لم يطرأ علي فكر مصري في يوم من الأيام أن ماء النيل من الممكن أن يقل أو أن ينعدم أو تحدث في يوم أزمة بسببه ولكن المصيبة وقعت واجتمعت دول الحوض علي مصر في 15 مايو ليعلنوا توقيع اتفاقية توزيع جديدة لماء النيل منفردة عن مصر والسودان اللتين رفضتا هذه الاتفاقية وأعلنتا أنهما لا تلزمهما مطلقاً مما صعد من الأزمة. ومدبرو المؤامرة يعلنون أسبابًا وهمية منها: الاعتراض علي اتفاقية عام 1929م، والأحداث تقول إن إثيوبيا هي التي تقود الأزمة المفتعلة فقد أعلنت رفض الاتفاقية منذ عقود لكنها لم تتحرك مثل هذا التحرك الرافض الأخير باتفاقية 15 مايو والذي وصل إلي حد أنها تعتزم بناء 70 سدًا علي روافد النيل عندها رغم أن إثيوبيا تعتمد في زراعتها علي مياه الأمطار الغزيرة جداً ولا تعتمد علي النيل كما تعتمد مصر التي لا تسقط عليها الأمطار إلا نادراً وقد صرح رئيس وزرائها زيناوي مؤخراً أن مصر لن تستطيع أن تمنعنا من بناء السدود. والمؤامرة تحركها اليد الصهيونية وقد نشرت وثيقة ل «تسيفي مزائيل» - سفير إسرائيل السابق في مصر - يطالب بتدويل النزاع بين مصر والسودان وباقي دول حوض النيل. ويتهم مصر بتجاهل المطالب الشرعية لدول المنابع ويتهم مصر باحتكار مياه النيل وتجاهل ما سماه حقوق دول المنابع المهدرة. وقد ذكر المحلل السياسي الأمريكي مايكل كيلو، في كتابه «حروب مصادر الثروة» أن «إسرائيل» لعبت دورًا كبيرًا مع دول حوض النيل لنقض المعاهدة الدولية التي تنظم توزيع مياه النيل، واعتبر أن هذا الأمر يأتي في إطار الاستراتيجية الصهيونية. ومن المعلوم العلاقة القوية التي تربط إثيوبيا بدولة الاحتلال الصهيونية التي وصلت إلي تعاون عسكري وزراعي وصناعي منذ عقود وهي من أوائل الدول في القارة الأفريقية صاحبة العلاقة القوية بالكيان الصهيوني ولا يفوتنا تهجير إثيوبيا لآلاف من يهود الفلاشا الإثيوبيين لدولة الاحتلال الصهيوني. واليهود الصهاينة رغم اتفاقيات السلام الزائفة فإنهم هم العدو لا يفترون عن عداوتهم أبدا للعرب والمسلمين وهم يعانون أزمة مياه، وقد طلب الصهاينة كميات كبيرة من ماء النيل عقب توقيع اتفاقية كامب ديفيد المشئومة مع مصر. وطلبوا مد ترعة السلام لتمتد إلي سيناء ومنها إلي كيان الاحتلال. ومازال علمهمًا مرسوما عليه خطين يمثلان نهر النيل والفرات لم يتغيرا، ومن الواضح فشل وضعف الحكومة حيث ظهرت بوادر الأزمة منذ سنوات ولم تقم الحكومة بواجبها في احتوائها بالعمل علي قيام مشروعات مع تلك الدول وتعزيز الوجود المصري بها وتقديم مصالح مادية لتلك الدول تقطع عليهم طريق تلك المؤامرة التي يغذيها من يدفع لهم. حتي وصل الأمر لعدة حلول عنوانها الاستغلال منها 1-النفط مقابل الماء وهو تزويد تلك الدول بالبترول مقابل توفير كميات الماء الكبيرة لمصر 2- طرح تسعير الماء وبيعه لمصر!!! ومع خطورة الأزمة وتصاعدها بنحو غير مسبوق في تاريخ مصر أعلنت مصر علي لسان أكبر مسئوليها أن نهر النيل مسألة حياة أو موت، نعم، ولكن ما العمل هل الحرب ونحن أعلنّا من قبل أن حرب أكتوبر آخر الحروب ومن وقتها تتوالي الضربات ولا نفعل شيئًا؟!. يقولون علي أجندة الحكومة تحركا سياسيا وأمامها الحل القانوني ولكن هل ننتظر حتي نموت عطشاً وجوعا بعد فقر الحكومة؟ ولا يخفي أن سبب الأزمة هو الإهمال الحكومي لأفريقيا منذ كامب ديفيد المشئومة فقد كانت كثير من دول أفريقيا ليس لها علاقات دبلوماسية مع كيان الاحتلال ولكن بعدما استسلمت مصر ووقعت اتفاقية الاستسلام توغل الصهاينة وتغول دورهم في أفريقيا حتي أصبحت لهم قواعد ومصالح استراتيجية في أفريقيا وكل ذلك بسبب كامب ديفيد المشئومة. وإذا كان للصهاينة دور في المؤامرة فبلاشك لا تغيب الولاياتالمتحدةالأمريكية. ويبقي أن مصر تعتمد بنسبة 85% علي ماء النيل فهو شريان الحياة وما حدث من دول الحوض الأفريقية يعد بمثابة إعلان حرب علي مصر فالقضية أمن قومي لمصر لا تراجع فيها مطلقاً وأتمني أن تنتصر مصر في تلك الحرب الرهيبة ولكن كيف تنتصر بحكومة فاشلة؟ هل سوف يفرض علي دول المصب قانون الطوارئ؟ ولا يفوتني الإشارة إلي أن الظلم يسبب المصائب ويمحق البركة ويمنع الخير وبسببه يشح الماء ويذبل الزرع. وأخيرًا ما حدث من دول الحوض الأفريقية يدل علي أن القوة العسكرية والسياسية تفتح لك أبواب المصالح والتفوق علي الآخرين وأن إعلان مصر انكفائها علي نفسها بعد كامب ديفيد أضعف من دورها الإقليمي والدولي في شتي المجالات مما فتح الباب لظهور دولة الاحتلال إسرائيل كقوي مؤثرة رغم أنفنا المرغم بالتراب، وقد عرّف هنري كيسنجر العولمة بقوله: إن القوة هي الحق ومن يملك القوة يفرض ما يريد. وللأسف مصر بعد كامب ديفيد لم تعد تملك قوة تفرض بها ما تريد فتوالت المصائب وآخرها المؤامرة علي نهر النيل شريان الحياة في مصر.