في عام 2006 رأيت شباب الإخوان المسلمين في مصر يسجدون ويصلون أمام دار القضاء العالي وقد اصطف ضباط وجنود الأمن المركزي أمامهم مدججين بالسلاح. كان ذلك تضامنا من الإخوان المسلمين مع القضاة، الذين كانوا قد بدأوا اعتصامهم احتجاجا علي ضغوط نظام مبارك للتصديق علي نتائج انتخابات مزورة . وفي الشهر الماضي، تظاهرت أعداد أكبر من الإخوان المسلمين أمام نفس دار القضاء العالي ضد القضاة، وكانوا يطالبون بتطهير القضاء، الذي اتهموه بتقويض الفترة الانتقالية، التي أعقبت سقوط مبارك، من خلال إصدار أحكام ظالمة ومسيسة. وقد تحولت المظاهرات إلي اشتباكات مع قوي أخري دخلت في مواجهة معهم لأنها لا تري القضاء علي هذا النحو. ويعود تدهور العلاقة بين الإخوان المسلمين والقضاة إلي العام الماضي، عندما أصدرت المحكمة الدستورية العليا حكما بحل مجلس الشعب المنتخب ديمقراطيا ذي الأغلبية الإسلامية بسبب عدم دستورية قانون انتخابه حسبما رأت هي. ورأت جماعة الإخوان المسلمين وحلفاؤها في مجلس الشعب قرار الحل كهجوم سافر علي حقها المشروع في تمثيل الشارع في البرلمان يؤكد تربص قضاتها بها وكذلك الجماعات الإسلامية الأخري الممثلة معها في البرلمان. وبموجب الدستور الجديد الذي صاغه مجلس الشوري الذي انتقلت إليه سلطة التشريع، والذي يراه خصوم الإسلاميين يضم أيضا أغلبية إسلامية كما مجلس الشعب الذي تم حله بقرار المحكمة الدستورية العليا، فقد تم تقليص عدد قضاة هذه المحكمة من 18 إلي 11 قاضيا. وقد حدث أن القضاة الذين تم استبعادهم بينهم خصوم سابقون للإسلاميين. كما منح الدستور الجديد الرئيس محمد مرسي سلطة تعيين قضاة جدد بالمحكمة. في ذات الوقت، اقترح مجلس الشوري قانونا لإصلاح القضاء ينص علي خفض سن إحالة القضاة للمعاش من سبعين عاما إلي ستين عاما. ولو تم تطبيق هذا القانون المقترح فإن حوالي 3 آلاف قاض سيحالون للتقاعد. ورغم أن القانون المعروف بقانون السلطة القضائية لا يزال بالمجلس قيد البحث والدراسة إلا أن الحديث عنه تسبب في أزمة مع القضاة. ومع ذلك فالقانون به بعض الإيجابيات، التي من شأنها إصلاح القضاء، الذي لا يختلف عن سائر مؤسسات الدولة المصرية، التي تحتاج لعملية غربلة لتنقيتها من الشوائب التي لحقت بها في عصر الرئيس المخلوع مبارك، حيث كانت أحكاما كثيرة مسيسة، حسبما يريد النظام، بالإضافة إلي الافتقار إلي الشفافية، ولدي الإسلاميين أسبابهم المنطقية لموقفهم من القضاة والمحاكم وأحكامها، وهم من حوكموا وتعرضوا للسجن والتنكيل علي أيدي بعض هؤلاء القضاة، وأمام محاكمهم. وبعد أن دعا الرئيس مرسي لمؤتمر عام وفي حضوره بأن يباشر القضاة نظر التعديلات التي من شأنها صدور قانون السلطة القضائية بالتوافق، لابد من أن يتناسي الجميع كافة المواجهات السابقة، ويتفهم كل طرف موقف الآخر، لأن إصلاح القضاء مهم لمصر، وهي تحاول نسيان الماضي، والانطلاق نحو المستقبل، وحتي لا يبدو الأمر علي أن مبارك قد جر القضاة لأخطاء، يحاسبهم عليها مرسي. (صحيفة »نيويورك تايمز» الأمريكية)