أخشي عليك لأنك تقفين وحدك في هذا العالم المهووس، تنظرين الينا ونحن كما ترين، مكبلون بالشهوة ومصفدون باليأس، هكذا ينضح وجهك الصبوح بدمعات مالحة لكنها تحمل الشفاء دوما، آه يا بلادي.. يا أسي المحروم، وآهات المسافر عنك الي بعيد، كيف أعيش فيك وأنا غريب، وأنا وحيد مفعم بالوحشة ومثخن بالجراح، في كل موضع من جسدي جراح وفي كل نأمة من روحي جراح.. آه يا بلادي.. أكلما انفتحت أبواب الرحمة من السماء، وكلما أشرقت الارض بنورها الآتي من وهج الصديقين وآيات الحب، عدنا للحجيم مرة أخري، كيف ترتجفين الآن علي كف الاقدار، ومن يسومك سوء العذاب ظنا انه يرويك بحبات عرقه الناضح، إننا جميعا نرتكب الخطيئة فيك يا صابرة علي فوهة بركان الحنق والحمق الذي فينا. آه يابلادنا الحزينة: ونحن نضيع في مفازات الضغينة، تقودنا الشياطين الواثبة وهي تضحك منتشية بعذابنا ونحن نمزق فيك بعضنا بعضا، ولا نمل، ونحن نغرق دمنا زهيدا بثمن بخس، بل بغير ثمن، هكذا نفقد عند شاطئك المترامي خصلة النبل ونقاء القلب، وأشياء كثيرة كانت لدينا في خزائن الوطن النفيسة.. آه يا بلادنا التي كانت تزرع الفل والنرجس والرياحين والياسمين في كل شبر من أرضها الطهور، وكانت الانداء تهبط فوق الحقول باسرار السماء، آه يا بلادنا نحن الآن علي شفا جرف هار يكاد يسقط بنا جميعا الي قاع سحيق، وهاوية ليس لها من آخر، آه يا بلادي، في لحظة الجنون تضيعين منا، ونحن غائبون، غائبون عنا، عن صوابنا، وعن كل ما تريدين منا، غائبون عن الحياة التي هي أنت يا بلادنا الحبيبة. الفجور الفساد يدب في أحشاء مؤسساتنا، الروتين لا يزال بيد مجموعة بالية من الموظفين يقلبون الحق الي باطل والباطل الي حق يضرون به بسطاء الناس، الرشاوي علي الملأ لاتزال، ولا أحد يستطيع ان يحاسب هؤلاء الفاسدين، ان حالة من الفجور تسود بلادنا باسم الحرية، ولا أحد يفهم، ماهي تلك الحرية بالضبط، لقد فقدنا الطريق إلي أهدافنا العليا مرة أخري ولأسباب يعرفها الناس جميعا، لماذا نصمت علي حقوقنا امام موظف ميت الضمير، منزوع من قلبه الرحمة، لماذا نثور فقط في الخلاء، ونحن أمام الكلاب الضالة نعينهم علي مزيد من الافساد في الارض، أيها الناس اذا علمتم المرتشي فاشهروا سيوف غضبكم وتجمعوا عليه حتي تفضحوه. إلي وزارة العدل لا أود أن أشير الي وزير بعينه أو إلي رئيس محكمة النقض، الذي هو قاضي القضاة، لان السياسة أفسدت علينا ان يستقر العمل بمحاكمنا وأن نجد من يهب بخطة واضحة للقضاء علي حالة التكدس والزحام والتراكم لمصالح الناس وتأجيل القضايا بالشهور والاعوام حتي ييأس صاحب الحق ومنهم من يموت كمدا دون أن يصل الي حقه، إن هناك ادارة تعرف بتنفيذ الاحكام، بينما فيها من يعوق هذا التنفيذ بكل ما أوتي من قوة وقوانين عفا عليها الزمن ومنهم من لا يريد ان يستمع لاصحاب المظالم من الاساس.