بعد لقاء ترامب والشرع.. واشنطن تعلق «قانون قيصر» ضد سوريا    منتخب السعودية يلاقي مالي في كأس العالم للناشئين    أخفاها داخل مخدات.. جمارك مطار القاهرة تضبط راكبًا أجنبيًا حاول تهريب 5 كيلو حشيش (صور)    بعد إعلان طلاق كريم محمود عبد العزيز.. كيف تُخبر شريكك بقرار الانفصال دون كسر القلب؟    محدش يزايد علينا.. تعليق نشأت الديهى بشأن شاب يقرأ القرآن داخل المتحف الكبير    نجوم الفن يتألقون على "الريد كاربت" في العرض الخاص لفيلم السلم والثعبان 2    المغرب والسنغال يبحثان تعزيز العلاقات الثنائية والتحضير لاجتماع اللجنة العليا المشتركة بينهما    قوات الاحتلال الإسرائيلي تصيب فلسطينيًا بالرصاص وتعتقله جنوب الخليل    مفوضية الانتخابات بالعراق: أكثر من 20 مليون ناخب سيشارك في الاقتراع العام    مشهد إنساني.. الداخلية تُخصص مأمورية لمساعدة مُسن على الإدلاء بصوته في الانتخابات| صور    مروان عطية: جميع اللاعبين يستحقون معي جائزة «الأفضل»    بي بي سي: أخبار مطمئنة عن إصابة سيسكو    اللعنة مستمرة.. إصابة لافيا ومدة غيابه عن تشيلسي    هشام نصر يهاجم مرتجي وزيزو: يجب عقابه أو لا تلوموا الزمالك على ما سيفعل    تقارير: ليفاندوفسكي ينوي الاعتزال في برشلونة    إصابة الشهري في معسكر منتخب السعودية    رياضة ½ الليل| الزمالك يهاجم زيزو.. الأهلي ضد الأهلي.. صدمة تهز الفراعنة.. وخسارة المنتخب    زينب شبل: تنظيم دقيق وتسهيلات في انتخابات مجلس النواب 2025    سرقة في لمح البصر.. حبس المتهمين بسرقة دراجة نارية من أمام مقهى بالقليوبية    صور.. النائب العام يستقبل وزير العدل بمناسبة بدء العام القضائي الجديد    إصابة 6 عمال في حادث انهيار سقف مصنع بالمحلة الكبرى    65 مليون جنيه.. استكمال محاكمة 9 متهمين بالاستيلاء على مستلزمات طبية| اليوم    الرئيس السيسي يؤكد اهتمام الدولة بتأهيل الشباب لسوق العمل في مجال التعهيد بقطاع الاتصالات    صلاة جماعية في البرازيل مع انطلاق قمة المناخ "COP30".. صور    ترامب: سوريا جزء مهم من الشرق الأوسط وأنا على وفاق مع الشرع    تحديات إيجابية.. توقعات برج الحمل اليوم 11 نوفمبر    المعهد الفرنسي يعلن تفاصيل الدورة الخامسة من مهرجان "بوبينات سكندرية" السينمائي    اليوم السابع يكرم صناع فيلم السادة الأفاضل.. صور    عبد الناصر قنديل: إقبال كثيف بالانتخابات يعكس تجذر ثقافة المشاركة    خطوة أساسية لسلامة الطعام وصحتك.. خطوات تنظيف الجمبري بطريقة صحيحة    أمطار رعدية وانخفاض «مفاجئ».. الأرصاد تكشف موعد تغير حالة الطقس    سعر الذهب اليوم الثلاثاء 11-11-2025 في الصاغة.. عيار 21 الآن بعد الزيادة الجديدة    أسعار الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الثلاثاء 11 نوفمبر 2025    رجال الشرطة يجسدون المواقف الإنسانية فى انتخابات مجلس النواب 2025 بالإسكندرية    أوكرانيا تحقق في فضيحة جديدة في شركة الطاقة النووية الوطنية    نتنياهو: معركة إسرائيل مع الأعداء الإقليميين لم تنته بعد    سعر الدولار الآن أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية قبل بداية تعاملات الثلاثاء 11 نوفمبر 2025    بدء التحقيقات مع المتهم بالتعدي على والدته وتخريب شقتها بكفر الشيخ    ياسمين الخطيب تعلن انطلاق برنامجها الجديد ديسمبر المقبل    نقل جثمان المطرب الراحل إسماعيل الليثي من مستشفى ملوي بالمنيا لمسقط رأسه بإمبابة    لماذا يجب منع الأطفال من شرب الشاي؟    طريقة عمل الجبنة البيضاء بالخل في المنزل    استشاري المناعة: الفيروس المخلوي خطير على هذه الفئات    ترامب يطالب مراقبي الحركة الجوية بالعودة للعمل بسبب حالات إلغاء الرحلات    وزير التموين: توافر السلع الأساسية بالأسواق وتكثيف الرقابة لضمان استقرار الأسعار    أخبار الإمارات اليوم.. محمد بن زايد وستارمر يبحثان الأوضاع في غزة    دعاء مؤثر من أسامة قابيل لإسماعيل الليثي وابنه من جوار قبر النبي    هل يظل مؤخر الصداق حقًا للمرأة بعد سنوات طويلة؟.. أمينة الفتوى تجيب    نماذج ملهمة.. قصص نجاح تثري فعاليات الدائرة المستديرة للمشروع الوطني للقراءة    انطلاق اختبارات مسابقة الأزهر الشريف لحفظ القرآن بكفر الشيخ    ما حكم المشاركة في الانتخابات؟.. أمين الفتوى يجيب    بالصور| سيدات البحيرة تشارك في اليوم الأول من انتخابات مجلس النواب 2025    بعد زيادة أسعار المحروقات.. ارتفاع أسعار النقل والمواصلات ب20.5% خلال أكتوبر الماضي    بعد 3 ساعات.. أهالي الشلاتين أمام اللجان للإدلاء بأصواتهم    هبة عصام من الوادي الجديد: تجهيز كل لجان الاقتراع بالخدمات اللوجستية لضمان بيئة منظمة للناخبين    وزير النقل التركي: نعمل على استعادة وتشغيل خطوط النقل الرورو بين مصر وتركيا    الرعاية الصحية: لدينا فرصة للاستفادة من 11 مليون وافد في توسيع التأمين الطبي الخاص    د.حماد عبدالله يكتب: " الأصدقاء " نعمة الله !!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عن الدستور والجمعية والمنتج النهائى
نشر في الشروق الجديد يوم 02 - 10 - 2012

