من الخطأ البين ان نتصور ان التوافق يعني مسك العصا من الوسط ! ومن السذاجة وانعدام الخبرة ان نعتمد الشيء ونقيضه بدعوي التوافق! التوافق لا يعني " حشر" نصوص متناقضة الفلسفة ومتباينة المعني والغرض ومتعارضة في مقتضاها القانوني والدستوري ثم وضعها جميعا في بوتقة وثيقة دستورية واحدة! هذه الرغبة في إرضاء اتجاه ونقيضه لا علاقة لها ألبتة بالتوافق! من المتصور التوفيق بين المواقف قبل وضع النصوص وان يعبر التوفيق بين المواقف عن نصوص متكاملة مترابطة متناغمة نتفق عليها قبل وضع النصوص. ولكن من غير المتصور التوافق علي نصوص وضعت ولكنها تتعارض فيما بينها لسبب واحد فقط : وهو ارضاء الاتجاه الديني السلفي والاتجاه الليبرالي المدني علي حد سواء وفي ذات الوقت . هذه المواقف البينية ستقودنا الي مسخ دستوري لا خير يرجي منه ولا أمل من خلاله يشع ! ولا يمكن ان نرجو استقرارا بدون توفيق المواقف السابق علي وضع النص ! أما التوافق علي نصوص جمة التناقض والتعارض في فلسفتها وفي مؤداها الدستوري معناها القانوني فهذا ببساطة جهل بما يؤدي اليه ذلك من صعوبات في التفسير الدستوري وعواقب لا نراها اليوم . لايمكن ان نرسي دعائم دولة مدنية تقوم علي اي نحو علي حذف وصف "مدنية" الدولة من النص الدستوري. كما لا يمكن تصور قيامها في وجود نص الماده 219 ذاتها أو علي اي صيغة أخري قريبة او مماثلة او استنساخ لها في الدستور او في ديباجته ! أيا كانت الحريات المنصوص عليها بعد ذلك - فإنه في غياب ضمانات قضائية فعالة لم تأخذ بها اللجنة التاسيسية بكل اسف (مثل الرقابة السابقة علي دستورية التشريعات المنظمة للحريات ورقابة القضاء علي اتفاق التشريع والقرار الاداري مع المعاهدات الدولية)، إنما سيفسر مداها ومعناها في ضوء القواعد الدستورية التي تحيل الي الفقه الديني وهو ما يناقض مدنية الدوله وفكرة حقوق الانسان بمعناها الحديث بما تفترضه من الاعتراف بمبادئ اخري: التعددية - سيادة القانون- الحرية الشخصية بتطبيقاتها المعروفه في الدساتير الحديثة. هذا تحذير وتنبيه لاعضاء اللجنتين: ان التوافق لا يعني الاخذ بمواقف متعارضة تسفر عن نصوص متناقضة وفلسفات دستورية متعارضة وانما ينبغي الاتفاق اولا علي النصوص وفقا لقواعد التصويت الديمقراطي المعمول بها طبقا للائحة اللجنة ولكل فريق رأيه وموقفه. لا نريد دستورا فئويا بل دستورا وطنيا. لا نريد دستورا طائفيا بل دستورا مصريا. لا نريد دستورا توافقيا بل دستورا ديمقراطيا في التصويت عليه وفي مضمون أحكامه. نريد دستورا يضبط السلطة ويخضعها للحرية وليس العكس. دستورا لا يعزل المصريين عن الامم المتحضرة فيما يمارسون من حريات وحقوق. دستورا يقرن الحرية بالمسئولية ويجعل من سيادة القانون أساس الحكم في الدولة. دستورا يوسع من رقابة القضاء ولا يبقي عليها كما هي في دستور 71 فهذه هي الردة الي الخلف انني اسمعت لو ناديت حيا فهل من حياة لمن أنادي