نعاني نحن المصريين حاليا من مشاكل جمة في مختلف جوانب الحياة من مأكل وملبس ومواصلات وطاقة وأمن وغيرها. وقد دفع هذا جانبا لا بأس به من المصريين إلي التباكي علي أيام الرئيس السابق الذي ثرنا عليه ثورة باهرة في 52 يناير 1102. ويجهر البعض بالقول »ولا يوم من أيامك ياريس» وتناسوا أن هذه المشكلات قد سببها أساسا حكم هذا الرئيس. صحيح أن الحكومة الحالية ضعيفة ولم تفلح في حل مشكلات الناس، لدرجة أنها لا تفلح في الدفاع عن نفسها، وإنها ليست السبب في هذه المشكلات، وأن حلها يحتاج إلي جهد خارق وزمن ليس بالقصير، من ذلك أن الرئيس السابق الذي يتندمون عليه هو السبب الرئيسي في حدوثها. نعم إن أهم مسببات هذه المشكلات هو الرئيس السابق واليكم بيان أهمها: أولا: مشكلة الطاقة والوقود نتضرر جميعا بدرجة أو بأخري من مشكلة نقص الوقود والطاقة فطوابير الشاحنات والسيارات التي تنتظر التموين بالسولار والبنزين تمتد لما يزيد عن كيلو متر في عديد من المحطات، ولمدة تزيد علي عشر ساعات. ولا يخفي مقدار الهدر الكبير في الوقت والمال الضائع اثناء هذا الانتظار. وكذلك فإن انقطاع التيار الكهربائي عن المصانع والمنازل والمستشفيات وغيرها، يسبب خسائر كبيرة ومعاناة شديدة للكثير من الناس، وينتج عنه اتلاف العديد من الأجهزة والآلات، وفقد وضياع لنسبة كبيرة من المنتجات وأيضا حرمت المخابز من السولار والمطاعم من البوتاجاز، وأما عن اضرارها فحدث ولا حرج كما قد يؤدي نقص السولار أثناء جني محصول القمح إلي فقد وضياع نسبة كبيرة منه، نضطر إلي استيرادها بالعملة الصعبة.. وقد نتج كل هذا من إهدار النظام السابق لثروتنا من الطاقة عن طريق تصدير البترول والغاز إلي الأردن واسرائيل وغيرهما بسعر بخس، يقل كثيرا عن أسعارها العالمية. وقد تم ذلك علي الرغم من مطالبة العديد من خبراء الطاقة المصريين بعدم تصدير الطاقة بسبب قلة رصيدها. وقد طالبت في محاضرة بالمجمع العلمي المصري عام 8002 بالتوقف عن تصدير البترول والغاز سواء كان بطريقة مباشرة أو بصورة غير مباشرة عن طريق تصدير المنتجات الكثيفة في استخدام الطاقة مثل الأسمنت والألومنيوم والسيراميك والأسمدة وغيرها. إلا أن النظام السابق لم يلق بالا بهذه المطالبات الوطنية واستمر تصدير الغاز والطاقة، وكانت النتيجة الطبيعية لذلك هي نفاد مواردنا وعدم كفاية الانتاج المحلي لسد حاجات الاستهلاك، واضطرارنا إلي استيراد الطاقة بتكلفة تفوق أضعاف ما حصلنا عليه من تصديرها. ثانيا: عدم العدالة الصارخة إن أحد الأسباب الرئيسية لقيام ثورة 52 يناير 1102 الباهرة هو عدم العدالة الصارخة في توزيع الدخول والثروات لقد سمح النظام السابق لفئة قليلة من المحظيين باحتكار ثمار التنمية بحيث تضخمت ثرواتهم تضخما سرطانيا، في حين تعاني غالبية الشعب من الحرمان، وعدم التمتع بالخدمات الصحية، مما أدي إلي انتشار الأمراض الخطيرة مثل الفشل الكلوي، وفيروس سي وغيرها، ومازال قطاع كبير من الشعب يعاني من الحرمان نتيجة لعدم العدالة، وليس لنقص الموارد في مصر. ثالثا: عدم الحصول علي الحقوق إلا بالاضرابات لقد حرم النظام السابق فئات كثيرة من العاملين من الحصول علي حقوقهم المشروعة بالطرق القانونية. ولم يستجب للطلبات إلا تحت ضغط المظاهرات والاضرابات والوقفات الاحتجاجية، سعيا وراء اسكات الأصوات المعارضة إلا أن هذا قد علم الناس قاعدة «ذهبية» للسلوك الفعال للاستجابة لمطالبهم - مشروعة أم غير مشروعة - وهي: لابد من التدمير والتكسير حتي تحصل علي ما تريد. وترتب علي ذلك أن عمت هذه السلوكيات غير المنتجة للمجتمع بأكمله. وما زال ذلك السلوك منتشرا مثل تجمهر سيارات الأجرة وسد الطرق، وتعطيل المرور علي الكباري وغيرها إلي أن تستجيب الحكومة لمطالبهم، فمن الذي علمهم ذلك؟ ومن المسئول عن هذا؟ رابعا: نهب الثروات وعجز الموازنة العامة فرط النظام السابق في موارد الدولة بصور شتي منها: بيع الأراضي الزراعية والأصول الصناعية بأبخس الأسعار، وعدم تحصيل الضرائب المستحقة، مما حرم الموازنة العامة للدولة من موارد هائلة، وأدي إلي تضخم الدين العام المحلي إلي مستويات غير مستدامة، وهدد السلامة المالية لمصر. بل الأدهي من ذلك أن النظام السابق قام بتوفير المرافق العامة لهذه الأماكن من أموال الشعب دون أن يستردها أو يحصل مقابلها. وهذا هو أحد أسباب تفاقم مشكلة المالية العامة الحالية. فمن المسئول عن هذا؟ خامسا: الانفلات لعام نشكو جميعاً من الانفلات العام في مختلف مناحي الحياة. ومن مظاهرها الخطيرة عدم الشعور بالأمن والأمان، واعتداء الطلاب علي اساتذتهم في الجامعات، وتعدي العمال علي أصحاب الأعمال الذين يوفرون لهم سبل العمل الكريم، وسير المركبات في عكس الاتجاه بأعداد كبيرة علي الطرق السريعة، والاعتداء علي الاراضي الزراعية التي توفر لنا الغذاء، ومخالفات المباني في المدن والقري للارتفاعات علي الرغم من تعرض من يسكنوها للموت بسبب عدم سلامة المباني الاصلية، هذا قليل من كثير، وقد زرعة النظام السابق عن طريق الكبت والاهتمام بأمن الحاكم وليس أمن المواطن، والتركيز علي الأمن السياسي للنظام دون الاهتمام بأمن المواطن علي نفسه وعرضه وماله. فمن المسئول عن هذا؟ سادسا: الغرامات التي يمكن أن تتعرض لها مصر أهدر النظام السابق حقوق مصر والمصريين في تعاقدات عدة مع جهات أجنبية دون الاحتفاظ بتوازن العقود، ناهيك عن هدر الموارد المالية فور التعاقد ومستقبلا، وقد نصت هذه العقود علي حل النزاع عن طريق التحكيم الدولي. وتظهر تجارب الماضي أن هذا التحكيم يميل إلي الحكم ضد الدولة لصالح الأفراد الأجانب. والأمثلة علي ذلك كثيرة لا داعي لذكرها. وتحاول الحكومة الآن استرداد جزء من الحقوق الضائعة وتجنب التعرض لغرامات باهظة التكاليف عن طريق التصالح مع هؤلاء الأفراد والشركات. وبدلا من الحصول علي الموارد المالية أصبحنا عرضة لدفع أموال طائلة للغير، ونحن في أشد الحاجة إلي هذه الأموال من أجل توفير الحاجات الأساسية للمواطن، ولتجنب الأزمات. فمن المسئول عن هذا؟ سابعا: الاحتقان الطائفي أظهرت التحقيقات التي تمت بعد الثورة، أن الأحداث الطائفية التي حدثت أثناء نظام الرئيس السابق، قد ارتكبت بفعل النظام وأوامره، ومن أبرزها أحداث كنيسة القديسين. ولقد كان من سمات الحكم السابق اتباع المبدأ الاستعماري «فرق تسد». وفعل ذلك بين المسلمين والمسيحيين وميز في المعاملة بينهم، وهذا أهم أسباب الاحتقان الطائفي الذين نعاني منه الآن، ونرجو الله أن نتخلص منه في أسرع وقت ممكن. فمن المسئول عن هذا الاحتقان الطائفي؟.. ومن الممكن أن نذكر الكثير والكثير عن أسباب عدم الرضا الذي نشعر به جميعا الآن، والذي يسبب الأزمة الاقتصادية والسياسية التي تمر بها مصر حاليا في مرحلة الانتقال. أفبعد كل هذا يمكن أن يقول أحد «ولا يوم من أيامك يا مبارك»؟ لا يتصور أن يقول بهذا إلا من كان من أصحاب المصالح في النظام السابق، أو من كان متطلعا إلي مغنم من الثورة ولم يحصل عليه، أو من كانت ذاكرته قصيرة لدرجة أنه لا يتذكر التاريخ القريب لما يقل عن عامين، إن من المعتاد في مصر أن يدفعنا عدم رضانا عن الحاضر أن نتندم علي الماضي. ولكن ليس لهذه الدرجة، فما لكم كيف تفكرون! إن الحاضر الذي نعيش فيه لا يرضي عدوا أو حبيبا. وبدلا من النظر إلي الخلف علينا أن نتطلع للمستقبل وأن نعمل علي اصلاح حاضرنا، وأن نصلح اقتصادنا وأوضاعنا السياسية والاقتصادية بدلا من البكاء علي اللبن المسكوب.