حينما تشكلت الجمعية التأسيسية الثانية للدستور برغم اعتراض جانب من القوى السياسية على تكوينها وبرغم عدم اختلافها كثيرا عن الجمعية الأولى المقضى ببطلانها قيل لنا إن علينا الانتظار وعدم القلق لأن «المنتج النهائى» سوف يعبر عن طموح وتطلعات الشعب المصرى ويضمن الحريات ويرسخ للمساواة ولدولة القانون. وكانت النتيجة أن الفترة الماضية سادها ترقب وانتظار لما سوف يكون عليه الدستور الجديد، حرصا على إعطاء الجمعية التأسيسية الفرصة لكى تقدم لنا تصورا واضحا وكاملا، وآملا فى أن يأتى مشروع الدستور معبرا عن توازن وتوافق يتجاوزان الخلافات السابقة. ولكن للأسف أنه ما أن بدأت ملامح هذا «المنتج النهائى» تظهر علينا تدريجيا، حتى تبين أننا بعيدون كل البعد عن النص التوافقى الذى وعدنا به، وأننا أمام نصوص غامضة، ومعانٍ متناقضة، وتهديد حقيقى للدولة المدنية الحديثة. وللأسف أيضا أنه خلال اليومين الماضيين انشغل الرأى العام بأخبار من يدعون لمقاطعة الجمعية ومن رجعوا عن مقاطعتها ومن لا يزالوا يفكرون فى الأمر، بينما الواجب أن يكون حديثنا عن النصوص والأفكار والمبادئ وأن يشغلنا الدستور نفسه وما يتضمنه من عوار شديد بدلا من الاهتمام بمن كتبوه ومن قاطعوه. الآن وقد صار أمامنا نصوص محددة أو ملامح منها، فإن علينا واجب التصدى لها والعمل على تصحيحها ومراجعتها بشكل جذرى، أو إذا فشلنا فى ذلك فنكون على الأقل قد حاولنا ولم نقف صامتين أمام هذا النص الهزيل الذى لا يليق بمكانة مصر ولا بتاريخها القانونى والدستورى ولا يعبر عن احتياجات الوطن والمواطنين فى القرن الحادى والعشرين. وإليكم ما أرى أنها المشاكل الستة الكبرى فى الدستور المعروض وفى أسلوب إعداده:

