيبة 18 مشاة فى صباح يوم 6 أكتوبر بتنظيم مباراة لكرة القدم، بينما انشغلت مجموعة أخرى بالصيد فى قناة السويس، فى مشهد يوحى بالروتين اليومى للقوات.