لم تمر أيام علي انفجار مشكلات أمتنا القومي في سيناء، حتي انفجرت مشكلة أخري أضخم تهدد أيضا أمننا القومي بضراوة، رغم انها كانت في الذاكرة، وهذا يدفع التفكير في ضرورة تغيير الاستراتيجية التي تقوم عليها حماية مصالحنا العليا وأمن الوطن في الداخل والخارج، وقد يكون هناك بالفعل تقصير بسبب الفارق الكبير بين ما كانت عليه مصر قبل يناير 1102 وبعدها بعامين ونيف، وان هناك بالفعل قوي عديدة تضغط علي مصر الآن بكل شراسة حتي يتم تطويعها في المستقبل للمشروع الشرق أوسطي الجديد، الذي يمنح إسرائيل قدرات فائقة علي أي قوة في المنطقة، بل يجعلها قوة ردع للمنطقة بأسرها للسيطرة علي ثرواتها حتي تنفد. ان اندفاع أثيوبيا لإقامة السد المشئوم وتطاول كتابها علي مصر بهذا السفه يؤكد ان الضغط علينا يزداد ويذهب إلي أبعد مدي حتي تلجأ مصر إلي الجهات الدولية التي تضع قناع العدالة والحياد علي وجوهها، وهي تضم في داخلها شرا مستطيرا لشعب مصر، حتي لا يرتفع لها صوت ولا تنتفض لها قوة في مواجهة المد الاستعماري الجديد، هذا هو الاحتلال الجديد وطبول الحرب علينا تدق من هناك، حيث منابع النيل الذي يلخص تاريخ مصر، ويكتب أنشودة حياتها.. ولعلي هنا أشير بوضوح إلي ضلوع إسرائيل وحلفائها الجدد فيما يفعله الموتورون من اثيوبيا، لان الأمر في النهاية سيؤدي إلي حرب ضروس كالتي تطل ألسنة نارها من سوريا ومنطقة الخليج، وتتأجج علي الحدود من ليبيا المستباحة، والمجتمع الدولي الصامت يعلم جيدا ان اثيوبيا ترتكب جريمة بتصرفها الأرعن، وانها تستحق عقوبات صارمة، لكونها تخالف القوانين والأعراف الدولية وتبذر بفعلتها الشنعاء بذور الكراهية بين الشعوب وتؤسس لحرب كونية محتومة.. أما ما يبعث علي الحزن والأسي ان نسمع من بين ظهرانينا من يقول ان توجيه ضربة عسكرية للسد المشئوم أمر مستحيل، فماذا لو استمرت إذن اثيوبيا في طريقها إلي الشر الذي سيلحق الضرر بشعب عاش ملايين السنين علي ماء هذا النهر؟! وثائق مصر مع الصهاينة تحدث رئيس لجنة الثقافة والإعلام بمجلس الشوري لجريدة »الأخبار» منذ أيام، وفجر بين السطور قضية تبعث علي الحيرة، وتجعلنا نتساءل من الذي أوكل لهذه الشركة الصهيونية نقل وثائق مصر الخطيرة والهامة علي أسطوانات مدمجة لتكون ما تحويه هذا الوثائق من معلومات بين الجهات المخابراتية التي أسست هذه الشركة لا محالة، إننا نريد ان نعرف الحقيقة كاملة، وهل كان المسئولون في وزارة الثقافة وفي دار الكتب والوثائق القومية علي وجه التحديد يعلمون ذلك.. هذه قضية أمن قومي أخري يجب ان يتم التحقيق فيها دون انتظار. ظمآن يا وطني لماء النيل النيل كان يعيش فينا.. حائرا.. يجمع التاريخ من أحشائنا.. ويضمنا في عقده الفريد.. النيل كان يصيح فينا بالحنان وبالجنان.. وكان يمرح بالطفولة والأناشيد الجميلة.. ونحن نرمي جثة الأحباب فيه، كنا خاطئين.. وكان منا من يلوث وجهه الفتان.. في الصباح وفي المساء.. والنيل يروي ثم يروي ثم لا يبكي علينا.. النيل جف من منابع جهلنا بالحب والإيمان.. النيل يظمأ مثلنا للعشق يا أمة تبيع من يحبها بأبخس الأثمان.