هناك أولا غموض شديد يحيط بالنصوص الدستورية. فالجمعية التأسيسية تنشر نصوصا قليلة على موقعها الرسمى، ثم يتم تسريب غيرها فى وسائل الإعلام دون تعليق منها أو تصحيح أو توضيح لموقفها. والنتيجة أننا نحن المواطنين نتلمس ملامح الدستور الجديد من أخبار الصحف ومن الشائعات على المقاهى ومن البرامج الفضائية. فإذا اعترضنا على ما نسمعه من أفكار تبدو كارثية بادرنا كبار أعضاء الجمعية التأسيسية بأن هذه ليست سوى شائعات لا أساس لها من الصحة ولم يتم اعتمادها رسميا. حسنا، ولكن إن لم تكن هذه هى نصوص الدستور المقترح، فأين هى إذن؟ وكيف يمكن المشاركة فى حوار على موضوع غير معروف أصلا؟ من حقنا أن نعلم ما هو جاد وما هو هزلى، خاصة أن الأمرين صارا متقاربين إلى حد لا يصدق.

ثانيا، إن الغرض من الدستور فى كل بلدان العالم الديمقراطية ليس تنظيم كل جوانب حياة الناس وتفكيرهم ولا وضع القيود عليها ولا تصحيح مسار حياة المواطنين، بل الغرض هو ضمان الحقوق والحريات الأساسية وحماية المجتمع من الاستبداد وتثبيت أسس الحكم التى تحقق ذلك. الدستور نص يحمى المواطنين ولا يقيدهم. لذلك فمن العجائب أن ما يصل إلينا من أخبار كتابة الدستور يعبر عن رغبة عارمة فى التقييد والتكبيل وتنظيم جميع مظاهر الحياة والتفكير فى المجتمع، وهذه ليست مهمة الدستور أصلا.

ثالثا، النصوص الدستورية يجب أن تكون واضحة، قاطعة، ونهائية. لماذا؟ لأنها تحمى حقوقا وحريات أساسية لا تحتمل الغموض ولا المرونة فى التفسير والتطبيق. ولكن ما نسمعه ونقرأه يتجه إلى ربط هذه الحقوق والضمانات بتحفظات وإحالات إلى قوانين لاحقة تؤدى عملا إلى إلغاء النص الأصلى، بما يعنى أن النص الدستورى يصبح نوعا من التوجيه المعنوى والأخلاقى، أما القول النهائى فيكون فى يد البرلمان والحكومة وما يصدرانه من قوانين وقرارات، وهذا مناف لفكرة الدستور الذى يحمى الحريات والحقوق حماية نهائية، ومتعارض مع مبدأ سمو النصوص الدستورية على جميع التشريعات الأخرى.

رابعا، فإن هناك تناقضات تطل علينا من وقت لآخر وتوحى بغياب المصارحة والتوافق. فبعد الاتفاق على العودة لنص المادة الثانية فى دستور 1971 إذا بمحاولات تبدأ من أجل إقحام الأزهر الشريف فى شئون التشريع والتفسير القانونى على نحو يناقض مدنية الدولة. وبعد تطمين الرأى العام إلى أن السيادة ستظل للشعب وأن نظام الحكم سيكون ديمقراطيا، إذا بقيود تطل علينا فى مواد أخرى تنتقص من حرية التعبير والإعلام بما يهدم فكرة الديمقراطية من أساسها. هذه التناقضات لا تجوز فى كتابة دستور ينبغى أن يتميز بالوضوح والشفافية الكاملة.

