* رئيس سلاح المهندسين بالجيش الثاني الأسبق: * قمت أنا وزملائي ببناء حائط الصواريخ في 40 يوما لحرمان إسرائيل من التفوق الجوي * فتحنا 70 ثغرة في خط برليف وأنشأنا 10 كباري ثقيلة بالإضافة إلى 720 قارب مطاط في نصر أكتوبر * استخدمنا خراطيم المياه في فتح ثغرات خط برليف تم أخذها من بناء السد العالي.. وأقصر تجربة كانت 4 ساعات * استخدمنا 450 مضخة مياه إنجليزية وألمانية لفتح الثغرات في خط برليف في 25 أبريل من كل عام، تحتفل مصر بذكرى تحرير «أرض الفيروز» - سيناء- من الاحتلال الإسرائيلي، فقد تم تحرير الأرض والتي خاضت مصر العديد من الحروب على مر التاريخ للمحافظة عليها في عام 1982، واكتمل التحرير بعودة طابا عام 1988، حيث قامت دولة الاحتلال الإسرائيلي في احتلال سيناء كاملة بعد حرب يونيو عام 1967، ومن بعدها، انطلق الكفاح بين الجيش والشعب في حرب الاستنزاف، وانتهت الملحمة الكبرى في نصر أكتوبر 1973. وبعد نصر أكتوبر، بدأت معركة أخرى، وهي «المعركة الدبلوماسية» بين مصر وإسرائيل، وكانت بدايتها المفاوضات للفصل بين القوات المصرية والإسرائيلية عام 1974 وعام 1975، ثم بعد ذلك مباحثات «كامب ديفيد»، التي أفضت إلى إطار السلام في الشرق الأوسط " وبعدها تم توقيع معاهدة السلام «المصرية – الإسرائيلية» عام 1979. وتتميز سيناء بمكانتها الجغرافية وتاريخها الواسع، فلقد ضحى من أجلها آلاف المصريين لكي يحافظوا على أغلى بقعة في الوطن، ينظر إليها العدو بنظرة «المفترس»، نظرا لموقعها الجغرافي والاستراتيجي، حيث إنها المفتاح لموقع مصر العبقري في قلب العالم بقارته وحضارته، هي محور الاتصال بين آسيا وأفريقيا بين الشرق والغرب. والمعروف عن سيناء أنها البوابة الشرقية لمصر، وحصن الدفاع الأول عن أمن مصر وترابها الوطني، وهي الآن البيئة الثرية بكل مقومات الجمال والطبيعة والحياة برمالها الذهبية وجبالها الشامخة وشواطئها الساحرة ووديانها الخضراء وكنوز الجمال والثروة تحت بحارها، وفي باطن أرضها من «نفط ومعادن»، فهي التاريخ العريق الذي سطرته بطولات المصريين وتضحياتهم الكبرى لحماية هذه الأرض. ففي الخامس والعشرين من أبريل عام 1982، قام الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك برفع العلم المصري فوق شبه جزيرة سيناء بعد استعادتها كاملة من إسرائيل، وكان هذا هو المشهد الأخير في سلسة طويلة من الصراع المصري الإسرائيلي انتهى باستعادة الأراضي المصرية كاملة بعد انتصار كاسح للسياسة والعسكرية المصرية. وفي إطار مرور الذكرى ال34 علي تحرير سيناء، قام موقع «صدى البلد» بإجراء حوار مع اللواء أركان حرب كمال الدين حجاب، رئيس سلاح المهندسين الأسبق بالجيش الثاني الميداني، أشار فيها إلى حائط الصواريخ والملحمة الفدائية للجنود أثناء عبور قناة السويس في السادس من أكتوبر.. وإلى نص الحوار: كيف ساهمت حرب الاستنزاف في تحقيق نصر أكتوبر 1973؟ بعد دخول الجيش المصري حرب الاستنزاف ضد العدو الإٍسرائيلي وتحقيق عدد من الانتصارات أشاد بها العالم، مثل تدمير المدمرة إيلات، ومعركة رأس العش، ومعركة التمساح، ومعارك أخرى على الجبهة كبدت إسرائيل واستنزفتها كثيرا، ورفعت الروح المعنوية لجنود وضباط الجيش حتى وصلوا إلى حرب أكتوبر. ماذا كان دورك في حرب الاستنزاف؟ تم تكليفي مع زملائي ببناء حائط الصواريخ لحرمان العدو من التفوق الجوي والسماء المفتوحة، وكان أعظم شيء في هذه المهمة هو التلاحم بين القطاعين المدني والعسكري؛ لأن حائط الصواريخ أنشئ في 40 يومًا بوحدات المهندسين العسكريين والشركات المدنية، وكان ما يتم إنشاؤه من مواقع أثناء الليل تدمره طائرات العدو ليلا أيضا، ومع ذلك لم يؤثر الأمر في الروح المعنوية للبناء والتشييد حتى امتزجت خرسانة الحائط بدماء الشهداء من الطرفين العسكري والمدني، لينتهي بناؤه في 40 يومًا، ويحرم العدو من الاقتراب من القناة لمسافة 15 كيلومترا، ولولا حائط الصواريخ لكان الطيران الإسرائيلي طال قواتنا غرب القناة أثناء العبور، ولكن تم العبور تحت حماية عناصر قوات الدفاع الجوي والقوات الجوية. وماذا عن الفريق عبد المنعم رياض؟ الفريق عبد المنعم رياض أحد العلامات البارزة في تاريخ العسكرية المصرية، فكان مثالا للعلم والعطاء والنبوغ العسكري، درس في مختلف المدارس والكليات العسكرية في العالم، بأكاديمية ناصر العسكرية والاتحاد السوفييتي وإنجلترا وأمريكا، وكان يجيد التحدث ب6 لغات، ودرس وهو في رتبة عميد الرياضة البحتة في كلية العلوم، حتى يظل متابعا لتطور العلم في مجال تخصصه في المدفعية المضادة للطائرات، ثم درس في أواخر أيامه بكلية التجارة. ما أهم ذكرياتك مع الفريق عبد المنعم رياض؟ أثناء عملي مع الفريق كمساعد له، وكان ذلك يوم 5 يونيو 67 عندما أبلغت محطة رادار «عجلون» الأردنية عن أول موجة للطائرات الإسرائيلية المتجهة إلى مصر، أرسل الفريق رسالة إلى مركز القيادة في مصر بهذا المعنى، وقام بنشر عناصر الصاعقة التي دفعت بها القوات المصرية إلى الأردن للمشاركة في العمليات هناك على الجبهة الأردنية ونفذت عمليات شديدة في عمق إسرائيل، جعلت اليهود يهربون من المستوطنات تاركين كل شيء؛ بسبب خوفهم وعدم مقدرتهم على الصمود. وجاءت إشارة خداعية من إسرائيل إلى الجنرال «أوديول»، قائد قوات الطوارئ الدولية، بعدم تدخل الأردن، وكان هدفهم عزل الجبهة المصرية حتى ينفردوا به. ماذا كان رد فعل الفريق عبد المنعم رياض؟ عبد المنعم رياض كقائد للقوات المشتركة «مصر والأردن وسوريا» أصدر أوامره للمدفعية الأردنية بالاشتباك، وكانت الضربات التي توجهها للقوات الإسرائيلية مؤثرة جدا، وهذا كان من أهم القرارات الصائبة التي اتخذها في الأردن ولا تزال تدرس حتى الآن. عقب حرب يونيو.. ماذا كانت خطة الفريق عبد المنعم رياض لتحديث الجيش؟ صدر قرار جمهوري بتعيينه رئيسا لأركان حرب القوات المسلحة المصرية فلم يجلس في مكتبه، وكان يرى أن الواجب يحتم عليه التواجد على الجبهة باستمرار، وبدأ مباشرة في بناء القوات المسلحة على أسس علمية سلمية؛ لكي يتحقق خلالها استعادة الأرض. ووضع الفريق عبد المنعم رياض خطة حرب الاستنزاف، وبدأ تنفيذها 8 مارس عام 69، وبعد 24 ساعة من التنفيذ طلب رياض زيارة الموقع في النقطة الدفاعية في الموقع رقم 6، ويوم الأحد 9 مارس 69 توجه الفريق عبد المنعم رياض إلى جبهة القتال للاطمئنان على وحدات المدفعية، وانهالت المدفعية الإسرائيلية بقصف مركز على الموقع. وفي الساعة الثانية وخمس وعشرين دقيقة، حلقت روح الفريق الطاهرة مع الشهداء وهو يرتدي الأفرول، ليظل القدوة والرمز الذي يدرس في كتب التاريخ ليكون أول رئيس أركان حرب القوات مسلحة يستشهد وسط جنوده في ميدان القتال بالخطوط الأمامية. ما الدور الذي قام به سلاح المهندسين في نصر أكتوبر 1973؟ كان لسلاح المهندسين الدور الفعال في نصر أكتوبر، حيث قام بفتح 70 ثغرة في الساتر الترابي -"خط بارليف"- على الجانب البعيد، كل منها 1500 متر مكعب، كما تم إنشاء 10 كباري ثقيلة لنقل لعبور الدبابات والمدافع والمعدات الثقيلة، وإنشاء 5 كباري خفيفة حتى يمكنها تجنب نيران العدو، وبالتالي تخفف من هجوم العدو على الكباري الرئيسية وتكون مشابهة للكباري الثقيلة ولكن حمولتها 4 أطنان فقط. كما تم بناء 10 كباري اقتحام لعبور المشاة، وتجهيز وتشغيل 35 معدية نقل عبر القناة، وتشغيل 720 قاربا مطاطيا لعبور المشاة، مع العلم أن جميع هذه المهام ستتم في وقت واحد، بحيث يتم فتح الثغرات فيما بين 5 و7 ساعات تقريبا، بينما يتم بناء الكباري بعد ذلك بحوالي ساعتين، وذلك يتم تحت نيران ومدفعية العدو، ولعل كان من أصعب هذه الأمور هو خط بارليف. صف لنا صعوبة «خط برليف»؟ خط بارليف هو سلسة من التحصينات الدفاعية التي تمتد على طول الساحل الشرقي لقناة السويس، وقد بُني خط بارليف من قبل إسرائيل بعد استيلائها على سيناء بعد حرب 1967، كان الهدف الأساسي من بناء الخط هو تأمين الضفة الشرقية لقناة السويس ومنع عبور أي قوات مصرية خلالها، كان من واجب المهندسين الاهتداء إلى أسلوب عملي لفتح الثغرات في الساتر الترابي الهائل الذي يمتد على طول الشاطئ الشرقى للقناة. وقد أجريت من أجل التوصل إلى الحل المطلوب مئات التجارب واستحدثت شتى الوسائل والأساليب التي كان من ضمنها "النسف بالمفرقعات - استعمال البلدوزرات - القصف بالطيران - الرمي بالمدفعية والصورايخ"، إلا أن كل هذه التجارب فشلت في تحقيق النتائج المطلوبة. وكيف أتت فكرة «مضخات المياه» لفتح الثغرات في الساتر الترابي؟ الفكرة بسيطة وسهلة وعبقريتها كانت في بساطتها، حيث إنها غيرت تاريخ مصر المعاصر وتاريخ المنطقة بل وسُجلت كبراءة اختراع وأصبحت تُدرس في الجامعات على مستوى العالم، وهي فكرة استخدام مضخات المياه لفتح ثغرات في خط بارليف، وكان صاحب تلك الفكرة اللواء باقي زكي يوسف، والذي دكت فكرته حصون الإسرائيليين في ساعات قليلة. وعندما نبتت فكرة استخدام مضخات مياه خفيفة الوزن قوية الدفع، قام المهندسون بعمل تجربة لاختبار الأسلوب الجديد الذي اقترحوه واستخدموا فيه ثلاث مضخات مياه صغيرة إنجليزية الصنع، وكللت التجربة بالنجاح، وكان واضحا أنه كلما زاد ضغط المياه زاد تهايل الرمال، وبالتالي سرعة فتح الثغرة، وبعد عدة تجارب اتضح أن كل متر مكعب من المياه يزيح مترا مكعبا من الرمال، وأن العدد المثالي لكل ثغرة هو خمس مضخات. وبناء على ذلك تقرر منذ منتصف عام 1971 أن يكون أسلوب المهندسين في فتح الثغرات في الساتر الترابى هو أسلوب التجريف، وتقرر على أثر ذلك شراء 300 مضخة مياه إنجليزية الصنع وصلت عامي 1971 و1972، وفى أوائل عام 1972 تقرر شراء 150 مضخة أخرى ألمانية الصنع من شركة ألمانية بجوار مدينة "كولون بألمانيا الغربية" نظرا لأنها أكثر قوة من المضخة الإنجليزية، وبتخصيص ثلاث مضخات إنجليزية ومضختين ألمانيتين لكل ثغرة، ثبت أنه من الممكن إزاحة 1500 متر مكعب من الأتربة خلال ساعتين وبعدد من الأفراد يتراوح بين 10 – 15 فردا، وكانت هذه الطريقة مفاجأة تامة يوم 6 أكتوبر لم يتوقعها أحد من المهندسين المصريين. حدثنا عن الجندي «عبد الموجود» وهو من أوائل شهداء حرب أكتوبر؟ استشهد الجندي عبد الموجود غرقا تحت الطين أثناء فتح ثغرات في الساتر الترابي للعدو مستخدما سلاح الماء، وكان هذا الجندي يقوم برفع الروح المعنوية للجميع، حيث قمت بسؤاله ذات مرة "إيه رأيك لو جت أوامر بالعودة للغرب ومفيش حرب؟"، فرد عليا حينها بكل قوة قائلا: «أنا مش راجع.. أنا هحارب وأموت هنا"، وحقق الله أمنيته ومنحه الشهادة بعد ساعة واحدة. ولم أنسه طوال فترة الحرب حتى الآن لأنه شارك في التمارين التدريبية عن كيفية فتح الثغرة في الساتر الترابي التي بلغت 256 تدريبا، وقد احتفل "عبد الموجود" بتوزيع "الشربات" على زملائه وقادته عندما تمكنوا من فتح الثغرة في 4 ساعات، وهو الزمن المستهدف أثناء المعركة، وكانت عملية فتحها تستغرق 8 ساعات في بداية التدريب، وكان يرقص فرحا ولسانه يردد على مدار اليوم "أربع ساعات.. أربع ساعات». ما هي ركائز نصر أكتوبر 1973؟ تتمثل في 10 نقاط، هي: - دقة التخطيط. - دقة المعلومات. - الروح المعنوية العالية داخل القوات المسلحة. - التجهيز الجيد لمسرح العمليات. - الخداع الاستراتيجي التي قامت به المؤسسات المصرية المختلفة. - بناء الفرد المقاتل. - التدريب المستمر للقوات. - الابتكارات الخاصة بالحرب. - التعاون بين مختلف أفرع وإدارات القوات المسلحة قبل الحرب. - السيطرة والواقعية.