خامسا، فإن الحوار كله قد اتجه منذ اللحظة الأولى إلى مستوى التفاصيل والصياغات، دون أن نكلف أنفسنا عناء البحث فى المبادئ والأسس. تصريحات المسئولين تؤكد أن الاستفتاء فى نهاية شهر أكتوبر، ولا نعلم بعد هل ستكون جمهورية رئاسية أم برلمانية، وهل ستكون الانتخابات بالقائمة أم بالفردى، وهل سيكون تفسير القانون فى يد المحكمة الدستورية أم هيئة كبار العلماء، وهل سيكون هناك قضاء إدارى أم سيتم دمجه فى نظام قضائى موحد، وهل سنحصل على مساواة حقيقية بين المواطنين أم مجرد نصوص إنشائية، وأما بشأن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية فلا جديد يذكر. الجدل دائر على صياغات وتفاصيل بينما الحوار الحقيقى حول شكل الدولة ونظام الحكم وحقوق المواطنة لم يحدث بعد.

وسادسا، فإن النقاش الدائر حول النصوص المقترحة قد جعلنا نغفل ما لم يرد ذكره من مواضيع خطيرة ومهمة أخشى أن تمر مرور الكرام. فالمطروح علينا يتجاهل حقوق المزارعين والفلاحين تماما (باستثناء الحديث المعروف عن حماية الرقعة الزراعية) ولا يمنح الفلاح المصرى حماية من الاستغلال والإهمال ونقص الموارد والاستهتار بثقافته الريفية، والمرأة أخذت نصيبها المعتاد فى نص واسع ومبهم بشأن المساواة بينما باقى نصوص ذات الدستور تهدد حريتها واستقلالها وحقوقها التى اكتسبتها عبر نضال طويل، والعاملون فى القطاع السياحى لا ذكر لهم بينما مجال عملهم يمكن أن يتأثر بفلسفة ونصوص الدستور، وهناك نص بشأن حق المواطن فى البقاء فى وطنه وعدم الإبعاد إلى بلد آخر بينما لا يضمن له البقاء فى قريته ويحميه من التهجير القسرى والعقوبة الجماعية، أما نظام الحكم وسلطات الرئاسة والضوابط المطلوبة لتمويل الانتخابات ومنع تزويرها فلم نر منها شيئا بعد. فمتى يتم استكمال كل ذلك؟ ومتى تشركنا الجمعية التأسيسية فيما تخطط له إذا كانت تنوى (بحسب تصريحات المسئولين) طرح الدستور للاستفتاء خلال أسابيع قليلة؟

القضية فى تقديرى لم تعد تتعلق بإسقاط الجمعية التأسيسية مع اقتناعى الراسخ بسوء تشكيلها لأن هذا الموضوع صار فى حوزة المحكمة وسوف تفصل فيه قريبا. الأهم الآن هو النصوص ذاتها، ما ورد بها وما تم إغفاله، والأسلوب الذى يجرى به الانتهاء من إعداد الدستور وطرحه للاستفتاء. وأبادر بالتأكيد على أن الدستور لا ينبغى أن يتحول إلى ضحية أخرى من ضحايا الانقسام والاستقطاب بين المدنى والدينى، بين الإسلامى والليبرالى، وبين الحكومة والمعارضة. الدستور أهم وأخطر من ذلك بكثير. وبغض النظر عن الانتماء الحزبى والسياسى، فإن على كل العقلاء فى هذا الوطن التصدى لهذا المنتج التعيس الذى يجرى إعداده بغموض واستعجال، والذى ستظل نصوصه معنا لسنوات طويلة، وسيتحمل من شاركوا فى كتابته مسئولية تاريخية ثقيلة. ليس المهم أن يخرج فريق سياسى منتصرا فى موقعة الدستور، فهذا مكسب سريع وزائل، بل المهم أن نخرج فى النهاية بنص توافقى يليق بهذا البلد ويجتمع الناس حوله وينتقل بنا إلى مرحلة جديدة بدلا من تكرار مشاكل الماضى بسبب دستور معيب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.